تقارير
القاضي الفسيل: في السجن وصلت إلى قناعة أنه لا فائدة من التكلّم مع طاغية (4)
يتحدث القاضي الفسيل، في الحلقة الرابعة من برنامج "الشاهد"، عن شخصية الأستاذ أحمد الحورش وفترة حبسه من قبل ولي عهد الإمام.
ويضيف "في السجن وصلت إلى قناعة أنه ليس هناك أي فائدة من أن تتكلم مع طاغية ومع دكتاتور، وأن ولي العهد كان طاغية يرسل جنوده لابتزاز الأهالي، وسلب مدّخراتهم. كما أن الإمام كان يأخذ من المشايخ والشخصيات أحد أبنائهم "رهينة"، لكي يخضعهم لنظام حكمه، فقد كان هذا النظام "الإجراء" متعارفا في الأئمة من أيام الهادي الرسي الذي أدخل بذرة الهادوية الزيدية إلى اليمن سنة 284.
- مكتبة الحورش ودورها التنويري
يقول القاضي محمد الفسيل إن الأستاذ الحورش قرر بيع مكتبته، واختاره لبيعها، أن القاضي العمري (وزير الإمام) قرر يشتري المكتبة كلها، لكن الحورش رفض ذلك، وقال "لا، أريد بيعها بهذا الشكل، المكتبة ضروري يشتريها مجموعة من الناس، حتى لا تحتبس عند شخص واحد.."، مؤكدا أنهم باعوها على هذا الأساس، وبعد ذلك سافر الأستاذ الحورش إلى القاهرة، وطلب منه أن يرافقهم فرفض، لأنه -كما يقول- سيكون حملا عليهم، وهم غير أثرياء.
- العلاقة بين الفسيل والحورش
يشير القاضي الفسيل إلى أن الأستاذ الحورش كان شخصية غير عادية، موضحا أنه كان يترك لتلاميذه، وهو كان أقرب التلاميذ إليه، فرصة أن ينمّوا أنفسهم ذاتياً، وكان يساعد ولا يتدخل كثيرا، ومن خلال قراءتي لنهج البلاغة (شرح أبو الحديد)، غيرت عندي كل شيء عن التشيّع..".
- مرحلة التثقيف الذاتي
يؤكد الفسيل أن التغيير الذي حدث هزّ كل شيء في كيانه، حتى بدأ يتشكك في الإسلام نفسه، ملفتا إلى أن الحورش قال له هناك فرق بين الإسلام وبين المسلمين.
ويستطرد في الحديث "بعدها استمرينا ثلاث سنوات، ركزنا على التثقيف الذاتي، في مكتبة الأستاذ الحورش، كان يوجد في المكتبة "قصة الفلسفة" و"قصة الأدب"، وكتب التاريخ، ودواوين شعراء سابقين، هذه الكتب أعطتنا دفعة كبيرة من الأدب".
ويزيد "كان هناك مجلة الرسالة، تحتوي على الأبحاث العلمية والتاريخ والصراع بين الكُتاب في مصر، ومجلة الثقافة، هذه أفادتنا كثيرا وأعطتنا ثقافة عامة بشكل كبير".
ويشير إلى أنه "في مجلة الفلسفة وصلنا إلى قناعة أنا وأحمد الشامي أنه لا توجد فلسفة حقيقية إلا في اليونان؛ لأن فلسفتهم كانت مرتبطة بالطبيعة وما وراء الطبيعة، بينما في الشرق الأوسط لا توجد فلسفة وإنما غيبيات دينية تدعم بأفكار فلسفية".
وتابع "وعندما حاولنا القراءة لابن رشد وابن سينا وجدنا أنهم حاولوا يفلسفوا الإسلام"، كما أن الإمام يحيى لم يكن متعصبا كثيرا للجانب الديني، بل كان يتركه للعامة، موضحا أنه لم يسجن أشخاصا لم يحاولوا التغيير، وأن فترة التثقيف الذاتي أثرت فينا كثيرا، فأصبحت شاعرا وكاتبا وأصبحت ناقدا، وعمري 18 تقريبا".
-الانتقال إلى تعز
يقول القاضي الفسيل إنه انتقل إلى مدينة تعز عبر حمار استأجره، ملفتا إلى أن تلك الرحلة كانت على ست مراحل، موضحاً أن الإمام أمره أن ينزل في دار الضيافة.
يتابع حديثه "وهناك تعرفت على الشاعر الأديب اللطيف إبراهيم الحضراني، وألقيت قصيدة مدح في الإمام، وفي ذلك الوقت- لم يكن مفكرا سياسيا، لكنه - كما يقول- كان مشغولا بالأدب، وكاتبا من حاشية ولي العهد.
ويبيّن أنه كان في دار الناصر مع مجموعة يدرسون مع البدر، الذي كان لطيفا وملما بالمواضيع، حسب وصفه، وكان أكثر واحد يناقشه هو زيد الموشكي في المواضيع التي يثيرها، لأنه كان فقيها وشاعرا وأديبا، وثقافته واسعة".
يقول الفسيل إن البدر كان مع جلسائه لطيفا، لكنه كان يتعمّد أن يُدخل الخادم حقه (العذري) مقيّد الرِّجلين، مشيرا إلى أن هذا المنظر كأنه يبعث برسالة للحاضرين أنه يمكن أن يقيَّدوا جميعا..
-اعتقال الفسيل
تم حبسه من قبل ولي العهد رغم علاقته الجيّدة به، يقول عنه "ولي العهد كان دكتاتورا. فقد وصلت في السجن إلى قناعة أنه ليس هناك أي فائدة من أن تتكلم مع طاغية ومع دكتاتور".
ويلفت إلى أن ولي العهد "كان يشتت الجيش حقه في القرى، وكان كثير من الناس مهاجرين، ولا يوجد في القرية غير أطفالهم ونساءهم، وأن المطالب الأساسية، التي كانوا يطالبون بها، إنهاء خطط الجيش التعسفية على الأهالي.
ويستذكر أن الإمام أخرجهم لتحصيل الزكاة من الأهالي، الزبيري والشامي إلى شرعب، وهو إلى المسراخ، وآخرين إلى مناطق أخرى، وأن الزكاة لم تكن حقيقية، لأنه كان يخرج "المخمّنين"، وبعدهم يأتي "الكُشّاف"، ملفتا إلى أنه لم يبق مع الرعوي إلا حاجة بسيطة، وكان التخمين بالزيادة للإمام على حساب المواطن، لكي يستمر في عمله، وأن الأغنياء كانوا يعطوا المخمّن رشوة لأجل التخفيض، ويأخذ الزيادة من المساكين. كما لم يكتفوا بهذا، بل يرسلوا "الكاشف"، يكشف على المخمّن، والغرض من ذلك -كما يقول- يعيّشوا أصحابهم (الزيود على حساب الشوافع).
-نظام الرهائن
يقول الفسيل إن من المظالم الكثيرة للإمام "الرهينة"، فقد كان الإمام يأخذ من المشايخ والشخصيات الكبيرة أحد أولادهم "رهينة"، أحيانا يأخذوه وعمره عشر سنوات وأحيانا أقل، لكي يخضعهم لنظام حكمه.
ويعتقد أن هذا النظام كان متعارفا في الأئمة من أيام الهادي الرسي، وأن ولي العهد حبسه دون أن يسأله أي سؤال، وأخرجه بعد ذلك ورده إلى حاشيته.
-الانتقال إلى عدن
جاء انتقاله إلى عدن بعد أن تلقى رسالة صغيرة من الزبيري، يقول فيها "أحق بنا بالوحش من بات عنده وأشهر من ذي جنة من يصاحبه.. نحن في انتظار وصولك للمشاركة في العمل الوطني.."، حسب كلامه، ثم بعد ذلك تهرّب إلى عدن بشكل سري، وبدأ مرحلة النضال في عام 46.
- صحيفة "صوت اليمن"
يقول الفسيل إن صحيفة "صوت اليمن" أصدرت في عدن عام 46، وكانت عبارة عن أربع صفحات، ويرجع ذلك إلى الإمكانيات المتواضعة للقائمين عليها، وأن القاضي الزبيري كان يرأس تحريرها، والأستاذ نعمان مدير التحرير، موضحا أن نعمان كان متفرّغا للجريرة تفرغا كاملا.
-دور رأس المال المهاجر
يلفت الفسيل إلى أن جازم الحروي كان له دور كبير جدا، فقد سافر إلى الحبشة وإلى كينيا، وكان هناك مهاجرون كُثر، فجمع منهم مبالغ، وسافر إلى مصر، وأنه اشترى مطبعة قديمة من أيام الأتراك، ونقلها إلى عدن، وتم تركيبها، لقد كانت قيادة الأحرار ممثلة في القاضي محمد محمود الزبيري وفي الأستاذ نعمان، وكانت هذه القيادة تمثل وحدة اليمن (المنطقة الشافعية والمنطقة الزيدية).