تقارير
مليشيا الحوثي توسع حربها على الجامعات .. حملة ممنهجة لتدمير التعليم وتحويله إلى أداة تعبئة طائفية
تواصل مليشيا الحوثي فرض قبضتها على مؤسسات التعليم العالي في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ الجامعات من محتواها العلمي وتحويلها إلى منصات دعائية تكرّس الفكر الطائفي، وتخدم أجندتها العسكرية والسياسية.
وبحسب مصادر أكاديمية، فإن الجامعات الحكومية والأهلية باتت تعيش أسوأ مراحلها منذ انقلاب الجماعة على الدولة، حيث تتعرض إداراتها وأكاديميوها وموظفوها لحملات ممنهجة من القمع والإقصاء والاستبدال، في إطار خطة تهدف إلى السيطرة الكاملة على قطاع التعليم العالي، وتغيير هويته الوطنية لصالح مشروع الجماعة الأيديولوجي.
انتهاكات متصاعدة في جامعة إب
في محافظة إب، صعّدت المليشيا خلال الأشهر الأخيرة من استهدافها للجامعة وأكد أكاديميون أن القيادي الحوثي نصر الحجيلي، المعيّن من الجماعة رئيساً للجامعة، يمارس ضغوطاً ممنهجة ضد الكادر الأكاديمي والموظفين، من خلال الاقتحامات المتكررة للكليات والأقسام، وإهانة الأساتذة، وتوجيه تهم “العمالة والخيانة” لأي شخص يرفض المشاركة في أنشطة المليشيا التعبوية.
وأشار عدد من الأساتذة إلى أن الحجيلي عيّن شبكة من المخبرين داخل الجامعة لمراقبة تحركات العاملين والطلاب، بهدف تصنيفهم وإعداد تقارير أمنية ضد المعارضين. كما أقدم على مصادرة المستحقات المالية للكثير من الأكاديميين الذين رفضوا حضور الدورات الطائفية التي تفرضها المليشيا على جميع مؤسسات الدولة.
وأكد أحد أساتذة الجامعة أن هذه الممارسات دفعت عدداً من الكفاءات الأكاديمية إلى مغادرة المحافظة أو التوقف عن التدريس بشكل كامل، محذراً من أن استمرار هذا الوضع يعني انهيار العملية التعليمية وفقدان الجامعة لأبرز أساتذتها.
ويشير عاملون إلى أن الضغط المعيشي وانقطاع الرواتب منذ سنوات جعلا الأكاديميين في مواجهة خيارات قاسية بين الانصياع للأوامر الحوثية أو التعرض للفصل والاعتقال. ومع ذلك، لا يزال كثيرون يتمسكون برفضهم المشاركة في ما يسمونه “التعبئة الفكرية”، ويطالبون بوقف الانتهاكات وإطلاق حقوقهم المالية المتراكمة.
قرارات تعسفية
وفي العاصمة صنعاء، لم تكن جامعة العلوم والتكنولوجيا، كبرى الجامعات الأهلية في اليمن، بمنأى عن القبضة الحوثية. فمنذ أن استولت الجماعة على إدارتها مطلع عام 2020، وهي تتعرض لسلسلة من القرارات والإجراءات التي تهدف إلى إخضاعها كلياً لسيطرة الجماعة.
وخلال الشهر الجاري، أصدرت إدارة الجامعة المعيّنة من الحوثيين قراراً بخصم 15 في المائة من رواتب الموظفين وتخفيض ساعات العمل، دون أي مبررات مالية أو إدارية واضحة.
وقال موظفون في الجامعة إن القرار شكّل صدمة جديدة لهم، خصوصاً في ظل الظروف المعيشية القاسية التي يعيشونها، بعد سنوات من مصادرة حقوقهم المالية وحرمانهم من الحوافز والمكافآت.
واتهم العاملون في الجامعة القيادي الحوثي القاسم محمد عباس شرف الدين، الذي يترأس الجامعة حالياً، بانتهاج سياسة “العقاب الجماعي”، من خلال التضييق المالي والنفسي على العاملين، وتهديد المعارضين بالفصل أو الإحالة للتحقيق.
كما أكدت المصادر أن الجماعة أحلت عشرات الموالين لها في المناصب الإدارية والأكاديمية، في حين تم فصل عدد من الأساتذة بحجج واهية، أو إجبارهم على الاستقالة بعد مضايقات متكررة.
سيطرة مالية وأمنية كاملة
وتفرض الجماعة سيطرتها على جامعة العلوم والتكنولوجيا عبر ما يسمى “الحارس القضائي”، الذي يدير أصول الجامعة وممتلكاتها ومواردها المالية بشكل مباشر، في ظل غياب أي رقابة أو مساءلة.
ووفق مصادر في الجامعة، فإن هذه السيطرة تحولت إلى وسيلة لتمويل الأنشطة العسكرية والإعلامية للمليشيا، حيث يتم تحويل جزء من عائدات الجامعة إلى صناديق تابعة للحوثيين، تحت مبررات “دعم الجبهات” أو “إحياء المناسبات الدينية”.
كما لجأت الجماعة إلى تغيير المناهج الدراسية في عدد من الكليات الخاصة والحكومية، وإدخال مواد ذات طابع مذهبي تخدم فكرها السياسي، الأمر الذي أثار مخاوف أكاديميين من خطورة هذا التوجه على هوية التعليم الجامعي في اليمن ومستقبله.
تدمير ممنهج
ويرى مراقبون أن ما يجري في الجامعات اليمنية يمثل استراتيجية حوثية متكاملة لتفكيك مؤسسات الدولة وإعادة تشكيلها وفق نموذج طائفي شبيه بالنظام الإيراني، بحيث تصبح الجامعات مراكز إنتاج للفكر الحوثي، بدلاً من كونها مؤسسات علمية محايدة.
ويؤكد باحثون تربويون أن استمرار هذه الانتهاكات، في ظل صمت رسمي محلي ودولي، يهدد بإفقاد الأجيال القادمة أي فرصة للحصول على تعليم أكاديمي حقيقي، ويقود إلى هجرة جماعية للعقول اليمنية نحو الخارج.
كما يحذرون من أن الحوثيين يسعون من خلال سيطرتهم على التعليم العالي إلى تجنيد طلاب الجامعات فكرياً وعسكرياً، واستخدامهم كأدوات في خدمة مشروعهم المسلح، ما يعمّق من حالة الانقسام المجتمعي، ويقضي على أي إمكانية لبناء دولة مدنية حديثة.
مطالبات بالتحرك
في المقابل، دعا أكاديميون ونقابيون من داخل مناطق سيطرة الجماعة المنظمات الدولية واليونسكو والاتحاد الدولي للجامعات إلى التدخل العاجل لحماية الكوادر التعليمية، ووقف الانتهاكات بحق الجامعات اليمنية، ومساءلة قيادة الجماعة عن جرائمها بحق التعليم.
كما ناشدوا وزارة التعليم العالي في الحكومة الشرعية إلى تبني خطة طارئة لإسناد الأكاديميين في المحافظات المحررة، وتأسيس بدائل تعليمية رقمية ومراكز بحثية في الخارج تحفظ استمرارية التعليم الجامعي اليمني، وتمنع الجماعة من احتكاره بالكامل.
ويؤكد مراقبون أن المعركة ضد الحوثيين لم تعد عسكرية فقط، بل هي معركة هوية ووعي، تدور رحاها داخل المدارس والجامعات. فالسيطرة على التعليم، كما يقول أحد الأكاديميين، “هي الطريق الأقصر لزرع أجيال تؤمن بفكر السلاح وتقدّس القائد، بدلاً من أن تحلم بمستقبل وطن حرّ ودولة مدنية”.