تقارير

رصاصة سعودية على الحدود.. مهاجر إثيوبي ينجو من الموت

17/05/2025, 08:56:10
المصدر : خاص - محمد حفيظ

على "قارب الموت"، يتنقّل آلاف المهاجرين الأفارقة عبر الطريق الشرقي نحو اليمن، هربًا من ضيق المعيشة والحروب، وبحثًا عن حياة أفضل في دول الخليج، حيث تختزل أحلامهم في فرصة عمل قد تُغيِّر واقعهم.

يخوضون مغامرة محفوفة بالمخاطر، ويعلمون أن الحظ لا يحالف سوى القليل منهم، فيما يدفع البقية حياتهم ثمنًا لتلك الأحلام.

وفي الطريق، لا يتردد سماسرة التهريب وتُجار البشر في استغلالهم؛ بحثًا عن المال، ولو على حساب أرواحهم.

المهاجر رمضان يوسف (25 عامًا) قدم من إثيوبيا، التي غادرها منذ أكثر من ستة أشهر، إلى مدينة عدن، ثم انطلق منها ماشيًا بقدمين حافيتين إلى مأرب، ومنها ركب مع مجموعة من المهاجرين في مركبات تهريب تسلك طرقًا وعرة ليلًا نحو محافظة صعدة.

التقى بالمهاجرين في مناطق جبلية نائية، وهناك تعرَّضوا للنّهب على أيدي جماعة الحوثي، حيث صادرت منهم المال والطعام، وحتى الأحذية، ثم أرشدتهم نحو الطريق المؤدي إلى الحدود السعودية -حسب قوله.

- الممر الأخير

يقول رمضان لـ"بلقيس نت" إن المهربين أوصلوهم إلى منطقة "القَهر"، التابعة لمديرية "باقم" الحدودية بمحافظة صعدة.

وأضاف: "ومن هناك، مشينا قرابة أربع ساعات ليلًا، برفقة ستة مهاجرين آخرين، فيما بقي الآخرون بانتظار دورهم".

وتابع: "مع بزوغ الفجر، عبرنا الحدود السعودية، وقبل أن نخطو خطواتنا الأولى داخل المملكة، استقبلتنا نيران الشرطة السعودية".

وزاد: "أُصبت برصاصة في ساقي وسقطت أرضًا، فيما قُتل ثلاثة من رفاقي، وأُصيب اثنان آخران".

لم تكتفِ القوات السعودية بإطلاق النار، بل انسحبت بعد التأكد من سقوط المجموعة على الأرض، دون تقديم أي إسعاف، أو حتى محاولة نقلهم. لكن مهاجرين آخرين، كانوا ينتظرون دورهم في الدّخول من الطرف اليمني للحدود، سمعوا أصوات الرّصاص وصراخ المصابين، فسارعوا لإنقاذهم، بحسب رمضان.

يقول رمضان: "جاءوا إلينا بعد أن سمعوا الصراخ، حملوني مع المصابين، ونقلونا إلى مركز صحي في منطقة القَهر".

يسترجع رمضان اللحظات الصعبة بصوت هادئ مليء بالألم: "بقيت في المركز الصحي 17 يومًا، دون علاج فعّال، كانوا فقط يربطون الجرح ويأخذون مبالغ مالية مقابل بقائي هناك".

وأضاف: "كنت أعاني من ألم شديد، لا أستطيع الحركة، فيما أصدقائي دفعوا تكاليفي حتى غادروا إلى المملكة، وبعدها لم يعد لدي مال، فاضطررت للمغادرة رغم الآلام والجراح الدامية".

- عكازة للنجاة

بمساعدة صديق له، وعكاز اشتراه بـ300 ريال سعودي، غادر رمضان منطقة القَهر، متنقلاً مشيًا على الأقدام وعلى متن مركبات عابرة، حتى وصل إلى مأرب، حيث يعيش اليوم عاجزًا عن العمل، لا يستطيع السير لمسافات طويلة، ولا يملك تكاليف العملية الجراحية اللازمة لاستخراج الرّصاصة من ساقه.



يقول بنبرة حزينة: "أريد فقط العودة إلى عدن، ومن هناك إلى بلدي، لأتلقى العلاج.. لم أعد أحتمل هذا الألم".

سامي، مهاجر إثيوبي كان برفقة رمضان، يتحدث لـموقع "بلقيس" عن لحظة إنقاذه بعد إصابته بالرّصاص على الحدود: "وصلنا إليه وكان فاقد الوعي والدماء تسيل من ساقيه، ربطنا جراحه بأقمشة، وأوقفنا النزيف، ثم حملناه على أكتافنا إلى المركز الصحي، ولم يُفق إلا منتصف اليوم التالي".

ويضيف سامي، هو ورفاقه من المهاجرين الذين هرعوا لإنقاذ المصابين، أنهم دفنوا ثلاث جثث كانت قد قُتلت في موقع الحادث؛ لأنه لا يمكنهم نقلها، وقد اعتادوا على دفن من مات أو قُتل من رفاقهم المهاجرين في أماكن وقوعهم، ثم إبلاغ أسرهم بوفاتهم.

ورغم ما حدث، لا تزال قوافل المهاجرين تصل كل يوم بالعشرات، يعبرون الطريق نفسه، غير مبالين بما قد ينتظرهم -بحسب سامي.

- لا دواء

يقول رمضان -بحسرة- إنه لم يجد مستشفى يتبنَّى إجراء عملية إخراج الرّصاصة من ساقه مجانًا، وجميعها تطالب بمبالغ مالية عالية، وهو غير قادر على العمل لتوفير التكاليف، كما أنه غير قادر على توفير تكاليف التنقُّل من مأرب إلى عدن للعودة إلى دياره في إثيوبيا -على حد وصفه.

في مأرب، حيث تنشط شبكات التهريب دون رقيب، لا يزال المهرّبون يستغلون حاجة المهاجرين، ينقلونهم في رحلات محفوفة بالموت، دون أي تدخل من السلطات، أو رادع يوقف هذه التجارة القاتلة.

تقول مصفوفة "تتبُّع النزوح" التابعة للمنظمة الدولية للهجرة إن 37 ألفا و166 مهاجرًا دخلوا اليمن في الربع الأول من عام 2025، مقارنة بـ44 ألفا و834 في الرُّبع السابِق. ومع حلول منتصف عام 2023، تجاوز عدد المهاجرين الذين عبروا خليج عدن إلى اليمن 77 ألفًا، معظمهم من إثيوبيا.

- حرمان شديد

تقول منظمة الهجرة الدولية لـ"بلقيس نت" إن المهاجرين في اليمن يعانون من حرمان شديد، مع محدودية فرص الحصول على الغذاء، والرِّعاية الصحية، والمأوى الآمن، فيما يضطر الكثيرون إلى العيش في مساكن مؤقتة، أو النوم في الشوارع، واللجوء إلى التسوُّل من أجل البقاء.

وأشارت، في ردها على إيميل القناة، إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عُرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

ولفتت المنظمة إلى أن رحلة الهجرة إلى اليمن تشكّل مخاطر إضافية، إذ يقع العديد من المهاجرين ضحايا للمهرِّبين الذين يعِدونهم بالمرور الآمن، لكنهم غالبًا ما يعرِّضونهم لمخاطر جسيمة.

وتستمر هذه المخاطر حتى لمن يحاولون مغادرة اليمن، حيث إنه، خلال أكتوبر وحده، خاض أكثر من 1900 مهاجر رحلات محفوفة بالمخاطر عائدين إلى أوطانهم في منطقة القرن الإفريقي، أو رُحِّلوا بالقوارب.

ووفقًا لمشروع "المهاجرين المفقودين" التابع للمنظمة الدولية للهجرة، سُجّلت 462 حالة وفاة واختفاء -على الأقل- لمهاجرين أثناء عبورهم البحر بين جيبوتي واليمن حتى الآن هذا العام، كما سُجّلت 90 حالة وفاة أخرى لمهاجرين على طول الطريق الشرقي في عام 2024، مع احتمال بقاء أعداد أكبر بكثير في عداد المفقودين غير الموثّقين.

ورغم هذه الشهادات، لا تزال طُرق الموت مفتوحة، ولا تزال الأرواح تُزهق بصمت. وبينما يحلم المهاجرون بحياة كريمة، يجدون أنفسهم ضحايا على أرصفة القهر، في طريق لا يؤدي سوى إلى الجراح والخيبة.

تقارير

احتراف التسول.. ظاهرة متفاقمة وأسباب متعددة

في مشهدٍ يتكرر يوميًا في شوارع مدينة تعز، تتعالى أصوات بعض النساء، وهن يصرخن ويستنجدن بالمارّة، بينما يجلس أطفال صغار على بطانيات مهترئة مفروشة على الأرصفة، بأجساد هزيلة وملابس ممزّقة، في محاولةٍ صارخة لاستدرار العطف.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.