تقارير

الودائع المالية السعودية.. مسكنات عاجزة أمام تدهور العملة اليمنية

17/01/2025, 09:21:59
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

لم تتمكن الوديعة المالية السعودية الأخيرة المقدمة للحكومة اليمنية من وقف استمرار التدهور المتسارع للعملة المحلية، كما هو الحال عقب كل وديعة أو منحة مالية منذ عام 2018، ويعكس ذلك أزمة عميقة في الاقتصاد اليمني لا يمكن حلها عبر ودائع ومنح مالية ضئيلة لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات الدولة وفوق ذلك يطالها الفساد.

واللافت أن تلك الودائع والمنح المالية لم تتمكن حتى من تثبيت سعر العملة المحلية ولو مؤقتا، ما يعني غياب الحلول الجذرية لاستمرار ذلك التدهور، وفشل الحكومة اليمنية والجهة الداعمة (السعودية) في إيجاد حلول حقيقية للتدهور المتسارع والمتواصل للعملة المحلية، وتأثير ذلك على المواطنين.

وكانت السعودية قد أعلنت، في ديسمبر الماضي، عن تقديم دعم مالي جديد لليمن بقيمة 500 مليون دولار، يشمل وديعة بقيمة 300 مليون دولار للبنك المركزي اليمني، و200 مليون دولار لدعم الموازنة العامة، بهدف تعزيز العملة المحلية ومعالجة عجز الموازنة ودفع الرواتب.

وهذه الوديعة كانت قد سبقتها ودائع ومنح مالية عدة، ففي مارس 2018، قدمت السعودية وديعة بقيمة ملياري دولار. وفي يونيو 2020، قدمت السعودية دعما لليمن بقيمة 500 مليون دولار، خلال مؤتمر المانحين لليمن الذي عقد في الرياض، ومن هذا المبلغ خصص 300 مليون دولار من خلال وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها لدعم خطة الاستجابة الإنسانية ومواجهة وباء كورونا.

وفي أبريل 2022، أعلنت السعودية عن دعم بقيمة 3 مليارات دولار، منها وديعة مشتركة مع الإمارات بقيمة ملياري دولار للبنك المركزي، ومليار دولار لدعم المشتقات النفطية والمشاريع التنموية. وفي أغسطس 2023، قُدم دعم بقيمة 1.2 مليار دولار، فلماذا لم تتمكن كل تلك الودائع والمنح المالية في وقف تدهور العملة المحلية؟

- مبالغ ضئيلة وفساد

إذا قارنا حجم الدعم المالي المقدم من السعودية لليمن خلال ما يقارب ست سنوات، من 2018 إلى 2024، مع الموازنة العامة لليمن لعام واحد فقط، وهو العام 2014، سنجد أن الدعم المقدم خلال ست سنوات لا يتجاوز سوى جزء بسيط من احتياجات البلاد، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد بسبب الحرب وتعطيل الموارد وغيرها من التحديات التي يواجهها الاقتصاد اليمني.

فخلال ست سنوات تلقت اليمن دعما بمجموع يقارب 6.2 مليار دولار، بينما كانت موازنتها العامة لعام 2014 حوالي 13.4 مليار دولار، ويكشف ذلك مدى الفجوة الواسعة بين الحد الأدنى من احتياجات البلاد وحجم الدعم المالي المقدم من السعودية، ويُظهر هذا الفارق الضخم بين حجم الدعم والموازنة السنوية أن تلك الودائع والمنح المالية لا تمثل حلا حقيقيا لمعالجة الأزمات الهيكلية التي تعصف بالاقتصاد اليمني.

فالدعم المالي المتواضع والسريع والمتقطع، رغم أهميته في التخفيف من حدة الأزمات المؤقتة، لكنه لا يسهم في إصلاح الاقتصاد بشكل مستدام، أو في معالجة المشكلات البنيوية مثل الفساد وتدهور الإنتاج وعجز الميزانية، وبالتالي يظل ذلك الدعم غير كاف لوقف تدهور العملة المحلية أو تحقيق الاستقرار المالي، ويتطلب الأمر حلولا اقتصادية جذرية تتجاوز الدعم المالي المتواضع والمؤقت.

- فشل وسوء إدارة

ومثل التحدي الاقتصادي أبرز آثار الحرب، وقد فشلت الحكومة الشرعية في إدارة اقتصاد الحرب بشكل فعال، إذ كان من المفترض أن تعتمد الحكومة إستراتيجية شاملة تحقق الأهداف العسكرية مع تقليل الخسائر الاقتصادية والاجتماعية إلى الحد الأدنى، لكنها لم تنجح في المجال العسكري ولا الاقتصادي، وما نشهده على أرض الواقع يعكس صورة مغايرة تماما، حيث تتسم إدارة الحكومة للملف الاقتصادي بالعجز وسوء التخطيط والفساد الهيكلي.

من المعروف أن الحروب تفرض على الدول أعباء استثنائية تتطلب تشكيل حكومة حرب وإعادة توجيه الموارد المتاحة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية واضحة، وفي الحالة اليمنية كان ينبغي استثمار إيرادات البلاد الشحيحة والمبالغ المقدمة كودائع أو منح مالية في إدارة الحرب بكفاءة، عبر دعم الجبهات العسكرية وتأمين الخدمات الأساسية للسكان ودفع رواتب موظفي القطاعين المدني والعسكري، لكن الواقع يكشف عن غياب كامل لهذه الرؤية.

إن توجه الحكومة نحو توزيع الموارد الشحيحة بشكل غير عقلاني وانتشار الفساد أدى إلى استنزاف تلك الموارد في أمور بعيدة عن الأولويات الوطنية، حيث تذهب نسبة كبيرة منها إلى دفع رواتب المسؤولين ومخصصاتهم المالية، كما تم استحداث مناصب جديدة بشكل غير مبرر، مما أضاف أعباء جديدة على الموارد المتاحة والودائع المالية.

وبدلا من أن يتم تشكيل "حكومة حرب"، وهي حكومة تلجأ إليها الدول في ظروف الحروب وتتميز بحجم صغير يركز على الوزارات الحيوية المرتبطة بالدفاع والاقتصاد والخدمات الأساسية، لكن الحكومة اليمنية خالفت هذه القاعدة، إذ استمرت في توسيع الجهاز الحكومي عبر تعيين مزيد من المسؤولين واستحداث مناصب غير ضرورية، مما أدى إلى تضخم بيروقراطي غير مسبوق.

ومن مظاهر هذا النهج أنه صار هناك جيش من وكلاء الوزارات والموظفين غير المؤهلين الذين يشغلون مناصب دبلوماسية في بلدان لا توجد فيها جاليات يمنية كبيرة أو مصالح وطنية واضحة، وتلك التعيينات التي يغلب عليها الطابع العائلي والمحسوبية، استنزفت الموارد المالية الشحيحة للدولة، كما أن المنح والقروض أو الودائع المالية تخدم مصالح النخب السياسية والمقربين منها فقط، وسط غياب المساءلة، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية، وهكذا ستظل البلاد عالقة في دوامة الفساد وسوء الإدارة.

- المال كوسيلة للضغط السياسي

هناك جانب آخر جدير بالاهتمام يفسر كيف أن الودائع والمنح المالية السعودية لم تحقق أي أثر إيجابي يذكر على الاقتصاد اليمني أو في وقف تدهور العملة المحلية، وهو أن تلك الودائع والمنح لم تُقدم بهدف دعم الاقتصاد فعليا، بل استخدمت كأداة للضغط السياسي، بدليل أن معظم الودائع والمنح المالية ارتبطت بإجراء تغييرات لمسؤولين كبار، بما في ذلك الإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وتعيين مجلس قيادة رئاسي بديل، بشكل مخالف للدستور اليمني.

واللافت هو أن التدهور المتسارع للعملة المحلية والانقسام المصرفي بدأ بعد تقديم السعودية أول وديعة مالية لليمن في فبراير 2018 بقيمة ملياري دولار، وارتبطت تلك الوديعة بتعيين محمد زمام محافظا للبنك المركزي اليمني بدلا من منصر القعيطي.

وعلى الرغم من أن تغيير محافظ البنك المركزي كان بهدف إدارة أفضل للوديعة واستقرار العملة المحلية، فإن المحافظ الجديد أقدم على طباعة كميات كبيرة من العملة الجديدة من دون غطاء من العملات الأجنبية الصعبة أو الذهب، مما تسبب في انهيار متسارع للعملة المحلية، والسؤال هنا: هل كانت الوديعة السعودية عام 2018 (2 مليار دولار) مجرد غطاء لإجراء تغييرات في البنك المركزي مما ساهم في تضخم العملة والانقسام النقدي فيما بعد؟

وكذلك كان لافتا تغيير محافظ محافظة شبوة محمد صالح بن عديو، الذي تزامن تغييره مع الحديث عن وديعة مالية سعودية. ففي ديسمبر 2021، أشارت تقارير إعلامية إلى أن نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، اشترط -خلال لقائه مع الرئيس عبد ربه منصور هادي- إقالة محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، مقابل تسليم وديعة مالية سعودية للبنك المركزي اليمني.

وفي 24 ديسمبر 2021، أصدر الرئيس هادي قرارا بتعيين عوض محمد بن الوزير العولقي محافظا جديدا لمحافظة شبوة، خلفا لابن عديو، وجاء هذا التغيير بعد ضغوط سعودية ربطت تقديم الوديعة المالية بإقالة المحافظ السابق.

وعلى الرغم من هذه التغييرات، لم يتم الإعلان رسميا عن تقديم وديعة مالية سعودية جديدة حينها للبنك المركزي اليمني، ولا يُعرف ما إذا كان ثمن ذلك التغيير قد تم سرا بسبب التسريبات التي سبقته بشأن اشتراط السعودية إقالة محافظ شبوة كشرط لتقديم وديعة مالية جديدة، أو ربما أن ثمن ذلك التغيير تم ترحيله ليضاف إلى ثمن التغيير الذي سيأتي بعده، والذي طال الهرم الأعلى في السلطة الشرعية.

ففي 7 أبريل 2022، أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي نقل صلاحياته إلى مجلس قيادة رئاسي مكون من ثمانية أعضاء، برئاسة الدكتور رشاد العليمي. وفي اليوم نفسه، أعلنت السعودية عن تقديم دعم اقتصادي لليمن بقيمة 3 مليارات دولار، منها وديعة مشتركة مع الإمارات بقيمة ملياري دولار للبنك المركزي اليمني، ومليار دولار لدعم المشتقات النفطية والمشاريع التنموية، ويشير هذا التزامن بين نقل السلطة والإعلان عن الدعم المالي إلى ارتباط بين الحدثين.

وفي ديسمبر 2024، أعلنت السعودية عن تقديم دعم مالي جديد لليمن بقيمة 500 مليون دولار، يشمل وديعة بقيمة 300 مليون دولار للبنك المركزي اليمني، و200 مليون دولار لدعم الموازنة العامة، بهدف تعزيز العملة المحلية ومعالجة عجز الموازنة ودفع الرواتب.

لكن هذا الدعم تزامن مع تغيير قائد المنطقة العسكرية الأولى، وإحالة ثلاثة مسؤولين كبار إلى التحقيق بعد الكشف عن تورطهم في فضائح فساد وعبث بالمال العام، والكشف عن ملفات فساد في أوساط الحكومة، كما أشارت تقارير إعلامية إلى أن السعودية اشترطت إجراء تغييرات حكومية، بما في ذلك تعيين رئيس جديد للحكومة، وهذا ما قد يتكشف تباعا خلال الأيام المقبلة.

- الحيلولة دون الحلول الجذرية

في أبريل 2024، طالب البنك المركزي اليمني في عدن البنوك الأهلية التي تقع مقراتها في صنعاء بنقلها إلى العاصمة المؤقتة عدن، وإلا فسيتم عزلها عن النظام المالي الدولي (السويفت)، وكان البنك يهدف من ذلك إلى تعزيز الرقابة الحكومية على النظام المصرفي، وتقوية العملة المحلية، وإنهاء الانقسام النقدي بين المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية وتلك التي يديرها الحوثيون، وبالتالي تضييق الخناق الاقتصادي على الحوثيين وزيادة قوة المؤسسات الحكومية.

لكن كان صادما موقف السعودية التي ضغطت على محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد المعبقي، وعارضت قراره، وطلبت منه التراجع عنه لتجنب تفاقم الصراع، وهددت الحكومة اليمنية بأنها لن تساندها عسكريا في حال رد الحوثيون على إجراءات البنك المركزي بعمل عسكري واسع، وذلك بعد أن هدد الحوثيون بإشعال الحرب بشكل أكبر، واستهداف السعودية، واتهامها بأنها هي من تقف وراء الإجراءات التي كان قد أقرها البنك المركزي اليمني.

وهنا بدت السعودية متناقضة مع نفسها، ففي حين تقدم الودائع والمنح المالية بهدف تعزيز العملة المحلية ووقف انهيارها كما تدعي، فإنها وقفت ضد الحلول التي ستكون فعالة أفضل من تلك الودائع المرتبطة بضغوط سياسية وتذروها رياح الفساد. ويبدو أنها، أي السعودية، تفضل إبقاء الوضع الاقتصادي منقسما لتستخدمه كأداة من أدوات الضغط السياسي، بدلا من السماح للحكومة الشرعية بتجاوز خطوط تربك الحوثيين وتؤدي لتصعيد عسكري.

ومع أن قرار المعبقي كان محاولة جادة لإنهاء الانقسام المالي والمصرفي ودعم العملة المحلية، لكن تراجعه عن إجراءاته تحت وطأة الضغوط السعودية يكشف تعمد المملكة إعاقة أي خطوات حقيقية للإصلاح الاقتصادي في اليمن، مع أن ذلك يخدم الحوثيين ويمكنهم من استمرار السيطرة على القطاع المالي في شمال البلاد، وهو ما سيعزز نفوذهم، وبنفس الوقت يضعف قدرة الحكومة الشرعية على تحقيق الاستقرار المالي.

- السياسة مقابل الاقتصاد

أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن الودائع والمنح المالية السعودية لليمن تعكس نهجا ثابتا في العلاقات اليمنية السعودية، فالرياض استخدمت المال السياسي كأداة نفوذ في اليمن منذ ستينيات القرن الماضي لتحقيق أهدافها عبر اللجنة الخاصة التي أسسها الأمير سلطان بن عبد العزيز في أعقاب ثورة 26 سبتمبر 1962، وكانت البداية بدعم الملكيين ضد الجمهوريين بالمال والسلاح لإعادة الإمامة أو على الأقل منع استقرار النظام الجمهوري، وبعد نجاح الثورة توسعت أهداف المال السياسي لتشمل السيطرة على القرار السياسي عبر دعم قيادات عسكرية وقبلية.

وبعد وفاة الأمير سلطان عام 2011، تولى السفير السعودي محمد آل جابر ملف اليمن، واستمر استخدام المال السياسي السعودي بطرق أكثر تعقيدا، مع التركيز بشكل رئيسي على إزاحة شخصيات وحدوية ووطنية من مناصب حكومية، وتعيين بدلا منهم شخصيات انفصالية أو قيادات مستعدة لتنفيذ الإملاءات السعودية، لكن ذلك ساهم في تعميق الأزمات السياسية والاقتصادية، وسيكون له تأثيرات طويلة المدى على استقرار البلاد.

تقارير

منظمة الفاو: توقعات الأمن الغذائي خلال الربع الأول من العام الجاري 2025 في اليمن "مثيرة للقلق"

قالت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، اليوم الخميس، إن توقعات الأمن الغذائي، خلال الربع الأول من العام الجاري 2025، في جميع أنحاء اليمن "مثيرة للقلق"، في ظل ارتفاع الاسعار وعدم كفاية الدخل، مشيرة إلى أن "الاقتصاد بشكل عام لا يزال هشًا، خاصة مع خطر حدوث المزيد من الاضطرابات في سلاسل الإمداد الغذائية".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.