تقارير
تحويل المركبات إلى الغاز.. خطر يهدد حياة الناس في الشوارع العامة
في ظل التحديات الاقتصادية الصعبة، التي يواجهها اليمن، ومع الارتفاع الملحوظ في أسعار الوقود، لجأ العديد من أصحاب المركبات في محافظة تعز إلى البحث عن حلول بديلة؛ لتخفيف الأعباء المالية.
برزت فكرة استبدال الوقود بأسطوانات الغاز المنزلي كخيار مُتاح للبعض، وتزايد اللجوء إلى هذا التصرّف بشكل ملحوظ؛ بسبب الفرق الكبير في السعر بين الغاز والوقود.
ومع ذلك، فإن الممارسات العشوائية وغير الآمنة في تركيب أسطوانات الغاز لتشغيل المركبات تثير قلقًا متزايدًا بشأن المخاطر المحتملة، مما يتطلب تنظيم ومراقبة هذه التصرّفات.
في يوم الثلاثاء، 8 يناير 2025، اندلع حريق مروِّع في إحدى المركبات الصغيرة بشارع التحرير الأعلى -وسط مدينة تعز، وذلك نتيجة انفجار أسطوانة الغاز داخل الحافلة.
الحادث أدى إلى احتراق المركبة بالكامل، وعلى الرغم من عدم تسجيل إصابات بشرية، إلا أنه كشف بوضوح عن المخاطر المتزايدة المرتبطة باستخدام أسطوانات الغاز كبديل للوقود دون اتّباع معايير السلامة.
ويأتي هذا الحادث بعد واقعة مشابهة وقعت في الشهر الماضي، حين تسبب حريق في سيارة بوفاة شخصين، بالإضافة إلى إلحاق أضرار مادية كبيرة بالمنازل المجاورة.
هذه الحوادث المتكررة تعكس ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لتنظيم استخدام أسطوانات الغاز في المركبات، والتأكد من تطبيق معايير السلامة بشكل صارم لحماية الأرواح والممتلكات.
- الخطر المتزايد
أكد العميد فؤاد المصباحي، مدير الدفاع المدني في مدينة تعز، أن استخدام أسطوانات الغاز المنزلي في مركبات النقل يشكِّل خطراً متزايداً، خاصة في المركبات التي تم تعديلها بشكل عشوائي للعمل بالغاز.
وأوضح أن العديد من هذه المركبات لا تلتزم بالمعايير الفنية والمتطلبات الخاصة بمنظومات الغاز، مما يؤدي إلى ارتفاع احتمالية وقوع حوادث حريق خطيرة.
وأشار إلى أن هذا الوضع يستدعي تدخلاً عاجلاً لتطبيق إجراءات رقابية صارمة، وتنظيم عملية تحويل المركبات للعمل بالغاز، مع التأكد من استخدام أسطوانات ومنظومات معتمدة ومطابقة لمواصفات السلامة.
وشدد العميد المصباحي، في حديثه لموقع "بلقيس"، على أهمية التحقق من سلامة وصلاحية المنظومات الغازية المستخدمة في المركبات، مع التأكد من جودة نوعية هذه المنظومات، وعدم تعرضها للتلف أو الإهمال.
كما أكد على ضرورة توفير طفايات حريق مناسبة لحجم المركبة، وتثبيتها في مكان يسهل الوصول إليه عند الحاجة.
وقال: "إن تركيب صمامات أمان تعمل على إغلاق الغاز تلقائياً في حالة وقوع حريق يُعد إجراءً ضرورياً للحد من الأضرار، وتقليل مخاطر الحوادث".
وأضاف: "هذه التدابير ليست فقط للحفاظ على سلامة الأرواح والممتلكات، بل هي جزء من الجهود الشاملة لتعزيز ثقافة السلامة العامة والوقاية من الكوارث في المجتمع".
ارتفاع أسعار المشتقات النفطية جعل الكثيرين يلجأون الى تحويل المركبات للعمل بالغاز كبديل عن البنزين، وهو ما أثار العديد من المخاوف المتعلقة بالسلامة العامة؛ نتيجةً للتحويلات العشوائية التي تتم في ورش غير مرخَّصة، وهو ما يهدد حياة المواطنين، ويعرِّضهم لمخاطر الحوادث.
يقول المهندس حديد الماس، المدير العام التنفيذي للهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، إن "المواصفات القياسية اليمنية تشترط أن تكون السيارات، التي تعمل بالغاز، قد تم تصنيعها بهذه الكيفية من بلد المنشأ".
وأوضح: "تحويل المركبة من العمل بالوقود إلى العمل بالغاز نشاط محظور في الدول المصنعة للمركبات، ودول الخليج العربي، ويعد المصنّع هو المسؤول عن المركبات التي صنعها، وتحويل المركبات للعمل بالغاز بعد استيرادها يلغي مسؤولية الشركات المصنّعة في حال حدوث أضرار".
وأضاف: "تحويل المركبة من العمل بالوقود إلى العمل بالديزل يحدث في محلات تغيير زيوت السيارات، أو في ورش صيانة السيارات، دون ضوابط، مما يشكل مصدر خطر متحرك".
الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس في عدن أصدرت تعميما، في 10 نوفمبر 2024، بمنع دخول أسطوانات الغاز المخصصة للسيارات إلا بعد الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة من الشركة اليمنية للغاز، باعتبارها جهة الاختصاص، وإلزام الورش التي تمارس هذا النشاط بالحصول على ترخيص لمزاولة النشاط، وفقًا للماس.
- ضبط 150 مركبة
يقول نائب مدير شرطة السير، طاهر مهيوب الفائشي، إن "ظاهرة استخدام أسطوانات الغاز في الحافلات قد ظهرت بشكل عشوائي؛ نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، حيث لجأ أصحاب الحافلات إلى الغاز كبديل؛ بسبب تكلفته المنخفضة".
وفيما يتعلق بمنع الاستخدام العشوائي لأسطوانات الغاز في المركبات، أشار الفائشي إلى أن "الدفاع المدني قد نفذ حملات على الطرق العامة، وعلى الأماكن التي تقوم بتغيير الوقود، واتخذ الإجراءات اللازمة لضمان السلامة، ومصادرة العديد من خزانات الغاز التي تعمل في تشغيل الحافلات بدلًا عن الوقود".
وقال النقيب عبدالله المحياء، مدير مكتب مدير عام شرطة السير، إن "إدارة شرطة السير قامت مؤخراً بإجراء ضبط شامل للمركبات في شوارع المدينة، التي تعمل بنظام وقود الغاز لعدد 150 مركبة؛ كونها تفتقر إلى وسائل السلامة اللازمة".
وأوضح المحيا أنه "تم إلزام جميع المركبات بتوفير وسائل السلامة، مثل "طفاية الحريق".
- جهود حكومية
يؤكد المدير الفني للشركة اليمنية للغاز في صافر، فؤاد القاسم، على ضرورة التعاون بين مختلف الجهات الحكومية ذات العلاقة؛ مثل الدفاع المدني، والمواصفات والمقاييس، ومكاتب الصناعة والتجارة في المحافظات، والمنافذ الجمركية.
وبيّن القاسم أن "اليمن يفتقر إلى الكثير من الإجراءات والضوابط، التي تنظم تداول ونقل وتركيب منظومات وبدائل الوقود؛ مثل الغاز الطبيعي المسال، وغاز البترول المسال".
وأوضح أن "استخدام الغاز البترولي المسال كبديل للوقود التقليدي في وسائل النقل، أو مولدات الكهرباء، سيُسهم في توفير جزء كبير من العملة الصعبة، التي تذهب حاليًا لشراء المشتقات النفطية".
وأشار القاسم إلى أن "الشركة تلقت العديد من البلاغات حول ورش تركيب منظومات الغاز للسيارات في عدد من المحافظات بشكل عشوائي، بما في ذلك تصنيع الأسطوانات محليًا بصورة تقليدية مخالفة للوائح والتشريعات".
وبيَّن أن "الشركة قد شكلت فِرقًا ميدانية، بالتنسيق مع السلطة المحلية في المحافظات؛ للتفتيش وضبط هذه الأنشطة، وإيقافها بالتنسيق المستمر مع الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة".
وأضاف أن "عددًا من الشحنات المتعلقة بمعدات منظومات غاز السيارات من مصادر موثوقة؛ مثل إيطاليا وتركيا، وصلت إلى اليمن، وتحرص الشركة أن يلتزم العاملون في هذا المجال بتركيبها بالشكل الصحيح، تحت إشراف مختصين".
وأوضح أن "الشركة اليمنية للغاز بصدد استكمال ترخيص عدد من الورش المتخصصة بهذا المجال، وبمشاركة الجهات الحكومية ذات العلاقة، وسوف يتم إلزام الورش بتوفير الضمانات المطلوبة، وتحمّل المسؤولية القانونية تجاه أي حوادث أو مخاطر متعلقة بهذا الأمر".
واقترح القاسم "على الحكومة أن تعمل على دعم استيراد السيارات، التي تعمل محركاتها بالغاز البترولي المسال، من خلال تخفيض الرسوم الجمركية، وإلزام وكلاء السيارات الرسميين في البلاد توفير هذا النوع من المركبات"، مؤكدا أن "هذا الأمر سيحقق منافع اقتصادية وبيئية كبيرة في اليمن".