تقارير
هل نحن أمام إعادة تدوير خرائط الاستعمار البريطاني بهندسة إماراتية؟
بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، تشكيل 'مجلس شيوخ الجنوب العربي'، تعود ذاكرة جنوب البلاد إلى خرائط الاستعمار، في حدث وحديث يُذكِّر ببيان 'السلطان الفضلي' حول الحدود مع 'سلطنة يافع السفلى'، الذي جاء كانعكاس مباشر للمناخ السياسي للانتقالي بعد عقود من تجاوزها في ظل دولة موحّدة.
هذه الخطوة تثير كثيراً من الأسئلة حول المستقبل السياسي لليمن، واتجاهات الصراع فيه، فما المآلات التي تقود إليها فكرة إحياء الكيانات التقليدية، كالمشيخات والسلطنات، التي أسستها بريطانيا ودفنتها ثورة الـ14 من أكتوبر تحت راية الاستقلال والوحدة؟
كأننا نقف اليوم أمام فصل جديد في لعبة التفكيك التي ترعاها أبو ظبي بثقلها، توجِّه وتُرعى وتعيد هندسة الجغرافيا السياسية لليمن، بما يخدم رؤيتها في خلق كيانات مرنة، قابلة للضبط والإخضاع.
- خطوة ذكية
يقول الكاتب والمحلل السياسي، ياسين التميمي: "مسألة 'مجلس مشايخ الجنوب' هي خطوة تكتيكية ذكية من المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي تأتي في سياق صراع مشاريع سياسية".
وأضاف: "نعود دائماً إلى النفوذ الإقليمي، حيث هناك مواجهة غير معلنة بين دولتين إقليميتين في الفراغ السياسي الذي تركته السلطة الضعيفة والهشة في اليمن، للأسف الشديد، وهذا الاستدعاء للسلاطين هو مجازفة كبيرة جداً، بقدر ما هو خطوة ذكية وتكتيكية".
وتابع: "أنا أعتقد أن خطوة الاستدعاء للسلاطين لن تكون خالية من تحديات كثيرة، منها أن مجيء هؤلاء المشايخ ضمن تركيبة سياسية في مستقبل غير واضح حتى الآن، فهم في النهاية سيأتون وعلى كاهلهم ذات النزعات السياسية والطموحات والتطلعات لعودة الأمور إلى ما كانت عليه".
وأردف: "لا نتوقع ممن كانوا سلاطين، أو من خلفهم من أبنائهم، أو من ورثتهم، أنهم سيأتون ليشهدوا تحولاً سياسياً يقوده طرف ليس له ملامح كالمجلس الانتقالي".
وزاد: "يبدو أن الإمارات، التي تقف خلف هذا التكتيك، وصممت فكرة، أو أنتجت فكرة مجلس شيوخ الجنوب، تأخذ بعين الاعتبار أن التهديدات أو النفوذ الذي تمارسه منافستها الأخرى (السعودية)، في الساحة الجنوبية، يأتي معظمه بسبب أن السعودية تحتفظ بشبكة علاقات قوية مع المراجع التقليدية الجنوبية (السلاطين والمشايخ ورجال الأعمال)، وهي علاقة قديمة لا يمكن محوها بمجرد قرار، بطبيعة الحال".
واستطرد: "لهذا جاء الإعلان عن تشكيل مجلس الشيوخ بتبريرات متناقضة جملة وتفصيلاً، بمعنى أنهم لن يستدعوا الصراع، وإنما من أجل توحيد المواقف، ومن هذا القبيل، بينما المسألة على العكس من هذا تماماً".
وقال: "لا تنتظر من تجمع سلاطين يمثلون نظاماً سياسياً تم القضاء عليه بواسطة أحفاد الذين يمثلون المجلس الانتقالي، لا شك أن هذه المسألة لا يمكن تجاوزها بسهولة، ولا يمكن أن يتحول السلاطين، أو من يرثهم، إلى مجرد شهود، أو مجرد مستشارين، أو مجرد غطاء سياسي".
وأضاف: "من السابق لأوانه اليوم الحديث عن أن وجود بعض هؤلاء المشايخ في 'مجلس شيوخ الجنوب' يمكن أن يحل المشكلة؛ لأن التمثيل ليس كاملاً، وليس شاملاً، وحتى التمثيل نفسه ينطوي على نوايا تكتيكية، وربما حتى الذين ذهبوا إلى هذا المجلس ليسوا، ولن يكونوا، أداة طيعة بيد المجلس الانتقالي، ومن يقف خلف المجلس الانتقالي".
وأردف: "نحن أمام دورة سياسية عبثية، وهذه الدورة العبثية سنكتشف بعد فترة أنها لا معنى لها، ولا تأثير لها، وليس هناك في المدى المنظور ما يشير إلى أن المشروع الانفصالي يمكن أن ينشأ أو يترسخ أو يرى النور بواسطة هذه الأدوات، التي في الحقيقة تحتفظ ببذور فنائها في داخلها".
- اعتراف بواقع المجتمع
يقول المحلل السياسي الموالي للمجلس الانتقالي، صالح النود: "أعتقد بأن موضوع المشايخ والسلاطين ليس موضوعاً ظهر في إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي بتشكيل اللجنة التحضيرية لمجلس مشايخ الجنوب".
وأضاف: "في الحقيقة، النقاش حول شكل الدولة المنشودة، دولة الجنوب، أخذ أشكالاً مختلفة، وهناك من يطرح أنه لا بُد أن تكون هناك مصالحة وطنية حقيقية في الجنوب، باعتبار أن السلاطين والمشايخ، ربما كانت هناك مراحل لدولة الجنوب السابقة هضمت هذه الشريحة من المجتمع الجنوبي، والكثير اليوم يتحدث عن ما هو شكل الدولة الجنوبية المنشودة".
وتابع: "أعتقد أن الحديث عن تفعيل دور السلاطين والمشايخ مهم؛ لأن هذه الخطوة اعتراف بواقع المجتمع، الذي ربما في مراحل سابقة تم تجاوزه، والقفز عليه تحت مسميات وربما أفكار دخيلة، أو ربما صعبة على أن تستدام في مجتمع مثل المجتمع الجنوبي، الذي هو في الأساس مجتمع قبلي".
وأردف: "لكن تجربة دولة الجنوب، رغم السلبيات التي ربما واجهتها أو التي تخللتها، فيما يتعلق بمكانة السلاطين والمشايخ، خلقت الدولة، وربما غيرت حتى من مفهوم دور السلاطين والمشايخ، الذين اليوم في الجنوب يتحدثون، أو لهم فكرة تختلف تماماً عن عقلية المشايخ والسلاطين الذين يحكمون مناطقهم بالشكل الضيق، لكنهم ينشدون دولة مدنية، وأن يكون لهم دور أيضاً في شكل الدولة الذي يتم الحديث عنه".
وزاد: "إقحام الإمارات في الموضوع، أعتقد أنه ربما مبالغ فيه، لكن لا حرج أن نتحدث عن الإمارات ما دام أُدخل اسمها في هذا النقاش، فدولة الإمارات العربية المتحدة هي نموذج ناجح ربما لكيفية استيعاب السلاطين والمشايخ والأمراء، وهذا النوع من تركيبة الدول أفضى إلى أن أصبحت دولة ربما ناجحة بكل المقاييس، ولا حرج في أن تكون هناك دولة موحدة اتحادية جنوبية".
وقال: "ملاحظتي أنا هي أنه لا بُد من أن يعترف المجلس الانتقالي الجنوبي بمكانة هذه الشخصيات وهذه التجمعات بشكل حقيقي وفعّال، حتى يكونوا هم الضامن للهوية الجنوبية، التي لا بُد أن تعترف بواقع هذا المجتمع، وأن لا نُخطئ أخطاء الماضي، التي ركّزنا فيها على المركزية وهضمنا الشرائح التي ربما سيكون لها دور كبير في الحفاظ على الوحدة الجنوبية، ونسيج المجتمع الجنوبي".
- نوع من التخبّط
يقول رئيس ملتقى أبين الجامع، أحمد القفيش: "بالنسبة لمشروع مجلس السلاطين والمشايخ، طبعاً هذا نوع من التخبّط الذي يعيشه المجلس الانتقالي في الأيام الأخيرة، حيث يشعر بأنه فقد شعبيته، ويحاول أن يعود على ثقل هذه المكونات القبلية والاجتماعية".
وأضاف: "إخواننا السلاطين والمشايخ والأمراء لم يكونوا جميعهم عملاء مع الاستعمار البريطاني، بالعكس كان عدد كبير من هؤلاء السلاطين والشخصيات انخرطوا في الجبهة القومية، وفي جبهة التحرير، وكان لهم دور نضالي كبير، وللأسف كافأهم الحزب الاشتراكي اليمني بالسحل والسجون، ومصادرة أملاكهم وتشريدهم من البلاد".
وتابع: "إذا كانت هناك حاجة، في الوقت الحالي، لمثل هذه الشريحة المهمة من المجتمع، يُفترض الاعتذار لهم، وترتيب أوضاعهم، وإعادة ما تم تأميمه ومصادرته من أملاكهم".
وأردف: "أما بالنسبة لثورة 14 أكتوبر، فلم تكن خطيئة حتى نعيد الكيانات، التي حتى هم أنفسهم -من تبقّى من السلاطين ومن أبنائهم- لم يعودوا يؤمنون بالمشيخات والإمارات".
وأكد: "هي كانت ضرورة في وقت معين، لكن اليوم نحن في جمهورية، ونحن في القرن الـ21، ولا يمكن العودة إلى الماضي".
وزاد: "الجميع يعرف أن الانتقالي يبحث عن شماعة ليُعيد تجديد نفسه في المحافظات الجنوبية بعد أن شعر بأن هناك فقداً لشعبيته، وأصبح الشارع في غليان بسبب الأوضاع".
وأوضح: "المجلس الذي تم إنشاؤه لم يحتوِ جميع السلاطين والشخصيات، بل ذهب إلى شخصيات ثانوية، والشخصيات المهمة لم تكن حاضرة، وأيضاً غابت فيه كثير من السلطنات".