تقارير
تهديدات الحوثيين للمنشآت النفطية.. بين عجز "الرئاسي" وخذلان التحالف
للمرة الثانية تتمكن مليشيا الحوثيين من وقف تصدير شحنة نفط خام عبر ميناء الضبة في حضرموت في 22 نوفمبر الجاري، بعد نجاحها في وقف تصدير شحنة سابقة عبر نفس الميناء في 21 أكتوبر الماضي، وأيضا منعها تصدير شحنة أخرى عبر ميناء قنا بشبوة في 9 نوفمبر الجاري، من خلال شن هجمات بواسطة طائرات مسيرة، في حين اكتفى مجلس القيادة الرئاسي اليمني بعقد اجتماع تحت لافتة مجلس الدفاع الوطني، في 22 أكتوبر الماضي، صُدر خلاله قرار بتصنيف مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية، ووصف القرار بأنه وفقا لقانون الجرائم والعقوبات والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية المصادق عليها من قِبَل الجمهورية اليمنية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه مليشيا الحوثيين تهديداتها بوقف تصدير النفط والتصعيد الميداني في جبهات عدة، فإن مجلس القيادة الرئاسي لم يتبع قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أي إجراءات لترجمة ذلك القرار على أرض الواقع، واكتفى بعقد اجتماعات محدودة لمناقشة القرار وما يسميه تجنيب المدنيين أي أضرار ستترتب على تنفيذه، وأيضا دعوته المجتمع الدولي إلى تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، والتحذير من التعامل معها، ويبدو أنه لم يعد في جعبته المزيد، كما أن ردود فعل التحالف السعودي الإماراتي وبعض الدول الكبرى اقتصرت جميعها على التنديد الباهت بهجمات الحوثيين على المنشآت النفطية ووقف إعادة تصدير النفط اليمني.
- تهديدات متزايدة
يبدو أن مليشيا الحوثيين قد حسمت أمرها بوقف إعادة تصدير النفط اليمني إلا في حال الاستجابة لشروطها لتجديد الهدنة وفي مقدمتها تقاسم عائدات النفط والغاز وتسليم رواتب مقاتليها من تلك العائدات. وبما أن الهجمات السابقة للمليشيا الحوثية على المنشآت النفطية لم تُقابل بردود عملية موازية ومؤلمة تجبرها على التوقف عن مواصلة تلك الهجمات، فإن ذلك يغري المليشيا بزيادة تصعيدها في هذا السياق، بالإضافة إلى تصعيدها العسكري في عدد من الجبهات الداخلية، علاوة على تسرب معلومات تفيد بأن المليشيا تستعد لشن عملية عسكرية واسعة للسيطرة على مناطق ثروات النفط والغاز في محافظتي شبوة ومأرب.
ويزيد من احتمالات التصعيد أن التهديدات لم تعد تقتصر على الداخل فقط، وإنما بدأت بالاقتراب من تهديد أمن الطاقة العالمي وتهديد المصالح الدولية. ففي 16 نوفمبر الجاري، انفجرت ناقلة نفط مملوكة لإسرائيل إثر هجوم بطائرة مسيرة مفخخة قبالة سواحل سلطنة عُمان، واتهم مسؤول أمني إسرائيلي بارز إيران بالوقوف وراء ذلك الهجوم. وفي 19 نوفمبر الجاري، نشرت مليشيا الحوثيين صواريخ موجهة مضادة للسفن بالقرب من سواحل الحديدة التي تسيطر عليها، كما أنها تواصل حشد تعزيزات عسكرية إلى جبهات عدة في الداخل، فضلا عن شن هجمات على مواقع الجيش الوطني واندلاع اشتباكات شبه يومية في بعض الجبهات، وتحديدا جبهات تعز ومأرب والجوف.
وفي المقابل، يبدو أن ما تسفر عنه المشاورات السرية بين السعودية ومليشيا الحوثيين يغري المليشيا بالتصعيد أكثر مما يجعلها تميل نحو التهدئة، فعندما تعرض السعودية على المليشيا الحوثية التكفل بدفع رواتب مقاتليها مقابل وقف تصعيدها العسكري وتحييد مصادر الطاقة عن الهجمات العابرة والموافقة على تجديد الهدنة، فإن ذلك يفتح شهية المليشيا للحصول على مكاسب أكثر والتشدد في اشتراطاتها، وفي حال وافق التحالف والمجلس الرئاسي على الاشتراطات الجديدة للمليشيا الحوثية لتجديد الهدنة، فإن المليشيا ستتقدم بقائمة شروط جديدة، وستتنصل من جميع التوافقات السابقة.
وبخصوص عرض السعودية على مليشيا الحوثيين التكفل بدفع رواتب مقاتليها مقابل موافقتها على تجديد الهدنة وتحييد مصادر الطاقة عن الهجمات العابرة، فقد يكون طرح مثل ذلك العرض على الحوثيين مقدمة للضغط على المجلس الرئاسي اليمني وإجباره على القبول بتقاسم عائدات النفط مع مليشيا الحوثيين ودفع رواتب مقاتليها، والهدف من ذلك ليس التهدئة والتمهيد للحل السياسي للأزمة، وإنما تحييد مصادر الطاقة في السعودية والإمارات عن الصراع، وأيضا توقف التحالف عن تمويل الحرب في اليمن والتخفيف من أعبائها عليه، وجعل تمويلها من عائدات نفط البلاد بالتقاسم بين مختلف الأطراف لضمان استمرار الحرب حتى تحقيق الأهداف المرجوة منها للتحالف، هذا افترضنا أن وقف تصدير النفط في اليمن لم يعد ضمن أجندة التحالف كما كان عليه الحال خلال السنوات الماضية، وسيكون السماح بتصديره حاليا بغرض تمويل الحرب من ثروات البلاد.
- عوائق شن عملية عسكرية
من المفترض أن الرد على التهديدات المتزايدة لمليشيا الحوثيين على المنشآت النفطية اليمنية يكون حاسما وعاجلا، كون تلك التهديدات تعد ضمن الحرب الشاملة التي تشنها المليشيا على اليمنيين، وانعكاساتها ستطول جميع شرائح المجتمع اليمني الذي لم يعد يتحمل المزيد من تبعات الحرب، باعتبار أن وقف تصدير النفط والغاز يندرج ضمن الحرب الاقتصادية، وهي حرب تتعدد فصولها بين تحميل المجتمع أعباء الحرب من خلال الإتاوات الجائرة ونهب رواتب الموظفين والجبايات باسم دعم المجهود الحربي، ونهب الموارد وتسخيرها في الثراء الشخصي وتمويل الحرب، والسيطرة على السوق المصرفية، ووقف تداول الطبعة الجديدة من العملة، والانقسام المصرفي، وغير ذلك من وسائل الحرب الاقتصادية.
بيد أن ثمة كثيرا من العوائق لشن عملية عسكرية ضد مليشيا الحوثيين لإجبارها على التوقف عن شن الهجمات على المنشآت النفطية ووقف تصدير النفط، من أهمها أن المجلس الرئاسي عاجز ومشتت ومنقسم على ذاته، فإذا كان أعضاؤه غير قادرين على عقد مجرد اجتماع، فكيف يمكنهم التوافق على شن عملية عسكرية مشتركة وواسعة ضد مليشيا الحوثيين، كما أنه لا يمكن لأي طرف من أطراف المجلس الرئاسي اتخاذ قرار منفرد بشن عملية عسكرية ضد الحوثيين، فكل طرف يريد الاحتفاظ بقواته لأهداف مؤجلة وعدم تحميلها أعباء الحرب بمفردها نيابة عن الآخرين، وكل طرف سيظل إما في موقف المتفرج أو الدفاع فقط إذا تعرضت مواقعه لهجمات حوثية أو محاولات لدحره منها.
والأهم من ذلك أن قرار المجلس الرئاسي ليس بيده وإنما بيد التحالف السعودي الإماراتي، والتحالف هو وحده من يستطيع اتخاذ قرار بشن عملية عسكرية واسعة ضد مليشيا الحوثيين من عدمه، وهو وحده من يستطيع إدارة المعركة وفق هواه، ورسم جغرافيا السيطرة لكل طرف، بينما المجلس الرئاسي تقتصر مهمته فقط على ما سيمليه عليه التحالف، وبما أن التحالف لم تتعرض مصالحه أو منشآته النفطية أو مجمل أراضيه لتهديدات حوثية، فإنه لن يوجه المجلس الرئاسي بشن عملية عسكرية واسعة ضد الحوثيين، وبالتالي فإن مليشيا الحوثيين هي من بيدها قرار شن حرب من عدمه، وسيكون المجلس الرئاسي في موقف الدفاع فقط.
ولعل أبرز سبب يعيق التحالف السعودي الإماراتي عن دفع المجلس الرئاسي لشن عملية عسكرية واسعة ضد مليشيا الحوثيين هو المخاوف من إقدام المليشيا على مهاجمة المنشآت النفطية للتحالف، وفق المعطيات السابقة، ذلك أنه كلما تكبدت المليشيا الحوثية خسائر ميدانية في جبهة ما، فإنها تشن هجمات على منشآت نفطية للسعودية أو الإمارات، كوسيلة للضغط وتخفيف وتيرة العمل العسكري ضدها، كما أنها في هذه الحال تأمن من أي رد فعل دولي حيالها باعتبار أن هجماتها تلك دفاع عن النفس وتأتي في ظروف حرب واسعة وعنيفة.
- من سيشعل المعركة المقبلة؟
تشير المعطيات الحالية إلى أن اليمن لن يشهد معركة واسعة إلا إذا أشعلتها مليشيا الحوثيين، ذلك أن المخاوف المبالغ فيها من خطر المليشيا الحوثية على المنشآت النفطية للتحالف السعودي الإماراتي تغري الحوثيين بالتصعيد في الداخل أكثر، وقد يدفعها ذلك -وفقا للتسريبات- إلى شن عملية عسكرية للسيطرة على المنشآت النفطية في محافظتي شبوة ومأرب، ولعلها بصدد البحث عن ضمانات بتحييد التدخل العسكري للتحالف السعودي الإماراتي ضدها بواسطة الطيران الحربي، مقابل عدم شنها هجمات على المنشآت النفطية للتحالف.
والخلاصة هي أن مليشيا الحوثيين تعتقد أن القوات التابعة للمجلس الرئاسي لن تصمد أمامها ما لم تكن معززة بغطاء جوي من التحالف السعودي الإماراتي، وفي المقابل فالتحالف لن يسمح للمليشيا الحوثية بتحقيق انتصارات ميدانية نوعية والسيطرة على محافظات توجد فيها ثروات نفطية وغازية حتى وإن كانت منشآته النفطية ستتعرض لخطر آني ومحدود، وأيضا لا يمكن الاستهانة بمسار المعركة في حال توحدت جميع التشكيلات العسكرية مع الجيش الوطني وخاضت جميعها معركة شاملة ضد الحوثيين. وهكذا تبدو الأوضاع معقدة أمام كل الأطراف، ولن تندلع حاليا معركة واسعة إلا إذا كانت مليشيا الحوثيين هي من ستشعلها بعد أن تصلها التوجيهات والتعليمات بذلك من طهران.