تقارير

ترسانة الحوثيين.. هل أصبح شمال اليمن قاعدة عسكرية إيرانية؟

22/02/2025, 06:42:18
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

كشفت الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة عن امتلاك مليشيا الحوثيين أسلحة إيرانية نوعية ومتقدمة لا تتناسب مع طبيعة الحروب الأهلية، مثل المنظومات الصاروخية المتطورة المضادة للسفن، والزوارق البحرية، والصواريخ بعيدة المدى القادرة على الوصول إلى إسرائيل ودول الخليج كافة، وهو ما يؤكد أن النفوذ الإيراني في اليمن يتجاوز مجرد الدعم السياسي أو العسكري لمليشيا محلية إلى ما هو أبعد من ذلك، ليصبح بمنزلة إنشاء قاعدة عسكرية متقدمة لإيران في المنطقة.

ويعزز هذا الطرح ما كشفته تقارير استخباراتية متعددة حول تهريب إيران أسلحة متطورة للحوثيين، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا في إطار رغبة طهران في تحويل مناطق سيطرة الحوثيين في شمال اليمن إلى قاعدة عسكرية متقدمة تتيح لها تنفيذ عمليات عسكرية هجومية عند الحاجة، وبالتالي فإن النفوذ الإيراني في اليمن لم يعد مقتصرا على دعم الحوثيين كجماعة مسلحة تسعى للسيطرة على البلاد، بل تحول إلى مشروع عسكري إستراتيجي أوسع، حيث أصبحت معظم مناطق شمال اليمن قاعدة متقدمة لطهران في خاصرة المنطقة العربية.

وهذا يشكل تطورا خطيرا في المشهد الجيوسياسي، لأنه يعني أن اليمن لم يعد ساحة صراع داخلي من وجهة نظر إيران، ولكنه بات الجزء المهم والمتبقي من شبكة نفوذها في المنطقة، مما يهدد الأمن الإقليمي والدولي، وهو ما يستدعي القوى الدولية والأطراف الإقليمية المتضررة من إيران ومليشياتها إعادة تقييم طريقة التعامل مع هذا الواقع المستجد.

- صواريخ إيرانية بحوزة الحوثيين

بفضل الدعم الإيراني، أصبحت مليشيا الحوثيين تمتلك ترسانة صاروخية متطورة، سواء من خلال التهريب أو نقل التكنولوجيا اللازمة والخبرات وتدريب الفنيين لتجميع الصواريخ محليا أو تطوير ما لدى الحوثيين من صواريخ سلمها لهم علي عبد الله صالح من مخازن الجيش اليمني في بداية الانقلاب، وتشمل تلك الترسانة صواريخ بالستية بعيدة المدى وصواريخ كروز، استخدمت في استهداف السعودية والإمارات وأخيرا الاحتلال الإسرائيلي.

وتشير تقارير إعلامية ومخابراتية إلى أن الحوثيين حصلوا على نسخ معدلة من الصواريخ الإيرانية، أبرزها الصاروخ البالستي "قيام-1"، الذي تم تطويره وتحويله إلى نسخة محلية أطلق عليها "بركان 2H"، وهو صاروخ متوسط المدى يصل إلى أكثر من 1000 كيلومتر، وقد استخدم في استهداف عدد من المنشآت الحيوية في عمق الأراضي السعودية.

كما كشفت المليشيا الحوثية عن صاروخ جديد تحت اسم "بركان 3"، وهو نسخة محسنة من الصاروخ الإيراني "شهاب-3"، بمدى يصل إلى 1200 كيلومتر، ما يمنحه القدرة على ضرب أهداف في عمق السعودية والإمارات.

وفي سبتمبر 2023، أعلن الحوثيون عن صاروخ جديد يحمل اسم "طوفان"، وتصميمه مطابق لتصميم الصاروخ الإيراني "قدر-F"، ويتميز بمدى قد يصل إلى 1950 كيلومترا، مما يجعله أحد الأسلحة القادرة على استهداف الاحتلال الإسرائيلي.

وإلى جانب الصواريخ البالستية، تمتلك مليشيا الحوثيين منظومة متقدمة من صواريخ كروز، تمثلها سلسلة صواريخ "قدس"، والتي تم تطويرها بالاعتماد على الصاروخ الإيراني "سومار"، وبدأت هذه المنظومة بصاروخ "قدس-1"، ثم تبعته نسخة أكثر تطورا تحت اسم "قدس-2"، والتي زادت من مدى الصاروخ ودقته.

وفي عام 2023، كشفت المليشيا عن صاروخ "قدس-3" و"قدس-4"، والأخير مستوحى من الصاروخ الإيراني "حويزة"، القادر على الطيران لمسافة تتجاوز 1350 كيلومترا. وقد زودت هذه الصواريخ مليشيا الحوثيين بإمكانية تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف إستراتيجية، بما في ذلك منشآت نفطية وموانئ في السعودية والإمارات.

وهناك صواريخ إيرانية أخرى بحوزة الحوثيين مثل صاروخ "حاتم-2"، وصاروخ "آصف"، وصواريخ بالستية مضادة للسفن بمدى يصل إلى 500 كيلومتر، وزارق انتحارية من نوع "ندير" و"عاصف"، وصاروخ "قيام-2" (فلق)، و"قاسم-2"، و"فاتح-110" (كرار)، و"خيبر شكان" (حاتم).

كما زودت إيران مليشيا الحوثيين بأنظمة صواريخ أرض-جو (SAM)، مثل صاروخ "صياد-2C"، و"صقر-1"، و"المعراج"، بالإضافة إلى صواريخ مضادة للسفن، مثل صاروخ "خليج فارس" (عاصف)، وصاروخ "البحر الأحمر"، وصاروخ "فجر-4CL" (فلق-1"، و"القاهر" (المندب-2)، يضاف إلى ذلك عدد من الصواريخ الموجهة، وقاذفات الصواريخ المتعددة، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، والصواريخ المضادة للدروع، والألغام البحرية.

- الحوثيون وطفرة المسيرات الإيرانية

لم يكن الجيش اليمني يمتلك طائرات مسيرة قتالية قبل انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في سبتمبر 2015، ولم يكن هناك مشروع للتصنيع المحلي لتلك الطائرات، لكن كان هناك بعض الطائرات المسيرة الخفيفة لأغراض الاستطلاع فقط، ولم تكن متقدمة أو قتالية، وبالتالي فإن امتلاك الحوثيين لطائرات مسيرة قتالية بتلك الكميات يعكس مدى اهتمام إيران بتزويدهم بهذا النوع من الطائرات.

واللافت في الأمر أن إيران حرصت في السنوات الأخيرة على تزويد الحوثيين بعدة أنواع من الطائرات المسيرة (الدرونز) ذات المدى الذي يمكنها من الوصول إلى أهداف داخل السعودية والإمارات وإسرائيل، ومن أبرز تلك الطائرات: طائرة "صماد-3"، التي يصل مداها إلى أكثر من 1800 كيلومتر، وطائرة "صماد-4"، وهي تطوير للطراز السابق، مع مدى يتجاوز 1800 كيلومتر، ومزودة بتقنيات محسنة لزيادة الفعالية والدقة.

يضاف إلى ذلك طائرة "وعيد"، وهي تشبه الطائرة المسيرة الإيرانية "شاهد 136"، ويصل مداها إلى حوالي 2500 كيلومتر، مما يجعلها قادرة على الوصول إلى أهداف بعيدة في أي دولة خليجية أو داخل إسرائيل (فلسطين المحتلة)، وأخيرا طائرة "يافا"، وهي طائرة مسيرة جديدة أعلن الحوثيون عن استخدامها في استهداف تل أبيب، وتتميز بقدرتها على الوصول إلى أهداف بعيدة، مما يشير إلى مدى يتجاوز 2000 كيلومتر.

ما سبق ذكره ليس كل ما لدى الحوثيين من طائرات مسيرة إيرانية الصنع، فالمليشيا لديها أنواع كثيرة من تلك الطائرات، وما سبق ذكره مجرد نماذج تمثل جزءا من الترسانة الجوية للحوثيين التي تصل إلى مسافات بعيدة، وتستخدم في تنفيذ هجمات على منشآت حيوية وعسكرية في إسرائيل أو أي دولة خليجية، وهو ما يؤكد أن إيران تطمح لجعل شمال اليمن قاعدة عسكرية متقدمة لضرب خصومها بهذا النوع من الأسلحة الذي لا يُستخدم في الحروب الأهلية.

وقد تمكنت إيران من تطوير سلاح المسيرات الحوثية بسرعة كبيرة بفضل خطوط التوريد (التهريب) الفعالة، وتزويدهم بالمكونات والتكنولوجيا والخبراء العسكريين على مدى سنوات.

وخلال الهجمات السابقة التي نفذتها مليشيا الحوثيين، وثقت مؤسسة "أبحاث تسليح الصراعات" عددا من الطائرات المسيرة التي تم إسقاطها، وخلص تقريرها إلى أن المسيرة "قاصف-1" تشبه المسيرات الإيرانية من طراز "أبابيل"، لكنها أصغر حجما، وأن المسيرات من طراز "صماد" تتطابق بعض أجزائها مع مكونات تستخدم في المسيرات الإيرانية.

وفي تأكيد لفرضية تزويد إيران للحوثيين بالأسلحة، أثبت فريق من خبراء الأمم المتحدة أن أحد نماذج صاروخ "بركان" جُمع على الأرجح داخل اليمن، بينما صاروخ كروز "قدس-1" لم يكن نسخة مباشرة من أي تصميم معروف، بل يعتمد على تصميم كلاسيكي لصواريخ كروز، ما يعني أن أجزاءه ربما هُربت من الخارج ثم خضعت لعملية هندسة عكسية ليتم تصنيعه محليا.

- تهديد الإقليم والتجارة الدولية

لقد تحول التدخل الإيراني في اليمن إلى نموذج للحرب بالوكالة، متجاوزا تدخلاتها الإقليمية الدولية، حيث تكرس طهران وجودا عسكريا غير مباشر يمكنها من تهديد أمن المنطقة بأدوات متطورة دون تحمل أعباء المواجهة المباشرة.

كما أن ما كان يُنظر إليه سابقا مجرد دعم لمليشيا طائفية، بات اليوم بنية تحتية عسكرية متكاملة مصممة لتهديد الإقليم، تضم منظومات صاروخية إستراتيجية وقدرات هجومية بعيدة المدى، مما يجعل اليمن ساحة اختبار متقدمة لمشاريع إيران العسكرية في المنطقة، وسيزداد الدعم الإيراني للحوثيين بكثافة بعد تراجع نفوذها في ساحات أخرى.

هذا التحول يأتي ضمن رؤية أوسع تهدف إلى خلق جغرافيا أمنية جديدة تعزز من قدرتها على الردع والضغط، مستفيدة من الموقع الإستراتيجي لليمن لتهديد مسارات التجارة الدولية والممرات البحرية الحيوية.

وفي حال لم يتم القضاء على مليشيا الحوثيين وتركها تراكم ترسانتها العسكرية المهربة من إيران أو المصنعة محليا بخبرات ودعم إيراني، فإن شمال اليمن لن يكون فقط قاعدة انطلاق للهجمات، بل سيصبح نقطة ارتكاز إيرانية متقدمة قادرة على إعادة تشكيل قواعد الاشتباك الإقليمي، وهو ما يفرض على القوى الإقليمية والدولية مراجعة إستراتيجياتها تجاه هذا التهديد الإيراني الآخذ في التصاعد.

إن التغاضي عن هذه الحقائق أو التعامل معها كأزمة محلية، أو تركها تترسخ كجزء من مؤامرات تفتيت اليمن، سيؤدي إلى تداعيات تتجاوز حدود اليمن، لتشمل إعادة توزيع موازين القوة في المنطقة، وفق رؤية إيرانية قائمة على بناء "حزب الله" بديل في بيئة جديدة أكثر تعقيدا.

وفي ظل غياب ردع حقيقي، فإن النفوذ العسكري الإيراني في اليمن سيؤدي إلى خلق واقع جيوسياسي جديد يجعل إيران لاعبا أكثر خطورة، قادرا على فرض إملاءاته عبر أذرع مسلحة في بيئة جغرافية ذات تضاريس مترامية ومعقدة، وهو ما يتطلب استجابة تتناسب مع حجم التهديد قبل أن يترسخ كمعادلة ثابتة في المنطقة.

تقارير

مجاعة في الأفق.. أزمات متفاقمة تهدد حياة اليمنيين في ظل تراجع المساعدات

أكثر من تسع سنوات من الحرب المستمرة، وطوال عقد من الزمن من الأزمات الاقتصادية والإنسانية، لا يزال الشعب اليمني يعاني من تأثيرات كارثية تمسُّ جميع جوانب الحياة اليومية، حيث يعجز الآباء عن تأمين لقمة العيش لأطفالهم، وتتفشي الأوبئة في غياب الرِّعاية الصحية، وبينما تواجه الأسر تحدِّيات يومية للبقاء على قيد الحياة، في خضم هذا الواقع الصعب، تظهر قصص مأساوية تعكس حجم المعاناة.

تقارير

الكوليرا في اليمن.. تفشي الوباء ودور وسائل الإعلام في المواجهة

مؤخرا، أعلنت منظمة الصحة العالمية رصد أكثر من 6100 حالات إصابة بالكوليرا في اليمن، و4 وفيات مرتبطة بها، خلال يناير الماضي، موضِّحة، في تقرير صدر عنها، أن الحصيلة تمثل انخفاضا بنسبة 42% في الحالات، وانخفاضا بنسبة 75% في الوفيات، مقارنة بديسمبر الماضي.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.