تقارير
إيقاف الحرب في غزة.. مكسب لجماعة الحوثي أم خسارة لها؟
من المتوقع أن يدخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، خلال أيام، ممّا يثير تساؤلات حول انعكاس هذه التهدئة على الملف اليمني، الذي تعقَّد بفعل الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وامتدادها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أعلن الحوثيون دعمهم لتهدية في غزة، في إشارة إلى تعليق عملياتهم ضد السفن وإسرائيل، مهددين باستئناف أعمالهم العسكرية إذا تراجعت إسرائيل عن الاتفاق.
يرى مراقبون أن حرب غزة منحت الحوثيين فرصة لإبراز أنفسهم كلاعب إقليمي جديد، مما عزز نفوذهم، وفتح لهم مجالات الارتباط بأجندة دولية متصارعة، لكن في المقابل انكشفوا كجماعة مسلحة غير منضبطة تهدد أحد أهم الممرات التجارية الدولية، مما أثار قلقا عالميا متزايدا.
- ستتوقف الهجمات
يقول الصحفي طالب الحسني: "بكل تأكيد ستتوقف الهجمات؛ لأنها دائما مرتبطة بالحرب على غزة، وبالتصعيد في غزة، وبمسألة العدوان على غزة".
وأوضح: "هناك اعتبارات للدول، التي تضررت، ومن ضمنها مصر، ولو تضررت بنسبة معيّنة، لكن أيضا هناك تطمين للدول الأخرى، التي تستخدم الملاحة البحرية عبر باب المندب والبحر الأحمر، وما شابه".
وأضاف: "إذا الواضح تماما والمؤكد أنها ستتوقف، ولم يعد هناك حاجة لهذه العمليات، طالما أنها أساسا ارتبطت بغزة، وبحصار العدو الإسرائيلي من هذه المنطقة".
وتابع: "ثانيا، يجب أن يكون هناك عودة للملاحة الكاملة؛ لأن هناك تأثرا في الملاحة، ليس نتيجة العمليات التي تقوم بها اليمن (جماعة الحوثي)؛ لأن العمليات لم تخطئ ولا مرة واحدة ضد أي سفينة".
واستدرك: "لكن هناك شركات ودول توقفت لأسباب تتعلق بمخاوف، وهناك بعض الشركات، وبعض أيضا الدول توقفت بفعل التهديد أو التحريض الأمريكي، الذي كان يريد أن يكون هناك توقف دائم وكامل للملاحة من هذه المنطقة، ولكن هناك نسبة كبيرة أيضا من الملاحة كانت متبقية، وتعمل في هذه المنطقة من ضمنها الملاحة الصينية، وبعض الآسيويين".
وأكد: "إذًا، لا بُد أن تكون هناك عودة إلى الوضع الطبيعي، هذا أساسي، ولصالح أيضا صنعاء (جماعة الحوثي) بدرجة كبيرة، وحتى يكون هناك نوع من المصداقية".
وأشار إلى أن "الطرف الآخر -خاصة الروسي والصيني وحتى المصري وبعض الدول المشاطئة للبحر الأحمر، عندما تحدثوا عن هذه العمليات ربطوها بمنطقة غزة والتصعيد في غزة، ولم يربطوها بأنه فعل يمكن أن يستمر لمدة مفتوحة".
وحول إطلاق سراح سفينة "جلاكسي ليدر" وطاقمها؛ قال الحسني: "المسألة في هذه الزاوية مطروحة للمفاوضات الفلسطينية مع كيان العدو الإسرائيلي".
ورجّح أنه "قد يتم إفراد مفاوضات مختلفة لها، لكن المسألة لن تكون معقّدة؛ لأن أفراد الطاقم -أولا- أغلبهم كانوا عبارة عن موظفين مع شركة كانت تعمل مع كيان عدو الإسرائيلي، أو رجل أعمال إسرائيلي كان يعمل مع كيان العدو الإسرائيلي".
ويرى أن "المسألة ستخضع لحوار سريع، وليس معقدا وسينتهي بالإفراج عنها بكل تأكيد".
وأرجع السبب إلى أن "الأصل ليس القرصنة، وليس اختطاف السفن، تم توقيف السفينة لأسباب تتعلق بالعدوان على غزة".
واستطرد: "سيتم إطلاق هذه السفينة بحوار قد يكون فلسطينيا مع كان العدو الإسرائيلي؛ لأن هذا معروض أمامهم، وقد يكون حوارا مع اليمن (جماعة الحوثي)".
وزاد: "تم الإعلان يمنيا (جماعة الحوثي) أن للفصائل الفلسطينية في طاولة المفاوضات الحق أن تتفاوض في مسألة السفينة ليدر، وبالتالي الأمر الآن يعود إلى الفصائل الفلسطينية، وعندما تتوقف الحرب في غزة أعتقد أن القرار سيعود إلى صنعاء (جماعة الحوثي) في هذه الحالة إذ لم يكن هناك استخدام لملف السفينة فلسطينيا".
ويرى أن "هناك تعقيدات أمام كيان العدو الإسرائيلي في مسألة استهداف اليمن، ولذلك التهديد لا قيمة له، ولو كان هناك خوف من التهديد لكان هناك توقف من وقت مبكر".
وتابع: "المسألة الثانية، الآن إذا أراد كيان العدو الإسرائيلي أن ينفذ هذه الهجمات لن يربطها بغزة، سيقوم بها مباشرة، ولا يحتاج في الحقيقة إلى مبرر على الإطلاق"، مستدركا "لكنه يدرك أن هناك مآلات وتداعيات كبيرة".
- مكاسب وخسارات
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة، الدكتور فيصل الحذيفي: "القرار المتوقع من الحوثيين ينبني على المكاسب والخسارات، التي يعلمونها هم جيّدا؛ إلى أي مدى ربحوا سيستمرون، وإلى أي مدى خسروا سيوقفون".
وأضاف: "نحن نقول إنهم ربحوا شكليا على المستوى الداخلي بإعادة اللُّحمة والتعاطف مع غزة، والصمت والخضوع لهم؛ للموقف الشكلي الذي قاموا به، لكنهم ربحوا أيضا على المستوى الخارجي بأنهم سوَّقوا أنفسهم باعتبارهم اليمن، وباعتبارهم من يحكم اليمن، وهم الواجهة الحاضرة على الساحة".
وتابع: "لكن على مستوى الانعكاسات الحقيقية من القوى الكبرى هي رأت أن هناك مخاطر كبيرة يمكن أن تنعكس سلبا عليهم، وبالتالي جاء وقف إطلاق النار في غزة من باب المخرج الذي أنقذهم من ورطة لم يستطيعوا الخروج منها".
وزاد: "إذًا، قرار الحوثي ينبغي أن يُفهم وفقا لهذين الخيارين وللربح والخسارة التي هم يعلمونها أكثر مما نعلمها نحن، وينبغي ان يوجَّه مثل هذا السؤال لصانع قرار الحوثيين، أو من يموّلهم".
وأردف: "ما مصلحة إيران في الوقف أو الاستمرار، وبالتالي ما مصلحة الحوثيين في الوقف والاستمرار؟!".
وأشار إلى أن "هناك أيضا يدا خارجية هي التي تقف وراء قرار الحوثيين"، مبيّنا "الحوثيون يصفون الشرعية بانهم مرتزقة، لكنهم لا يعتبرون أنفسهم مرتزقة بالعمالة لإيران والأطراف الشيعية في المنطقة".
وتساءل: "أولا وقف إطلاق النار في غزة ما علاقته بموقف الحوثيين، سواء انتصروا لغزة أم لم ينتصروا؟!!".
وأوضح: "مسار الحرب في غزة قائم على إستراتيجية لدولة الكيان، وللداعمين الدوليين (بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية)".
واستطرد: "المزاج الدولي والرأي العام الدولي ضغط بشكل قوي على هذه الحكومات، عدد المظاهرات التي كانت في الجامعات، وفي المدن الكبرى، أكبر بكثير مما خرج العرب والمسلمون".
وتابع: "ربما كانوا متحيزين لفلسطين أكثر مما نحن ندعو لهم، أو نبكي، وبالتالي توصلت الإدارة الأمريكية إلى قناعة، سواء ديمقراطية أو جمهورية، أن مثل هذه الحرب أطاحت بسمعة الحكومات الغربية أرضا الداعمة لهذا الكيان، وأيضا أطاحت بسمعة الكيان أرضا، وعرَّفت بالقضية الفلسطينية التي كانت شبه ميتة، وأيضا تسوّق على وجه خاطئ، وبالتالي الخاسر الكبير إعلاميا وأخلاقيا وقانونيا ودعايا كانت هي القضية الفلسطينية".
وأكد: "لا علاقة للموضوع بموقف الحوثيين، سواء قصفوا سفينة، أو قصفوا بصاروخ إلى دولة الكيان، المتضرر الأكبر كان من القصف المرتد هو اليمني، والضرر في رفع التأمين على السفن والبضاعة الداخلة لليمن".
وبيّن: "وبالتالي الإيعاز والقرار جاء من ترامب لنتنياهو أن يوقف الحرب، وكان متمنعا، خلال ثلاث أشهر من التوقيع على التسوية، وعندما جاءه أمر من سيّد البيت الأبيض القادم أوقف القتال".
ويرى أن "ما تتخذه جماعة الحوثي هو بروباجندا تعود إلى مصالح في تحسين سمعتهم الداخلية، وإعادة لمّ الصف لدعمهم، وكذلك تسويق أنفسهم على المستوى الدولي؛ غير ذلك لا علاقة بما جرى في غزة بادعاءات الحوثيين".
وأوضح: "السياسة الأمريكية قائمة على المراوغة الدولية، أحيانا تستثمر الموقف المعادي لصالحها".
ولفت إلى أن "هناك صراعا دوليّا على النظام الدولي، وكسر عظم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين".
وذهب إلى القول إن "الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر نفسها القوة العظمى، التي تحمي أمن العالم وسلامته، وبالتالي كان لا بُد لها من مبرر لأن تعيد التموضع، وتفرض هذا الحضور، ومن مصلحتها أن تزوّد الحوثي ربّما بمعلومات: هذه السفينة حق فلان، وهذه الشركة حق فلان".
وأضاف: "لا أعتقد بأن الأمريكان متضررون من ما تقوم به جماعة الحوثي؛ الأمريكان سهلوا لجماعة أرهابية بقصف برجي التجارة الأمريكية للتحول بأساطير إلى نسف العراق، ونسف أفغانستان، ووضع يدهم على خارطة الشرق الأوسط، وطرح ما يسمى الفوضى الخلاقة، وإعادة رسم الشرق الأوسط الجديد".
واعتبر "جماعة الحوثي مجرد قراصنة يتفاوضون لمصالحهم، ويرفعون سقف التفاوض في أي فرصة كانت، وبالتالي سيبحثون عن عدو أيا كان؛ ليظلوا دائما في الواجهة".
وقال: "الحوثيون في سياستهم يتميّزون عن الاتباع في العراق بأن لديهم إرثا سياسيا يبحثون عنه".