تقارير
الكهرباء التجارية في عدن.. هل تكون المسمار الأخير لتدمير المنظومة الحكومية؟
أثار دخول خدمة الكهرباء التجارية في عدن جدلاً كبيراً بين أوساط الأهالي في مدينة عدن جنوبي البلاد، الذين يرونها مفتاحاً لإلحاق خدمة الكهرباء الحكومية بقطاع التعليم المتوقّف في مدينة عدن منذ خمسة أشهر تقريباً.
وشهدت مديرية المنصورة في عدن، مطلع الشهر الجاري، دخول الكهرباء التجارية في خطوة أثارت قلقاً واسعاً في المدينة التي تواجه عجزاً كبيراً في ساعات الانطفاء الكهربائي تجاوزت العشر ساعات، مقابل ساعتين تشغيل فقط.
ويُظهر عقد اتفاق لمؤسسة "الكهالي"، المزوِّدة للكهرباء التجارية، سعر عداد الكهرباء التجارية الصغير من نوع "سنجل - فيز" 500 ريال سعودي، فيما بلغ سعر العداد الكبير (ثري - فيز) 1000 ريال سعودي.
وحددت مؤسسة "الكهالي لتأجير وبيع الطاقة" سعر الكيلو وات الواحد من الكهرباء التجارية بألف ريال يمني يُدفع مسبقاً من قِبل المستأجر، على أن يلتزم المؤجّر بتوفير التيار الكهربائي بجودة وانتظام دون انقطاع، باستثناء حالات الصيانة أو القوة القاهرة، مع التزام المؤجِّر بإصلاح أي عطل فني خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة.
يقول محمد سالم - مدرس جامعي - لموقع "بلقيس": "إن الحديث حالياً عن الكهرباء التجارية، والشروع في إدخالها، في ظل الوضع المأساوي الذي يعيشه الموظف والمواطن البسيط في عدن، هو قتلٌ آخر لمرفق حكومي آخر، يهدف في أساسه إلى تدمير المرافق الحكومية الخدمية لتسهيل مهمة السماسرة وأصحاب النفوذ في تنفيذ مشاريع قتل الحياة، وإصابة المواطن العدني بمزيدٍ من المعاناة؛ بدأت بالتعليم والصحة، والآن تقترب من تدمير مرفق الكهرباء، الذي وصل إلى أسوأ مرحلة في تاريخ المدينة لم يشهدها من قبل، حتى في أيام حرب 2015".
وأضاف بن سالم متعجبا: "المواطن البسيط لم يعد يستطيع توفير لقمة عيش يسد بها رمقه ورمق أطفاله، فكيف له أن يستطيع تلبية احتياجاته من الكهرباء التجارية؟".
وتابع: "المواطن في عدن، في ظل الالتزامات وغلاء الأسعار وانهيار العملة وتأخر المرتبات التي لم تعد تفي بأغراض أسبوع واحد فقط، لن يستطيع الحصول على هذه الخدمة في الفترة القادمة، إذا ما توسعت، خاصة وأنه لم يستطع دفع فاتورة الكهرباء الحكومية التي يُقدَّر سعر الكيلو وات فيها بـ19 ريالاً، فكيف له أن يدفع سعر الكيلو وات التجاري، الذي تُقدَّر قيمته بألف ريال؟".
في السياق ذاته، تقول أماني محمود - تعمل في القطاع التعليمي - لموقع "بلقيس" إن الوضع في مدينة عدن صار مقلقاً، ولم يسبق أن مرّ عليهن هذا الوضع المأساوي، حتى في الحروب السابقة التي شهدتها المدينة.
وأضافت: "على الرغم من أن المدينة يُفترض أن تكون في عهد دعم التحالف في وضع أفضل، لكن صار العكس، ولم نعد نرى أي جدوى من وجود التحالف، حيث ينظر إلينا ونحن يقتلنا الجوع والعطش والحرارة، والعملة تتهاوى كل يوم، وكأن الأمر لا يهمه".
وأوضحت: "الكهرباء التجارية، التي يتم الحديث عنها الآن، هي المسمار الأخير الذي سيدق نعش الكهرباء الحكومية المتهالكة، وربما هذه هي الخطة القادمة بعد ما تم تجويع المعلم براتبه الزهيد وغير المنتظم، الذي صار لا يساوي ثمن كيس الدقيق، وبسبب ذلك دُمِّر التعليم مع تدمير أهم ركيزة للبناء في المجتمع".
وتابعت: "الكهرباء التجارية مكلفة، ومن الصعب على المواطن العادي الحصول عليها، فهي تحتاج ثلاثة أضعاف مرتب الموظف الحكومي، فكيف ببقية المتطلبات الحياتية؟".
وحذّرت أماني التحالف والحكومة والمجلس الانتقالي - الذي يحكم المدينة - من إغفال احتجاجات وصيحات أهالي عدن جراء الحالة المأساوية التي يعيشونها، التي قالت إن استمرارها سيجرف الكل في المدينة، إذا لم يتم الاستجابة لتلك المطالب بتوفير حياة كريمة لأبناء المدينة، التي مضى على تحريرها ما يزيد عن عقد من الزمن، دون تحسُّن يلمسه المواطن، غير تدهور الخدمات والوضع الاقتصادي.
بدوره، يقول أحمد المسلمي - طالب جامعي ومشارك في الاحتجاجات الأخيرة - لموقع "بلقيس" إن جس نبض السكان في عدن في الأيام الأخيرة، فيما يخص دخول الكهرباء التجارية، هو تدشين وترويج لها، وإثخان المدينة بمزيد من المعاناة، في ظل معاناة سكانها مع غياب الخدمات وتدهور العملة المحلية.
وأضاف: "المواطن غير قادر على توفير قوت يومه، فكيف يستطيع توفير قيمة الكهرباء التجارية؟".
ويرى أن "السماسرة والفاسدين الموجودين في مفاصل الدولة حالياً أسوأ مما كانت عليه الأوضاع قبل الحرب بعشرات المرات".
وتشهد مدينة عدن غلياناً شعبياً واحتجاجات نسائية ورجالية على ما آلت إليه أوضاع العاصمة المؤقتة للبلاد من غياب لخدمة الكهرباء، وانهيار العملة المحلية، وارتفاع الأسعار، قابلتها السلطات الأمنية في المدينة بحظر التظاهر، واعتقال قرابة 30 محتجاً خلال الأيام الماضية.