تقارير

بين الحاجة والخطر.. التسول والممارسات المخادعة يطرقان منازل اليمنيين

26/09/2025, 10:43:16
المصدر : بلقيس: خاص

في اليمن، لم تعد ظاهرة التسول مقتصرة على الشوارع والأسواق؛ بل تجاوزت حدود الفقر لتصل إلى أبواب المنازل، متخذة أشكالًا وأساليب أكثر تعقيدًا ورعبًا.

المتسولون وغالبيتهم من النساء، يستخدمن طرقًا مخادعة لكسب ثقة الأهالي، من ادّعاء الانتماء إلى أسر مألوفة، إلى عرض سلع بسيطة كالبخور والعطور، أو اختلاق أعذار طبيعية للتسلل إلى البيوت.

هذه الممارسات أثارت القلق وأصبحت تمثل تهديدًا نفسيًا وأمنيًا على الأسر، وتحديدا في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى التي تم رصد هذه الظاهرة بأساليب مختلفة ومتنوعة.

أساليب مخادعة

ذكر عدد من السكان بالعاصمة صنعاء وإب، قصصًا وحوادث غريبة، تكشف هذه الأساليب المخادعة التي تقوم بها عدد من النسوة؛ بحجة التسوّل تارة، وبيع أدوات التجميل والسلع البسيطة تارة أخرى.

تروي "أمل"، لقناة "بلقيس"، حادثة غريبة، حين طرقت باب منزلهم سيدة تدّعي أنها جارتهم، مستخدمة اسمًا مألوفًا لطمأنتهم؛ لكن نبرة صوتها المختلفة دفعت والدتها إلى الحذر، ورفضت فتح الباب، رغم إلحاح تلك المرأة؛ لتكتشف لاحقًا من جارتها أن لا أحد من أسرتها جاء في ذلك الوقت.

وفي قصة مشابهة تروي "خديجة"، ما حصل لها، حين طرقت امرأة باب منزلها، زاعمة أنها امرأة تبيع بخورًا باسم أسرة معروفة، ما أثار الشكوك حول نواياها الحقيقية، خاصة مع إصرارها على الدخول، وإقناع أهل البيت بشراء بضاعتها.

تقول خديجة لقناة "بلقيس" أدّعت في البداية أنها جاءت من طرف جارتي، وقد وصّتها للصعود إلى شقتي لشراء بعض الحاجات، وكانت تسعى جاهدة للدخول إلى المنزل بالقوة رغم ممانعتي لها.

تضيف خديجة، كانت نظراتها تشي أن السلع التي تقوم ببيعها من البخور والعطور ليس سوى وسيلة لممارسة شيء قذر، إذ كنت أتحدث معها، وهي تلتفت يمنةً ويسرةً باتجاه غرف المنزل، وكأنها تريد أن تعرف هل هناك أحد معها أم لا؟

تتابع حديثها بالقول: شعرت بالخوف والرعب، وأيقنت أني قد وقعت بالفخ حين فتحت لها، لكن شاءت الأقدار أن يظهر ابني الذي كان قد تأخر عن الذهاب للجامعة، والذي بمجرد ظهوره، انسحبَت على الفور وغادرت..

في السياق ذاته، يروي "محمد" من أبناء محافظة إب، حادثة مماثلة، وقعت بعد صلاة العصر في شقته التي تقع بالدور الأخير من عمارة مكونة من سبعة طوابق، حيث يظل باب منزله في ذلك الوقت مفتوحًا.

يقول محمد لقناة "بلقيس"، بينما كنت مع أسرتي نشرب الشاي، فجأة دخلت امرأة لا نعرفها إلى الشقّة وهي مسرعة، بحجة حاجتها لاستخدام الحمام، حيث أصيب أفراد الأسرة بالذعر؛ بسبب الجرأة غير المعتادة من تلك المرأة.

يضيف "محمد"، اضطررنا للسماح لها بالدخول تحت ضغط الخوف؛ لتخرج بعد قليل دون أن يفسّر أحد دوافعها الحقيقية، تاركة الأسرة في حالة من الحيرة والقلق، وما الذي دفعها للصعود إلى الشقة، هل السرقة أم هناك تفسيرات أخرى لا أدري، يقول محمد.

عصابات مُنظّمة

وأكد مصدر أمني أن هذه الظاهرة منتشرة بالفعل في عدد من المحافظات، حيث تم رصد العديد من الحالات بشكل فردي، غير أن غياب البلاغات الرسمية من المواطنين حال دون اتخاذ السلطات للإجراءات اللازمة؛ نظرًا لاشتراط الإبلاغ وجود أدلة وإثباتات، وهو ما يدفع كثيرًا من الأسر إلى تجنب التبليغ ما لم تقع سرقة أو حادثة مشابهة.

وأوضح المصدر الذي فضّل الكشف عن اسمه، لقناة "بلقيس"، أن معظم المتسولات، وغالبًا ما يكنّ من النساء، يطرقن المنازل في أوقات يكون فيها رب الأسرة أو العائل غير موجود، لافتًا إلى أنهن يترصدن المنازل في أوقات محددة، سواء في ساعات الصباح أو المساء.

وحذّر المصدر من خطورة تنامي هذه الظاهرة، مؤكدًا أن خلفها تقف عصابات منظمة تسعى للسطو على المنازل، مشيرًا إلى أن كثيرًا من عمليات السرقة سُبقت بعمليات استطلاع، حيث تتعرف تلك العصابات على المنازل المستهدفة من خلال نساء يَقدِمنَ في الظاهر لبيع البخور أو الإكسسوارات وغيرها.

أسباب الظاهرة

ترجع أسماء الأشول باحثة في علم النفس جامعة صنعاء، أسباب هذه الظاهرة، في جانب كبير منها إلى "الفقر المُدقع، والحاجة الماسّة لدى بعض الأسر، ما يدفع أفرادها للجوء إلى التسول بطرق غير مباشرة، مستغلين حاجة الآخرين".

تضيف الأشول في حديثها لقناة "بلقيس"، كما أن انتشار البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي يلعب دورًا أساسيًا في تحفيز بعض الأشخاص على استغلال ضعف السكان وأخذ ثقتهم كوسيلة للوصول إلى البيوت.

إضافة إلى ذلك، فإن "ضعف الرقابة المجتمعية في بعض الأحياء يُسهّل ممارسة هذه الأساليب دون رادع، مما يزيد من جرأة المتسولين والمتسولات". حسب وصفها.

وتشير الأشول إلى أن "انتشار هذه الممارسات يظهر كذلك كيف يتم استغلال العلاقات التقليدية بين الجيران، حيث يستخدم البعض أسماء مألوفة أو يشيرون إلى أسر معروفة لتقليل الشكوك، ما يعكس فهماً دقيقًا لثقافة المجتمع واستغلالها لصالح أهدافهم".

وعزت بعض أسباب هذه الظاهرة المقلقة التي باتت تلحظها كثير من الأسر إلى "غياب البرامج التوعوية الكافية التي تحذر الأسر من هذه الأساليب المخادعة، ما يترك الباب مفتوحًا لاستمرار هذه الظاهرة بأساليب متعددة".

وأكدت أيضا، على أن هناك عوامل نفسيه واجتماعية مثل ثقة الأهالي الزائدة وغياب الوعي بخطر هذه الممارسات تساهم جميعها في استمرار هذه الظاهرة، ما يجعلها تتعدى كونها مجرد حالة فردية؛ لتصبح مشكلة مجتمعية حقيقية تتطلب تدخلًا فاعلًا، من الدولة والأسرة والمجتمع بشكل عام.

آثار الظاهرة

وأكدت الباحثة الاجتماعية "ريما محمد" أن هذه الظاهرة باتت تنعكس بشكل مباشر على الأمن والطمأنينة داخل المنازل، حيث تشكل تهديدًا واضحًا للأطفال والنساء، وقد ترتبط في بعض الحالات بجرائم سرقة أو ابتزاز.

وأشارت في حديثها لقناة "بلقيس"، إلى أن هذه الممارسات "تسبب زيادة في القلق وعدم الطمأنينة داخل الأحياء، وتجعل الأهالي أكثر تحفظًا في تعاملهم مع الغرباء حتى في سياق العلاقات اليومية المعتادة"، معتبرة أن هذه واحدة من الآثار المباشرة التي خلفتها الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.

وأكدت أن هذه الظاهرة تترك أثرًا نفسيًا ملموسًا على الأسر، مما يعكس ضغوطًا مستمرة قد تؤثر على الروابط الأسرية والاجتماعية، ويزيد من شعورهم بعدم الأمان في منازلهم خصوصا في الأوقات التي يكون فيها رب الأسرة غير متواجد داخل المنزل.

ونوهت إلى أن هذه الظاهرة باتت "تؤثر على الثقة بين الجيران، فتقل الروابط المجتمعية التقليدية، ويصبح التعامل بين السكان أكثر حذرًا وتوترًا".

وحذرت من استمرار هذه الظواهر المجتمعية المقلقة، مؤكدة أن استمرارها "دون معالجات جادة يشير إلى تحديات أكبر تتعلق بالوعي المجتمعي والجهود الرسمية، حيث تتطلب حماية الأسر استراتيجيات فعالة ومتابعة مستمرة لمنع الاستغلال وإعادة الثقة إلى المجتمع المحلي".

الحلول والمعالجات

لمواجهة هذه الظاهرة، أكدت الخبيرة المجتمعية إكرام صالح، أن "تعزيز الدور الرقابي للأجهزة الأمنية أصبح أمرًا ضروريًا، مع متابعة الحالات المشبوهة وإحالة المخالفين إلى القانون، لضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات".

وأكدت في حديثها لقناة "بلقيس"، أن الإعلام المحلي، يلعب دورًا مهمًا في التوعية المجتمعية، من خلال نشر المعلومات عن أساليب التسوّل المخادع، وتحذير الأسر من المخاطر المحتملة.

وشددت على ضرورة تشجيع الأسر على توخّي الحذر والتأكد من هوية المتسولين والمتسولات قبل فتح الأبواب أو التعامل معهم، باعتبار هذا الأمر أصبح ضرورة حياتية، حيث يمكن أن تقلل هذه الخطوة من فرص الاستغلال المباشر.

وجددت التأكيد على ضرورة تطوير برامج مجتمعية لتعزيز اليقظة بين الجيران، ورفع مستوى الوعي بأهمية حماية الأسر من هذه الظواهر، حسب تعبيرها.

إجمالا، تبقى خطورة هذه الظاهرة في كونها تتجاوز مجرد تسول فردي إلى نشاط منظم يستهدف أمن المجتمع واستقراره، ما يستدعي من الجهات المعنية تكثيف جهودها لمواجهتها.

إضافة إلى ذلك، من الأهمية بمكان رفع الوعي المجتمعي، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أي ممارسات مشبوهة، حماية للأسر وصونًا للسلم الاجتماعي.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.