تقارير
بلقيس.. عقد من المسؤولية والالتزام والانحياز لليمنيين
في زمن تهاوت فيه الأصوات تحت وطأة البنادق، وارتفعت فيه رايات التقسيم على أنقاض البلاد، بزغت قناة "بلقيس" كصوت مستقل جديد تحمل في طياتها صدى الثورة وأحلام البسطاء.
"بلقيس"، وهي تدشن عامها الحادي عشر، لم تكن مجرد قناة، بل كانت أملا لشعب أنهكته الحروب بأن هناك من سيقول الحقيقة مهما كانت التكاليف، فهي، ومنذ انطلاقتها، واجهت تحديات جسام، من اقتحام مقرها في صنعاء إلى استهداف مراسليها، لكنها لم تحِد عن دربها.
ركزت "بلقيس" على نقل معاناة المواطن اليمني، وسلَّطت الضوء على قضايا حقوق الإنسان، وتابعت الانتهاكات، وسعت لتوسيع نطاقها عبر المِنصات الرقمية، مستهدفة جمهورا أوسع داخل اليمن وخارجه، وعملت على توثيق الأحداث التاريخية، مستحضرة رموز الثورة، والحركة الوطنية اليمنية.
"بلقيس"، التي جاءت من رحم فبراير، ولدت لتقول شيئا محظورا في يمن يتداعى وشعب يتشظى وسلطة بلا شعب، وجماعات ترفع الرايات على الخراب، وتوزِّع النشيد على الركام.
- التحدِّيات والصعوبات
يقول المدير العام لقناة "بلقيس"، أحمد الزرقة: "في البداية، أهنئ جميع زملائنا المراسلين في الميدان، وكذلك المحررين والفنيين والإداريين، وكل الزملاء العاملين في القناة في مختلف الأقسام، وكذلك التهنئة للسيدة توكل كرمان - رئيس مجلس الإدارة، وجميع الزملاء في مجلس الإدارة بمناسبة مرور عشر سنوات على انطلاق القناة".
وأضاف الزرقة: "ربما كان حلما أن نصل إلى عشر سنوات، ونحن في نفس الثبات، والقدرة على تخطي الحواجز والصعوبات، التي تمر بها القنوات، خاصة في ظل التجاذب الكبير في هذا البلد، وأيضا الصراع والحرب".
وتابع: "كل هذه المشاكل ما كان يمكن لأحد أن يحلها لو لم يكن هناك رؤية واضحة، وفريق متفانٍ، لديه حلم ولديه أهداف محددة".
وأردف: "كانت الفكرة أن نقدِّم رسالة مختلفة، وأن نحوِّل اليمن من هامش الأخبار إلى المتن، ففي الماضي كانت اليمن تحضر كهامش في الأخبار، وربما في شريط قناة ما، أو في خبر ما، لكن اليوم أصبحنا مصدرا لنقل الأخبار من اليمن إلى خارج اليمن، وأيضا انتقلنا بشكل مباشر إلى تعزيز الحضور اليمني، وليس فقط الاكتفاء بالوجود في المركز، أو في مناطق محددة".
وزاد: "حاولنا أن نصل إلى كل اليمن، باعتبار أن هذه سياسة واضحة، بأنه إذا أردت أن تتميِّز عليك أن تصل إلى الناس، وأن تكون جزءا منهم، ولهذا كان هناك عمل على إنشاء شبكة مراسلين واسعة، منذ البداية، والاهتمام بالخبر، وإيجاد قناة متخصصة تعمل على صناعة الخبر، والانحياز للناس ولقضاياهم".
وقال المدير العام لقناة بلقيس: "الانحياز للمظلوميات هو معادلة صعبة، عندما تعمل قناة إعلامية متخصصة في الأخبار في بلد تمزقه المليشيات والحروب، وأيضا الانقسام".
وأضاف: "نحن في هذه المناسبة نتذكر بكثير من الحزن والأسف والوفاء أيضا زملاءنا الذين فقدناهم، بعضهم فقدناهم ونحن على الهواء، كما حدث مع زميلنا أديب الجناني -رحمة الله عليه- وأيضا الزميل عبد الله قادري، وأيضا عبد الله قابيل، ومحمد القدسي، الذين استشهدوا وهم يؤدون رسالتهم، وهذه الضريبة التي دفعناها ربما هي الضريبة الأكثر ألما بالنسبة لنا، عندما فقدنا أصدقاءنا وزملاءنا وإخواننا، وهم يغطون العمل في الميدان".
وأشار الزرقة إلى أن "هذه التضحية هي جزء من الضريبة التي يدفعها الإعلام الحُر، والإعلام المستقل، الذي ليس له سند عسكري، أو يستند على مليشيا أو على قوة، سوى قوة الناس وقوة الكلمة، وقوة الإرادة، من خلال تغطية مشاكل وهموم ومعاناة اليمنيين بدون انحياز أو دون تنفيذ لأجندة خارجية".
وأوضح: "قناة بلقيس ولدت من رحم ثورة فبراير، الثورة التي انطلقت من أجل يمن يتسع للجميع، يمن قائم على العدالة والمساواة، واحترام السيادة وحقوق الإنسان، وهذه كلها أجندات كانت واضحة، عندما تم وضع الأطر العامة لأداء ونشاط هذه القناة".
وتابع: "كانت هناك مصلحة واحدة، -فقط- لدينا، أو هدف، وهو الحفاظ على اليمن، وتقديم رسالة لليمنيين، وعدم الانحياز للمليشيات، وهذا كان قرارا لا رجعة فيه، منذ أول يوم، وأيضا عدم التفريط بالسيادة اليمنية، أو الانحياز لأي طرف خارجي لديه أجندة داخل اليمن".
وأردف: "لاحظنا أن اليمن تم تقاسم النفوذ فيها، وتوزيعها بين إيران والإمارات والسعودية، ولاعبين آخرين، واليوم تم جلب حتى الكيان الصهيوني إلى اليمن، وبالتالي كانت هذه معادلة صعبة، إما أن نكون مستقلين، وندفع الثمن، أو ننضم لأجندة خارجية، وبالتالي ما الذي سيسمعنا؟".
وأشار إلى أن "الناس بحاجة لمن يسمع أصواتهم، ومن يعبِّر عن معاناتهم، ونحن خلال عشر سنوات، لم يتبقَّ ملف من الملفات إلا وناقشناه بكل حُرية وبكل صراحة، ووضعنا النقاط على الحروف، ولذلك هوجمنا واستُهدفنا، وتم إخراجنا من عدد كبير من المحافظات، بما في ذلك المناطق التي خاضعت لسيطرة مليشيا الحوثي".
وقال مدير عام قناة بلقيس: "تم إقفال مكتبنا في صنعاء، وأيضا مكتبنا في عدن، وتم منعنا بشكل كامل من العمل في عدن، وحتى منع ظهور ضيوف للقناة من عدن، سواء عبر خدمة الأقمار الصناعية، أو حتى عبر المقابلات".
وأضاف: "كما تم منع كل المسؤولين الحكوميين من الظهور على شاشة قناة 'بلقيس' بتوجيه من اللجنة الخاصة، أو من السفير السعودي، وكذلك المحسوبين على الإمارات، حتى وإن كانت القضايا التي تناقش هي قضايا تهم اليمنيين، ويجب على المسؤولين أن يحضروا، لكن هؤلاء قرروا أن يقاطعوا قناة بلقيس باعتبار أن هناك توجيهات، وأن قناة بلقيس تؤذي الأطراف الخارجية، أو الأطراف التي تقوم بتمويلهم".
وتابع: "كنا نسير، وما زلنا نسير على طريق صعب ووعر، لكننا ندرك أن هذا الطريق شاق، وربما ما يجعلنا نستميت في هذه المهمة هو وجود دعم كبير جدا من السيدة توكل كرمان، وأيضا الدعم والإصرار من العاملين في القناة، على أن لديهم هدفا، ولديهم قضية، وهم جزء من هذه القضية، وليس مجرد موظفين، أو عاملين طارئين".
وأردف: "نحن جميعا وُجدنا من نفس الأفكار، ومن نفس المنطلق، وهو ثورة فبراير، والحرية والعدالة، بالإضافة إلى أننا لدينا فريق -للأمانة- من أقوى الزملاء، وأنا أوجه لهم تحية جميعا بلا استثناء، وهم فريق المراسلين والعاملين معنا في الميدان، كمصورين ومتعاونين، وهؤلاء هم الركيزة الأولى، وباعتقادي أنه لولا وجود هؤلاء ما استطعنا أن نستمر في تقديم رسالة قريبة من الناس، لذلك هم أعيننا، وهم ضمائرنا، وهم أيضا مصادرنا الأساسية للخبر".
وزاد: "أكرر التحية لهم وإلى الزملاء الذين عملوا معنا خلال السنوات الماضية، لا ننسى أحدا منهم، ولا نغبط أحدا، فقد كانوا جزءا من أداء ونجاح هذه الرحلة الطويلة".
- من الميدان
يقول مراسل "بلقيس" من تعز، علاء خالد: "العمل الميداني من مدينة تعز يمثل صعوبة، لكنه في كل الأحوال نحرص جاهدين، أنا وباقي الزملاء المتواجدون في المدينة، على نقل الأخبار بمهنية عالية، وهذا هو الخط التحريري الذي تبنته القناة منذ تأسيسها، واقتربنا كثيرا من مناطق لم تصلها الكاميرا من قبل".
وأضاف: "يتواجد في محافظة تعز أكثر من مراسل، وهذا دليل واضح على أن القناة تحاول أن تنقل معاناة الناس في هذه المحافظة، سواء المتواجدين وسط المدينة، أو حتى في أريافها الكبيرة، هناك نقل واسع لكل ما يعيشه المواطن هنا في تعز، ونحاول جاهدين أن نتلمس المعاناة، وأن نصل إلى آمال الناس، وأن ننقل طموحاتهم على شاشة بلقيس".
وتابع: "هناك ضريبة لهذا العمل كل يوم، إلا أننا نحاول أن ننقل الصورة بشكلها الجيد، والمهنية هي التي تحكم هذا العمل الميداني اليومي، من هذه المدينة".
وأردف: "نقترب كثيرا من نقاط التماس لنقل معاناة الساكنين هناك، وتفاصيلهم اليومية، ونحاول جاهدين أيضا أن نذهب بعيدا، هناك في أرياف المحافظة البعيدة، التي يعتبر الوصول إليها إنجازا بحد ذاته، إلى أننا نصل هناك في مناطق الشقب مثلا، وفي الريف الغربي -تحديدا في جبل حبشي- في أقصى مديرية مقبنة، لنقل الصورة".
وأردف: "النقل اليومي لنا كمراسلين، هنا في محافظة تعز، ننقل الأحداث ربما خلال الـ24 ساعة، هناك تقارير ميدانية عن معاناة الناس، منذ ساعات الصباح حتى آخر ساعات الليل، تقارير ميدانية على امتداد خارطة هذه المحافظة".
وزاد: "في تعز فقدنا الزميل محمد القدسي، وزملاء آخرين في المحافظات الأخرى، الذين يعتبرون شهداء وشهودا على أن قناة بلقيس تنقل المعاناة، وتتجاوز الحياد البارد، وتتجاوز أيضا المناطق الرمادية".
- نافذة كبيرة
يقول مراسل قناة "بلقيس" في سيئون حداد مسيعد: "التجاذبات السياسية في حضرموت، وخصوصا في وادي حضرموت، تعيق عملنا بشكل كبير، خاصة أن بعض المكونات السياسية لا تريد أن تأتي هذه القناة وتغطي، ولكن هذا لا يمنعنا أبدا من مواصلة المشوار والعمل على تغطية الأحداث، وإيصال صوت المواطن".
وأضاف: "منذ أول تقرير قدَّمته، في هذه القناة، كنت أشعر أن القناه فتحت لي نافذة كبيرة من خلال صوت الناس، ونقل همومهم ومعاناتهم، في كافة المجالات الاجتماعية الاقتصادية، والسياسية، وبطبيعة الحال نشعر بارتياح كبير حينما نقوم بنقل معاناة الناس وإيصال صوتهم، عبر شاشة بلقيس".
وتابع: "هناك ارتياح كبير من تواجد القناة الدائم لتغطية مثل هذه القضايا والأحداث، لا سيما تغطية الجوانب التاريخية والثقافية والاجتماعية، وأتيح لنا مساحة واسعة لتغطية الجوانب الثقافية والاجتماعية، إلى جانب أيضا نقل هموم ومعاناة الناس اليومية التي يتشاطرها جميع أبناء الشعب اليمني، فيما يتعلق بغلاء الأسعار والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي".
- صوت الإنسان
يقول مراسل قناة "بلقيس" من مأرب، علي الجرادي: "خلال عشر سنوات من التغطية، كانت مأرب في أعلى قائمة اهتمامات قناة بلقيس، ومن خلال تغطيتنا الميدانية لجبهات الحرب المشتعلة، على امتداد المحافظة، وأيضا من خلال تغطيتنا للجانب الإنساني".
وأضاف: "تنقلت قناة بلقيس في خارطة محافظة مأرب، وحاولنا خلال هذه السنوات أن نقترب من الحقيقة، وأن نسلط الضوء على جوانب مهمة بالنسبة للناس، وربما كان الجانب الإنساني هو الأكثر حضورا خلال هذه السنوات في تغطيات قناة بلقيس، وتقاريرها الميدانية".
وتابع: "المأساة الإنسانية، التي تشهدها محافظة مأرب، والتدفق الكبير للنازحين، كانا من أولويات تغطية قناة بلقيس، خلال عشر سنوات، استمعنا إلى قصص كثيرة لمعاناة النازحين، ووثقنا تلك القصص، وحاولنا أن ننقل أيضا احتياجات هذه الأسر، واحتياجات أيضا أبناء محافظة مأرب، بالإضافة إلى التطورات التي كانت تشهدها المحافظة أثناء التصعيد الحوثي".
وأردف: "منذ 2015، كانت كاميرا بلقيس ترافق تلك التطورات، وتواكب تلك الأحداث التي شهدتها محافظة مأرب، وستطاعت قناة بلقيس أن تكون هي الصوت المعبِّر عن تطلعات الناس، هنا في هذه المحافظة، وربّما كانت وسائل إعلام الحرب الموجودة طاغية، لكننا حاولنا وسط هذا الاحتشاد لوسائل دعاية الحرب أن نكون الأقرب إلى الحقيقة، والتزمنا، وانحزنا تماما إلى الإنسان".
وزاد: "في هذه المحافظة، كانت أولوياتنا هو الإنسان، وهذا هو الشعار الذي وجدنا أنفسنا أمام مسؤولية كبيرة في الإيمان به، والانحياز للإنسان، ونقل معاناته، ونكون صوته".