تقارير
بين الفساد المؤسسي وتعدد مراكز النفوذ.. مستقبل غامض للإصلاحات الحكومية
تتزامن في اليمن سلسلة من القرارات والإعلانات الرسمية التي تكشف حجم التآكل المؤسسي واتساع الفوضى داخل أجهزة الدولة، حيث أعلن رئيس الحكومة، سالم بن بريك، اتخاذ إجراءات تقشفية صارمة، تشمل تقييد سفر الوزراء وكبار المسؤولين للحد من الإنفاق وضبط الأداء التنفيذي في عدن.
كما أصدر مجلس القيادة الرئاسي قرارًا بإغلاق المنافذ البحرية المستحدثة، التي ارتبطت خلال السنوات الماضية بشبكات تهريب المشتقات النفطية، يديرها قيادات عسكرية ومسؤولون نافذون خارج إطار القانون.
في الوقت نفسه، حذر مكتب رئاسة الجمهورية المواطنين من عمليات احتيال ينفذها أشخاص ينتحلون صفة موظفين للحصول على مبالغ مالية، لتتضح من خلال هذه الوقائع اختلالات إدارية وأمنية عميقة تسعى الحكومة إلى مواجهتها بخطوات إصلاحية عاجلة.
- غياب الإرادة السياسية
يقول الأكاديمي ورئيس حملة "لن نصمت"، الدكتور عبد القادر الخراز: "هذه الإجراءات ضرورية، لكن لا بد من وجود إرادة سياسية لتنفيذها. لدينا قوانين جزاءات واضحة، لكنها لا تُنفذ بسبب غياب الإرادة السياسية".
وأضاف: "الإصلاحات التي يقوم بها رئيس الوزراء منذ بداية العام لم ترَ النور بعد، وما زالت هناك إشكاليات، فالمسؤولون الحكوميون أنفسهم يشاركون في الفساد. نحن أمام فساد بنى على أنقاض الدولة، ومن يديره هم من يمسكون بالسلطة، وهذا يشكل معضلة حقيقية".
وأشار الخراز إلى أن الإصلاحات تحتاج أدوات مستقلة عن الفساد، لأن "الفاسد لا يمكنه تنفيذ إجراءات إصلاحية". وأضاف: "رئيس الوزراء يحاول الإصلاح، لكن التحديات كبيرة؛ فالموارد تهرب، والنفط الخام يُهدر، وهناك اعتماد على المنح الخليجية، والأموال المخصصة للأسر المحتاجة يتم استغلالها في رحلات السفر الرسمية للمسؤولين".
وتابع: "هناك اختلال مؤسسي مزمن، سواء في إنفاق المداخيل الحكومية، أو سيطرة أفراد على الموارد، أو في ضعف القدرة الشرائية للمواطنين والموظفين، الذين تأخر صرف مرتباتهم لأشهر".
- إصلاحات لا يمكن أن ترى النور
يرى المحلل السياسي الدكتور عادل الشجاع أن المشكلة ليست في برنامج الإصلاح، بل في "الاختلالات المؤسسية داخل الدولة والحكومة". وأضاف: "رئيس الحكومة الحالي لم يشكل وزرائه، والحكومة قائمة منذ رئاسة معين عبد الملك، الذين كانوا متهمين بالفساد. بالتالي، لا يمكن تنفيذ الإصلاحات على أرض الواقع".
وتابع: "مجلس القيادة يقوم على ثمان مجموعات، وكل رئيس مجموعة لديه مصالحه الخاصة، ولا يلتزم بالإصلاحات الحكومية. كيف يمكن لرئيس الحكومة تطبيق إجراءات التقشف بينما من لديهم السلطة غير ملتزمين؟".
وأشار الشجاع إلى أن الدعم الإقليمي والدولي غير جاد في مساعدة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات، قائلاً: "إذا كانت هناك جدية، كان بالإمكان إعادة تشكيل الحكومة لتكون قادرة على الإصلاح".
- غياب الرقابة
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الكسادي: "النتائج السريعة للإصلاحات غير ممكنة في ظل دولة منهارة تمر بحرب. لكن خطوات البنك المركزي منذ يوليو كانت ناجحة، فقد ساعدت على تثبيت سعر الصرف والسلع الأساسية".
وأضاف: "الرقابة ضعيفة من قبل وزارة الصناعة والتجارة، ما أتاح للتجار التلاعب بالأسعار بعد انتهاء الحملات، كما أن المواطن والمجتمع لا يفرض الرقابة الكافية".
وتابع: "إغلاق الموانئ المفتوحة مؤخراً قرار مهم، لكنه لا يمكن إصلاحه في شهر واحد، خصوصًا مع اختلال الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، الذي أصبح الآن محور ضبط الموارد ومراقبة المحافظات التي كانت لا تورد إيراداتها".
وأشار الكسادي إلى أن "الحكومة اكتشفت أن كل محافظة كانت مستأثرة بمواردها، وكان الحمل كله على مأرب، ما كشف ضعف الدولة وسيطرة الأفراد على الموارد، وهذا يجعل الإصلاحات صعبة التطبيق على أرض الواقع".