تقارير
سرطان الثدي في اليمن: أرقام تكشف المأساة وضرورة الرعاية المبكرة
في مدينة تعز، حيث تكتظ المستشفيات بالمرضى، وتحديداً في مركز الأمل لعلاج السرطان، تخوض نساء كثيرات معركة قاسية ضد سرطان الثدي.
بين ضيق الإمكانيات وثقل الألم، تبرز قصتا "ياسمين" و"سارة" كرمز للأمل والإصرار على الحياة.
اكتشفت ياسمين، وهي موظفة في قسم الأورام، إصابتها بالصدفة أثناء فحص روتيني بجهاز الماموغرام.
تقول ياسمين لقناة "بلقيس": "لاحظت الطبيبة تغيراً في الثدي الأيسر، وبعد الخزعة تأكد وجود الورم".
تضيف ياسمين: خضعت لعملية جراحية تلتها جلسات علاج إشعاعي، وأتابع اليوم تناول دواء تاموكسيفين في محاولة للتعايش مع القلق الذي يرافق كل مراجعة طبية.
وفي زاوية مقابلة، تقف سارة لمواجهة ذات المعاناة، حيث بدأت رحلتها مع المرض بفحص ذاتي بسيط لاحظت خلاله كتلة صغيرة في ثديها الأيسر.
تقول سارة لقناة "بلقيس": بعد التشخيص، سافرت إلى صنعاء لإجراء عملية استئصال للثدي، تلتها جلسات علاج كيماوي وإشعاعي، وحقن شهرية لمدة أربع سنوات، وحبوب هرمونية لخمس سنوات أخرى.
تؤكد سارة أن "رغم قسوة العلاج، فإن الإيمان والدعم العائلي منحاني القوة للاستمرار".
ياسمين وسارة قصتان تختصران وجع آلاف النساء اليمنيات اللواتي يواجهن المرض بإمكانات محدودة، ويثبتن أن الكشف المبكر والدعم النفسي والإرادة يمكن أن تصنع فارقاً حقيقياً في معركة الحياة.
- أرقام تكشف المأساة
تكشف إحصائيات مركز الأمل لعلاج الأورام بتعز عن مؤشرات مقلقة، إذ بلغ عدد الحالات المسجلة منذ تأسيسه عام 2008 وحتى أغسطس 2025 نحو 14,766 إصابة بالسرطان، من بينها 2,254 إصابة بسرطان الثدي، ليبقى هذا النوع الأكثر شيوعاً بين النساء في المحافظة.
وحسب مديرة الإعلام بوحدة الأمل امتياز الزبير في تصريح لقناة "بلقيس"، فقد استقبل المركز خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025 نحو 1,269 حالة إصابة جديدة، بينها 198 إصابة بسرطان الثدي.
وأضافت أن عدد حالات التردد خلال الفترة نفسها تجاوز 57,603 حالة، ونفذ أكثر من 4,652 فحصاً للكشف المبكر، وبلغ إجمالي الخدمات الطبية والعلاجية 248,965 خدمة.
وأكدت الزبير أن إحصائيات المركز توضح منحنى تصاعدياً للإصابة بسرطان الثدي، إذ ارتفع من 44 حالة فقط في 2008 إلى 237 حالة في 2024، ثم 198 حالة حتى أغسطس 2025، ما يؤكد اتساع نطاق المرض عاماً بعد آخر.
أما على صعيد المحافظات، فتتصدر تعز القائمة بـ1,943 إصابة، تليها إب (147 حالة)، ثم الحديدة (44 حالة) ولحج (64 حالة)، فيما تتوزع بقية الحالات على محافظات أخرى بنسب أقل.
وتؤكد هذه الأرقام الحاجة الماسة إلى تكثيف حملات التوعية والتشخيص المبكر، باعتبارهما خط الدفاع الأول في مواجهة المرض وتقليل الوفيات المرتبطة به.
- مديرية المظفر
وتشير الإحصاءات الصادرة من مؤسسة السرطان بتعز إلى تسجيل 1,943 حالة إصابة بسرطان الثدي في مديريات محافظة تعز، مع تفاوت واضح بين المديريات من حيث عدد الحالات.
وحسب الإحصائية التي حصلت قناة "بلقيس" على نسخة منها، فقد تصدرت مديرية المظفر القائمة بعدد 281 حالة، تليها مديرية القاهرة بـ256 حالة، ثم صالة بـ146 حالة، والتعزية 143 حالة، ما يوضح تركيزاً مرتفعاً للإصابات في هذه المناطق.
بينما سجلت مديريات مثل جبل حبشي (95)، صبر الموادم (120)، وشرعب الرونة (91) أعداداً معتدلة، وتشير هذه الأرقام إلى الحاجة لمتابعة دقيقة وتكثيف برامج الكشف المبكر والخدمات الصحية في هذه المديريات.
مديريات أخرى مثل ماوية (47)، حيفان (44)، سامع (25)، وباب المندب (3) سجلت أعداداً أقل، ما قد يعكس قلة السكان أو محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية أو التسجيل.
وتوضح هذه الإحصائية أهمية توزيع الخدمات الطبية بشكل متوازن، مع التركيز على المديريات ذات الإصابات الأعلى لتعزيز برامج التوعية والفحص المبكر وتقديم الدعم اللازم للمرضى.
- خدمات إنسانية متكاملة
وتسعى وحدة علاج الأورام، بالتعاون مع المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بتعز، إلى تقديم رعاية شاملة للمرضى من خلال الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية رغم الصعوبات التي تعانيها.
وفي هذا الصدد، تؤكد مديرة المؤسسة الوطنية بتعز أروى الأغبري لقناة "بلقيس" أن الخدمات التي تقدمها المؤسسة الوطنية كثيرة، منها آلية الكشف المبكر التي تقام عبر الحملات التوعوية في المدارس والجامعات والأرياف.
وأضافت أن المؤسسة تقيم عيادة مجانية للفحص عبر جهاز فحص الثدي في شهر أكتوبر لفحص النساء بشكل مبكر، وفي حالة تم اكتشاف الحالة، يستقبلها مركز الأمل التابع للمؤسسة لعمل العلاج والتشخيص وفق الخطوات التي يحددها الأطباء.
وأشارت إلى أن الخدمات تشمل المعاينات والفحوصات الطبية وتقديم الأدوية الكيماوية والمرافقة واستقبال الحالات للتنويم وإجراء الفحوصات المقطعية والتلفزيونية.
وتابعت أن المؤسسة تولي اهتماماً خاصاً بالدعم النفسي والاجتماعي عبر جلسات المساندة النفسية وتقديم المساعدات المالية والعينية للمرضى وأسرهم، إضافة إلى تنفيذ حملات توعية وتثقيف صحي لتعزيز الوعي بأهمية الكشف المبكر والوقاية من السرطان.
- تأخر الكشف المبكر
ويرى الدكتور أمين المزاحم، أخصائي أورام صلبة في مركز الأمل لعلاج الأورام بتعز، أن الأسباب الرئيسية لانتشار سرطان الثدي في اليمن تعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة.
وأكد الدكتور أمين المزاحم لقناة "بلقيس" أن هذه العوامل والأسباب المتداخلة أبرزها ضعف الوعي الصحي وتأخر الكشف المبكر بسبب غياب برامج الفحص المنتظمة.
وأضاف مزاحم أن العوامل الوراثية والتغيرات في أنماط الحياة مثل قلة النشاط البدني والسمنة والنظام الغذائي غير المتوازن تقف وراء انتشار هذا المرض.
واستعرض الآثار التي خلفتها الحرب كأحد الأسباب لانتشار السرطان، مؤكداً أن الظروف الاقتصادية والوضع الصحي العام في اليمن يحدان من قدرة النساء على الوصول إلى خدمات التشخيص والعلاج في الوقت المناسب.
- أكتوبر الوردي
وأعلن مركز الأمل لعلاج الأورام بتعز تسجيل 198 إصابة جديدة بسرطان الثدي منذ مطلع العام الجاري، ضمن 1,269 إصابة جديدة بالسرطان خلال الفترة ذاتها.
وأكد المركز في بيان وصل قناة "بلقيس" نسخة منه أن سرطان الثدي ما يزال يحتل الصدارة محلياً وعالمياً، مشيراً إلى أن منظمة الصحة العالمية تسجل أكثر من 2.3 مليون إصابة جديدة سنوياً حول العالم.
وفي إطار حملة أكتوبر الوردي، دعت المؤسسة جميع وسائل الإعلام والمجتمع المدني للمشاركة الفاعلة في تعزيز الوعي الصحي وتشجيع النساء على الفحص المبكر الذي يرفع فرص التعافي إلى أكثر من 90%.
كما أعلنت عن افتتاح العيادة الوردية المجانية طوال شهر أكتوبر لاستقبال النساء من مختلف الأعمار لإجراء الفحوصات بإشراف كادر طبي متخصص في مبنى التضامن الدور السابع بمدينة تعز.
وبين البيانات التي تسجل أرقاماً متصاعدة والنساء اللاتي تحكي قصص صبر وإصرار، يبقى أكتوبر الوردي دعوة للحياة، ورسالة بأن الكشف المبكر والدعم النفسي والتكافل المجتمعي قادرة على إنقاذ الأرواح في بلد أنهكته الحرب وأتعبه الألم.