تقارير

حكومة الحوثيين بعد عام: وعود التغيير الجذري تواجه شللًا إداريًا وهيكلة مثيرة للجدل

23/07/2025, 10:23:18
المصدر : قناة بلقيس - خاص

قبل عامين، وفي ذكرى المولد النبوي 1444هـ (27 سبتمبر 2023)، أعلن زعيم مليشيا الحوثي ما وصفه بـ"المرحلة الأولى للتغيير الجذري"، متعهّدًا بتشكيل حكومة كفاءات تُجسّد الشراكة الوطنية، وتُحدث نقلة نوعية في هيكلة مؤسسات الدولة عبر تحديث الآليات، وتصحيح السياسات، ومعالجة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة.

لكن بعد مرور عام، وتحديدًا قبيل المولد النبوي 1445هـ، كشفت المليشيا عن تشكيل "حكومة التغيير والبناء" برئاسة أحمد غالب الرهوي خلفًا لعبد العزيز بن حبتور.

إلا أن الإعلان لم يلبِ التوقعات، بل أثار موجة استياء واسعة، حتى في أوساط الجماعة نفسها، بعدما بدت الأسماء المعلنة امتدادًا للنمط البيروقراطي السابق ذاته، القائم على الولاء لا الكفاءة.

- خيبة مبكرة وتوجّه للمراجعة

بحسب مصادر خاصة لقناة "بلقيس"، شهدت أروقة المليشيا مشاورات داخلية لإجراء تعديل وزاري محدود بعد أشهر من إعلان الحكومة، شمل خمسة وزراء، بينهم وزير الخارجية والمغتربين جمال عامر، ووزير الكهرباء علي سيف حسن، ووزير المالية عبدالجبار الجرموزي.

لكن تلك التعديلات جُمّدت خشية الاعتراف الضمني بفشل خيارات زعيم الجماعة، لا سيما أن الوزراء الجدد، وجلّهم من خارج الوزارات التي تولوا قيادتها، أخفقوا في أول اختبار.

أشارت المصادر إلى أن جمال عامر كان من أوائل الأسماء المطروحة للتغيير، بعد نشوء خلاف ناجم عن إنهاء مهام المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية "الإسكمشا"، الذي كان يشرف على عمل المنظمات، قبل تحويله لوزارة الخارجية.

ولفتت المصادر إلى أن الخلاف تفاقم بين عامر والأمين العام السابق للإسكمشا، إبراهيم الحملي، الذي عُيّن نائبًا لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل، حول الجهة المختصة بالإشراف على عمل المنظمات.

كما أضافت المصادر أن عامر فشل في إقناع المنظمات بزيادة التمويل، رغم ما كان يدّعيه من علاقاته الواسعة مع المانحين والوعود التي قدمها للحوثيين إزاء ذلك قبل توليه المنصب.

- دمج مرتجل وشلل إداري

تزامن تشكيل الحكومة مع قرارات دمج واسعة للوزارات، بررها الحوثيون بالرغبة في تقليص الإنفاق، لكنها وفق مصادر مطلعة اتُّخذت بشكل مستعجل وغير مدروس، مما أدى إلى تعطل واضح في أداء عدد من مؤسسات الدولة، وتداخل في الصلاحيات، وتضرر مباشر لمصالح المواطنين.

وحسب المصادر، فإن أبرز الوزارات المتأثرة هي وزارة التربية والتعليم التي دُمجت مع التعليم العالي والفني والمهني، ووزارة الكهرباء مع المياه، ووزارة الأشغال مع النقل، والصناعة والتجارة مع الهيئة العامة للاستثمار.

واستعرضت المصادر لائحة وزارة الكهرباء التي أعيد دمجها مع المياه كما كانت سابقًا، لكن هذه المرَّة تم عمل لائحة أو هيكل إداري مختلف، تضمّنت إشراف الوزير على هيئة كهرباء الريف ومياه الريف التي تم دمجهما في هيئة واحدة، وتعيين وكيلين للوزارة أحدهما لقطاع المياه ويشرف على مؤسسة المياه، والآخر لقطاع الكهرباء ويشرف على المؤسسة العامة للكهرباء.

وأكدت مصادر مطلعة في مؤسسة الكهرباء أن قرار الدمج عمل على عرقلة المشاريع التي كانت المؤسسة تمضي بها، خصوصًا تلك التي كان يتم تنفيذها عبر كهرباء الريف؛ نظرًا لتوقف صرف المستحقات للهيئة، وتحويلها إلى المؤسسة التي تم استحداثها مؤخرًا تحت مسمى "المؤسسة العامة للصناعات الكهربائية والطاقة المتجددة:.

- طلاب بلا وثائق

في وزارة التربية، كشف مصدر مطلع لقناة "بلقيس" أن القرار أحدث ارتباكًا كبيرًا في إصدار وثائق الطلاب، حيث لم تُصدر شهادات العام الدراسي الماضي حتى الآن نتيجة الخلاف حول الصيغة الرسمية للوثائق بعد الدمج، باعتبار أن كلا منهم مؤسسة مستقلة بحد ذاتها.

وأشار المصدر إلى أن الوزارة أصبحت "شعبة" داخل كيان جديد يُسمى "وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي"، ما أدى إلى تضارب في المهام بين التربية والتعليم العالي والتعليم الفني، وانهيار واضح في منظومة العمل، حيث ترفض وزارة التربية إصدار الشهائد لطلاب المرحلتين الأساسية والثانوية باسم التعليم العالي، والجامعات ترفض إصدار الشهائد لخريجيها باسم وزارة "التربية والتعليم".

- دمج طائفي

مصدر آخر في وزارة التعليم العالي وصف قرارات الدمج بأنها "هيكلة طائفية" تستهدف إحكام سيطرة الجماعة على مفاصل المؤسسات التعليمية، وتحويلها إلى أدوات تخدم أيديولوجيتها على حساب الجودة والمهنية.

وأشار إلى أن الوزير المُعيّن، حسن الصعدي، يفتقر إلى الخلفية الأكاديمية المطلوبة، حيث كان يعمل مدرسًا عاديًا، في مخالفة صريحة للمعايير المعتمدة في الجامعات التي تشترط أن يكون وزير التعليم العالي أو رئيس الجامعة حاصلًا على درجة الدكتوراه.

كما أشار إلى أن الصعدي كان يشرف فعليًا على وزارات التعليم منذ سنوات، باعتباره عضوًا في المجلس السياسي للحوثيين ورئيسًا لدائرة التعليم والثقافة، ما يعكس طبيعة التعيين القائم على الولاء لا الكفاءة.

وأكدت المصادر أنه ورغم مرور عام على عملية التغيير الجذري إلا أن قرارات الدمج لم يتم استكمالها حتى الآن، نظرًا لوجود خلافات كبيرة بين الأجنحة الحوثية المسيطرة على قطاعات الوزارات من جهة، وصعوبة الدمج وتعقيداته ماليًا وإداريًا من جهة أخرى.

وهكذا بعد عام من الترويج لـ"التغيير الجذري"، بدت حكومة الحوثيين استمرارًا للنهج ذاته: تعيينات محاصصية، قرارات مرتجلة، وإخفاق إداري وشلل واسع في مؤسسات الدولة.

أما المواطن فلا يزال يدفع ثمن تلك الشعارات، بين شهادات مؤجلة، وخدمات مشلولة، ومؤسسات تبحث عن هويتها الجديدة وسط ركام الوعود المنهارة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.