تقارير

خريف المحور الإيراني.. هل ستحول السعودية دون إنهاء الانقلاب الحوثي في اليمن؟

07/12/2024, 08:55:46
المصدر : قناة بلقيس -عبد السلام قائد - خاص
بعد التطورات المتسارعة في لبنان وسوريا، يبدو المحور الإيراني في أسوأ حالاته، مما قد يؤثر على مجمل الصراعات التي تغذيها إيران في المنطقة، بما فيها الصراع في اليمن، مع أنه لم يكن من المطلوب الانتظار عشر سنوات لإنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة حتى تتهيأ الظروف الإقليمية المناسبة، فإنهاء الانقلاب الحوثي كان ممكنا بسلاسة في أول سنة من الحرب، وكان خريف المحور الإيراني سيبدأ من اليمن.
 
لكن حسابات التحالف السعودي الإماراتي أوقفت الانتصارات على الحوثيين في وقت وصل فيه الجيش الوطني إلى مشارف العاصمة صنعاء، وهي حسابات لا علاقة لها بالصراع مع إيران، وإنما أفرزتها مكائد الجيران ومؤامراتهم على اليمن، ولا يبدو أن تلك المكائد والمؤامرات ستتغير نتيجة التحولات التي يشهدها الإقليم اليوم، وكانت الذريعة الجاهزة لتضليل الشعب اليمني بشأن الحيلولة دون القضاء على الحوثيين هي الضغوط الدولية، وهي ضغوط لم يعرف الشعب اليمني مصدرها، ولم يسمع أي تصريحات لمسؤولين غربيين بشأنها، ولا حتى أي تسريبات تتعلق بها عبر وسائل إعلام عربية أو أجنبية.
 
ولنفترض أنه بالفعل كانت هناك ضغوط دولية تمارس سرا على التحالف السعودي الإماراتي تحول دون القضاء على الانقلاب الحوثي، إلا أنه كان بإمكان السعودية وحليفتها الإمارات العمل خلف الكواليس للتحايل على الضغوط الدولية ودعم السلطة الشرعية بالمال والسلاح، ومن الممكن نقل السلاح بسهولة للجيش الوطني مباشرة عبر الحدود اليمنية السعودية، وجعل المعركة تبدو أمام المجتمع الدولي معركة داخلية بين السلطة اليمنية الشرعية والانقلاب الحوثي. 
 
وفي كل الأحوال لن تتجرأ أي دولة على التدخل عسكريا إلى جانب الانقلابيين الحوثيين، حتى وإن كانت حريصة على بقائهم فاعلين في المشهد اليمني، والحقيقة هي أن التحالف السعودي الإماراتي هو من أوقف تقدم الجيش الوطني في عدد من الجبهات من خلال الهجمات الجوية التي يصفها بأنها "غارات خاطئة".
 
وإذا كانت هناك ظروف معينة حالت دون القضاء على الحوثيين سابقا، فما هو المبرر الآن إذا لم يتم استغلال ضعف المحور الإيراني، أو بالأصح استغلال الثغرات الإستراتيجية التي كشف عنها التصعيد الإقليمي والتطورات المتسارعة في لبنان وسوريا خلال الأيام الأخيرة، للقضاء على الانقلاب الحوثي، قبل حدوث متغيرات مفاجئة قد تعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر، ويصبح الوضع في اليمن أكثر تعقيدا مما هو عليه الآن؟
 
- هل إنهاء الانقلاب الحوثي ممكن؟
 
صحيح أن مليشيا الحوثيين لديها ترسانة من الأسلحة المتنوعة، وما زالت تحشد المزيد من المقاتلين في صفوفها لتعويض خسائرها في المعارك السابقة، لكنها لم تصل إلى مرحلة يمكن وصفها بأنها أصبحت قوة إقليمية مؤثرة، كما تروج بعض وسائل الإعلام الموالية للمحور الإيراني، فكل ما لدى المليشيا من أسلحة ستمكنها فقط من الإيذاء وإلحاق الأضرار بالخصوم وليس فرض واقع عسكري جديد على الأرض وتثبيته، بل فالحوثيون غير قادرين على تثبيت الوضع القائم والحفاظ على مكاسبهم في حال توحدت مكونات الصف الجمهوري وأعلنت الحرب للقضاء على الانقلاب الحوثي وحركت كل الجبهات باتجاه العاصمة صنعاء.
 
وفيما يتعلق بتأثير التحولات الإقليمية الراهنة على الوضع في اليمن، والمتمثلة في ضعف المحور الإيراني، فمن ناحية من المبكر الحكم على تلك التحولات بأنها ستخلق واقعا جديدا يدوم لمدة طويلة ويفرض معادلات جديدة في بيئة تتسم بالسيولة السياسية وعدم الاستقرار، ويمثل التدخل الأجنبي فيها عامل الحسم وخلط الأوراق كلما كادت تحدث متغيرات كبيرة. 
 
ومن ناحية ثانية فالوضع في اليمن محكوما بتوازنات مفروضة من الخارج لا علاقة لها بطبيعة الصراعات في الإقليم رغم ارتباطه الوثيق بها. وسواء استمر ضعف المحور الإيراني أو استعاد عافيته، فالحوثيون يظلون أضعف مكوناته، والقضاء عليهم أسهل من القضاء على أي عنصر من عناصر المحور الإيراني، للأسباب التالية:
 
أولا، الطوائف الشيعية في العراق وسوريا ولبنان نسبتها كبيرة قياسا بعدد السكان هناك، وجميع مقاتليها من الشيعة العقائديين المستعدين للقتال، على العكس من اليمن الذي يمثل فيه المكون الشيعي (أو الهاشمي) نسبة قليلة جدا من عدد السكان، ومعظم المقاتلين في صفوف الحوثيين هم من أبناء القبائل غير المؤدلجين، وعملية تجنيدهم تتم بالإكراه أو تحت ضغط الحاجة للمواد الغذائية أو الرواتب البسيطة، كما أنه ينقصهم التدريب، وهؤلاء لا يصنعون نصرا، وسيهرب معظمهم في حال اشتدت وتيرة المعارك. أما الأسر الهاشمية فقد انغمست طوال السنوات الماضية في نعيم الأموال المنهوبة والغنى الفاحش، وبالتالي فهي غير قادرة على مغادرة منطقة الراحة والنعيم والذهاب إلى جبهات القتال.
 
ثانيا، المليشيات الشيعية في العراق وسوريا ولبنان راكمت قوتها ونفوذها طوال عقود، وتتكىء على قواعد صلبة، ولها مناطق جغرافية مغلقة وحواضنها الاجتماعية التي نبتت منها، على العكس من مليشيا الحوثيين التي سيطرت على عدد من المحافظات دون أي معارك، وإنما تم تسليمها لها سلميا من جانب حليفها السابق علي صالح، الذي نفخ فيها الروح، وسلم لها إمكانيات الدولة ومؤسساتها وجيشها وأسلحتها، ولم يسبق أن انتصرت المليشيا الحوثية في أي معركة، سواء كانت هجومية أو دفاعية، باستثناء معركتها الخاطفة مع حليفها علي صالح بعد الخلافات بين الطرفين، وكان علي صالح قد بات مجردا من القوة تماما.
 
ثالثا، المليشيات الشيعية في لبنان وسوريا والعراق هي من تحمي نفسها من الانهيار بدعم من إيران، بينما في اليمن من حمى الحوثيين من الانهيار هو التحالف السعودي الإماراتي، الذي أوقف تقدم الجيش الوطني بعد أن سيطر على جبال نهم وكان على مشارف العاصمة صنعاء في أواخر العام 2016، وهو الذي أوقف معركة تحرير الحديدة بعد تراجع الحوثيين في عام 2018، وهو من هندس هدنة هشة في العام 2022 بعد خسارة الحوثيين في معركة مأرب وتراجعهم في جبهات حجة وشبوة وتعز وصعدة والبيضاء إثر معارك قصيرة وخاطفة حينها، وكان بالإمكان استغلال الانهيار المعنوي للحوثيين حينها والتقدم صوب العاصمة صنعاء، خاصة بعد انهيار الخطوط الأمامية للحوثيين، وعدم وجود خطوط خلفية صلبة.
 
رابعا، تعتمد مليشيا الحوثيين في هجماتها ضد السفن التجارية وغيرها في البحر الأحمر على خبراء من إيران وشيعة العراق وسوريا ولبنان، وهؤلاء الخبراء سيهربون إلى بلدانهم في حال اندلاع حرب شاملة ضد الحوثيين، بمعنى أن هؤلاء الخبراء يقدمون صورة مزيفة عن مدى قوة مليشيا الحوثيين، وهي مليشيا بدائية لا تتقن التكتيكات العسكرية أو استخدام الأسلحة الحديثة وخططها القتالية عشوائية، وحتى إذا كان لدى الحوثيين صواريخ وطائرات مسيرة متقدمة مهربة من إيران وتم تدريبها على طريقة إطلاقها، فإنها لن تمكنها من السيطرة على الأرض، وسيتضرر منها المدنيون فقط، ولا يمكن الاستفادة منها في حال التحام المقاتلين في الجبهات إلا في حالات محدودة.
 
وهكذا يتضح أن القضاء على مليشيا الحوثيين أسهل من القضاء على أي مليشيات شيعية في المنطقة، ويتطلب الأمر فقط توحيد الصفوف وتحريك كل الجبهات والإرادة والعزيمة والقرار السياسي والتخطيط العسكري السليم للمعركة، وأيضا تحريض الشعب بكل مكوناته وقبائله على الثورة ضد الحوثيين، بعيدا عن الإملاءات والحسابات الخارجية.
 
- ماذا عن الدور السعودي الآن؟
 
تدرك السعودية المتغيرات الإقليمية وضعف المحور الإيراني، بعد إضعاف حزب الله اللبناني، وسيطرة المعارضة السورية المسلحة على عدد من المدن الإستراتيجية هناك وتقدمها صوب العاصمة دمشق، وضعف رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي فقد الدعم الروسي بسبب انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا، كما فقد دعم حزب الله اللبناني الذي سحب معظم مقاتليه من سوريا خلال مواجهاته مع جيش الكيان الصهيوني في جنوب لبنان، كما أنه ليس بقدرة المليشيات الشيعية العراقية تغطية الفراغ الذي تركه حزب الله في سوريا.
 
فضلا عن ذلك، تبدو إيران ذليلة ومنكسرة بعد تعرضها لهجمات إسرائيلية مركزة، سواء على مواقع قواتها في سوريا أو على مواقع داخل أراضيها، بالإضافة إلى ضعف حلفائها في لبنان وسوريا، وعدم قدرتها على مساندتهم، خصوصا حزب الله، مما أحرجها أمام مختلف حلفائها. وبالرغم من أن طهران تأمل أن يكون الحوثيون البديل عن حزب الله اللبناني، لكنها لن تتدخل عسكريا إلى جانبهم في حال تعرضوا لهجمات عنيفة أو حرب شاملة، وستتخلى عنهم في اللحظات الصعبة كما تخلت من قبل عن حليفها المخلص حزب الله اللبناني.
 
وفي خضم هذه التطورات، بادرت السعودية إلى محاولة إحياء عملية السلام المتعثرة في اليمن، وعاودت التواصل مع قيادات مليشيا الحوثيين. ففي أواخر نوفمبر الماضي، قال القيادي الحوثي حسين العزي إن جماعته قطعت شوطا مهما في طريق السلام مع السعودية، وإن السعودية وجماعته أظهرتا تصميما مشتركا على إنجاز السلام. وجاءت تصريحات القيادي الحوثي بعد أيام من الاجتماع الثاني الذي عقدته اللجنة الثلاثية (السعودية - الصينية - الإيرانية) في الرياض لمتابعة اتفاق بكين، وأكدت اللجنة، في بيان، دعمها للحل السياسي الشامل في اليمن، بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دوليا تحت رعاية الأمم المتحدة.
 
وفي سياق الحراك السعودي بشأن السلام في اليمن، ذكرت مصادر إعلامية أن المتحدث باسم مليشيا الحوثيين ورئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، زار السعودية في نهاية نوفمبر الماضي، أي بالتزامن مع بدء المعارضة السورية عملياتها العسكرية ضد نظام بشار الأسد، ولم تعلن السعودية أو الحوثيون عن الزيارة أو النقاشات التي جرت خلالها، وتتزامن تلك الزيارة مع تجدد الحديث بشأن إعادة خارطة الطريق برعاية الأمم المتحدة إلى الواجهة بعد مدة من التوقف، بسبب هجمات مليشيا الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
 
أما الحوثيون، فمن الملاحظ أنهم يغيرون خطابهم السياسي والإعلامي الموجه نحو السعودية وفقا للمتغيرات المحلية أو الإقليمية، فمثلا قبل التطورات الأخيرة في لبنان وسوريا، كان الحوثيون يهددون بقصف السعودية بتهمة الانسياق وراء الأمريكان والصهاينة، لكن بعد انهيار حزب الله اللبناني، وعجز إيران عن الدفاع عن نفسها وعن حلفائها، ثم تقدم فصائل المعارضة المسلحة في سوريا، لوحظ أن الحوثيين بدؤوا بالتودد إلى السعودية، والحديث عن تقدم محادثاتهم معها، والسلام بين الجانبين.
 
- أهمية استثمار اللحظة الراهنة
 
تمثل اللحظة الراهنة فرصة ثمينة لاستثمار التطورات بسوريا في اليمن، قبل حدوث متغيرات ستنقلب معها المعادلات رأسا على عقب. فإذا افترضنا أن المعارضة المسلحة في سوريا تمكنت من السيطرة على كل أنحاء البلاد وأطاحت بنظام بشار الأسد، فربما تعاود روسيا وإيران والمليشيات الشيعية في العراق ولبنان التدخل عسكريا لاستعادة السيطرة على ما أمكن من الأراضي السورية ليحكمها بشار الأسد وطائفته، وهذا سيكون له تداعيات عكسية على الوضع في اليمن ما لم يتم استثمار اللحظة الراهنة وإنهاء الانقلاب الحوثي.
 
وإذا استعاد نظام بشار الأسد عافيته، وتمكن حزب الله اللبناني من تجاوز الصدمة وبناء نفسه من جديد، وتدفق السلاح الروسي والإيراني والمليشيات الشيعية إلى سوريا دعما لبشار الأسد، فإن المحور الإيراني بشكل عام سيخوض معارك عنيفة حتى يضمن السيطرة تماما في سوريا، وستكون حربا انتقامية شاملة سيتطاير شررها إلى اليمن، إذ قد تكثف إيران من دعمها للحوثيين بالمال والسلاح، وتزودهم بالخبراء العسكريين، وربما تنقل مليشيات لمساندتهم، لتفجير الوضع عسكريا، وتوسيع نطاق سيطرتهم، وتزويدهم بالسلاح باستمرار، حتى لا يتكرر السيناريو السوري اليوم لاحقا ضد أي مكون من مكونات المحور الإيراني.
 
وفي حال سقوط نظام بشار الأسد، وبقاء مليشيا الحوثيين طرفا فاعلا في اليمن، فإن الدعم الإيراني سيتركز بكامله لمليشيا الحوثيين، ففي سوريا لن يكون هناك طرف موالٍ لإيران لدعمه، وخطوط دعم حزب الله اللبناني ستكون مقطوعة، وهناك جفاء حاليا بين إيران وحلفائها في العراق، ولم يبق سوى مليشيا الحوثيين التي ستركز إيران على دعمها ما لم يتم استثمار الظرف الراهن والقضاء عليها. وفي حال لم يتم إنهاء الانقلاب الحوثي حاليا واستعادة الدولة، فإن ذلك سيكون أكثر تعقيدا وكلفة في المستقبل.
تقارير

في ظل الأحداث التي شهدتها المنطقة.. ما مستقبل ميليشيا الحوثي في اليمن؟

ظلت ميليشيا الحوثي في قلب التحولات التي شهدتها المنطقة، لكنها استطاعت أن تحتفظ بنوع من الخصوصية المحلية اللازمة، وتفاعلاتها الإقليمية، وعلى عكس توقعات الكثيرين، خلال الحرب الإسرائيلية الإيرانية، حافظت الميليشيا الانقلابية المدعومة من طهران على نسقها العملياتي، ولم تصعّد كثيرًا من دعمها لإيران.

تقارير

صراع جديد داخل مجلس القيادة الرئاسي.. هل يعكس الفشل في أداء الأعضاء؟

تغرق اليمن في أزماتها المعقدة، فتتجه الأنظار مجددا نحو مجلس القيادة الرئاسي؛ الكيان الذي تشكل في أبريل 2022، على أمل توحيد السلطة التنفيذية، وإنهاء حالة التشظي السياسي، وإخراج اليمنيين من حالة التيه.

تقارير

تحولات الصراع الإقليمي.. اليمن الحاضر الغائب

حتى عشية اندلاع الحرب الخاطفة بين إيران والكيان الإسرائيلي، كان الانطباع السائد بأنه في حال اندلاع المواجهات سيتحول الأمر إلى حرب إقليمية شاملة، إذ ستعمد طهران إلى تحريك أذرعها في المنطقة، وستغلق مضيق هرمز، وتُوجه الحوثيين بإغلاق مضيق باب المندب، وتهاجم القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج في حال تدخلت واشنطن إلى جانب الكيان الصهيوني، وأن أمد الحرب سيطول إلى أقصى مدة زمنية ممكنة، وستنتهي الحرب بانهيار إيران ومن بقي من وكلائها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.