تقارير
عائلات عاملي الإغاثة اليمنيين المختطفين لدى مليشيا الحوثي تشعر باليأس بشأن مصيرهم
تحوّل فرح عائلة أحمد اليمني باحتفالهم بزفاف ابنته إلى رعب في اليوم التالي، عندما داهمت قوات مقنّعة منزلهم في صنعاء، العاصمة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، واعتقلته.
لم تسمع العائلة عنه شيئًا لعدة أشهر. ويشتبه أفرادها في أن جريمته الوحيدة كانت عمله لدى منظمات إنسانية محلية.
اليمني واحد من عشرات العاملين اليمنيين لدى مجموعات إغاثية ووكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية الذين احتجزتهم مليشيا الحوثي منذ العام الماضي في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرتها. وقد شملت الحملة مداهمة منازل ومكاتب، وترويع عائلات، ومصادرة هواتف ذكية وأجهزة كمبيوتر ووثائق.
وعلى الرغم من إطلاق سراح بعض موظفي الأمم المتحدة، لا يزال معظم العاملين في الإغاثة محتجزين منذ أشهر من دون توجيه تهم رسمية أو محاكمات. وتدعي مليشيا الحوثي أنهم جواسيس للغرب وإسرائيل، وهو ما تنفيه عائلاتهم.
مداهمة منزل العائلة
اقتحم مسلحو مليشيا الحوثي منزل اليمني في 6 يونيو 2024 بينما كانت العائلة نائمة، وألقوا القبض على الرجل البالغ من العمر 52 عامًا. ووجهوا أسلحتهم نحو أفراد العائلة، بمن فيهم ابنه الأصغر عبدالرحمن. وخرّبوا المنزل وصادروا جميع وثائقهم، بما في ذلك صك المنزل، بحسب ابنه الأكبر. وخلال التفتيش، كانت زوجة اليماني ووالدته محتجزتان في غرفة منفصلة تحت حراسة خمس عناصر نسائية من الحوثيين.
وقال خالد اليمني، 28 عامًا، الابن الأكبر، في اتصال هاتفي من فرنسا حيث يعيش الآن، إن مسلحي الحوثي غادروا المنزل ومعهم والده داخل مركبة مدرعة، كما أخذوا سيارته.
وبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، بدأت المداهمات في نهاية مايو 2024 واعتُقل خلالها عشرات من العاملين في مجال الإغاثة. ولم تُبلَّغ عائلاتهم بمكان وجودهم لعدة أشهر ولم يُسمح لهم بالتواصل معهم، الأمر الذي يرقى إلى "الاختفاء القسري".
الاعتقالات تترك آثارًا مؤلمة
كما اعتُقل الدكتور علي المضواحي، 56 عامًا، وهو مستشار للصحة العامة لدى اليونيسف، في يونيو 2024. داهم الحوثيون مكتبه واستجوبوه وزملاءه لساعات، ثم عصبوا عينيه واقتادوه بعيدًا.
وبعد ثمانية أشهر، اتصل بعائلته لأول مرة، وفقًا لزوجته صفية محمد. وحتى اليوم، لا تعرف هي وابنتهما البالغة من العمر 12 عامًا مكان احتجازه.
ومنذ تلك المكالمة الأولى، تتلقى العائلة اتصالًا كل شهر أو شهرين لا يستغرق سوى بضع دقائق.
وقالت صفية محمد عبر الهاتف: "في آخر ثلاث مكالمات، كان صوته مرهقًا. بإمكاني أن أشعر أنه ليس بخير."
كما قال طبيب من صنعاء لـ "أسوشيتد برس" إن شقيقه الذي كان يعمل مع اليونسكو اعتقل العام الماضي، وكذلك أحد أقاربه الذي يعمل مع وكالة أممية أخرى، وجرى اعتقاله في سبتمبر.
وكانت مليشيا الحوثي قد استدعت القريب للتحقيق عدة مرات قبل أن يختفي يومًا ما دون عودة، وفق ما قال الطبيب الذي يعيش في الخارج متحفظًا على ذكر اسمه خوفًا على سلامة عائلته.
أما بالنسبة لشقيقه، فقال إن العائلة أصبحت قادرة على الاتصال به كل بضعة أشهر ولكن لمدة لا تتجاوز عشر دقائق.
عائلات أصبحت "أشباحًا"
منذ اعتقال اليمني، تمكنت العائلة من رؤيته مرة واحدة، في 16 أغسطس. تلقّوا تعليمات من الحوثيين للحضور إلى نقطة معينة، ثم نُقلوا بحافلة نوافذها معتمة إلى مكان مجهول.
وعندما توقفت الحافلة، أُحضر اليمني وتمكنت زوجته ووالدته وابنه عبدالرحمن من التحدث معه لفترة قصيرة. وبحسب العائلة، بدا هزيلًا وقد فقد الكثير من وزنه، وفقًا لما قاله خالد اليمني، مضيفًا أنه تحدث مع والده ثلاث مرات منذ اعتقاله.
شعور الألم لدى العائلات بسبب احتجاز أحبّتهم جعل الكثير منهم يشعرون بالخدر.
وقال الطبيب من صنعاء: "نحن أشباح لأشخاص."
أما صفية محمد، فتقول إنها تخبر ابنتها بأن والدها في "مهام عمل"، وهو شيء اعتادت عليه الطفلة سابقًا.
وتضيف صفية محمد: "لقد أخذوا رب أسرتي. أخذوا معيلنا الوحيد. أحاول إخفاء ألمي عن ابنتي ولكن… أنا قلقة."
حملة عسكرية تزيد المخاوف
ازدادت مخاوف العائلات عندما شنت الولايات المتحدة وإسرائيل حملة جوية وبحرية ضد الحوثيين ردًا على هجمات المتمردين الصاروخية وبالطائرات المسيّرة على إسرائيل والسفن في البحر الأحمر. ويزعم الحوثيون أن أعمالهم جاءت تضامنًا مع الفلسطينيين بسبب الحرب في غزة.
ومع ضربات إسرائيل لمناطق سكنية ومواقع عسكرية حوثية ومرافق احتجاز في صنعاء والحديدة، خشي الأهالي أن يكون أحباؤهم محتجزين في أي من تلك المواقع.
وقال حزام الأسد من المكتب السياسي لمليشيا الحوثي "إن المحتجزين، بمن فيهم العاملون مع المنظمات الدولية والجمعيات غير الربحية، متورطون في التجسس وتزويد إسرائيل بإحداثيات ومعلومات حول أهداف محتملة".
وأضاف الأسد لوكالة "أسوشيتد برس" "كان بحوزتهم أجهزة تجسس متطورة ومعدات تنصت لاعتراض المكالمات وتحديد المواقع"، وأن القضايا ستُحال إلى السلطات القضائية "في الوقت المناسب".
وقد أدان نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق الاعتقالات، وقال إن الاتهامات ضد موظفي الأمم المتحدة "لا أساس لها ومقلقة للغاية".
وأضاف حق: "موظفونا مهنيون في العمل الإنساني والتنمية ولا ينحازون لطرف."
وفي أكتوبر، أفرج الحوثيون عن 12 موظفًا دوليًا في الأمم المتحدة بعد احتجازهم في صنعاء خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفقًا للأمم المتحدة، والتي قالت إنهم غادروا اليمن بعدها.
ومع ذلك، لا يزال 59 يمنيًا من موظفي الأمم المتحدة محتجزين، إضافة إلى العديد من العاملين في منظمات غير حكومية ومؤسسات مجتمع مدني من بعثات دبلوماسية مختلفة.
خيبة أمل من الأمم المتحدة
كان آخر عمل لليمني في مارس 2022 مع منظمة "جمعية الإغاثة المباشرة" التي لديها مكاتب في المناطق الخاضعة للحوثيين وفي جنوب اليمن، حيث توجد الحكومة المعترف بها دوليًا.
ويقول خالد اليمني إنه تواصل مع جميع جهات عمل والده السابقة، إضافة إلى مكاتب الأمم المتحدة في اليمن، لكنه تلقى ردًا بأن عليهم منح الأولوية للإفراج عن موظفيهم الحاليين.
ويشهد اليمن حربًا منذ 2014 حين سيطرت مليشيا الحوثي على صنعاء ومعظم شمال البلاد، مما أجبر الحكومة على الخروج. وقد أسفرت الحرب التي هدأت حدتها خلال السنوات الأخيرة عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص من مقاتلين ومدنيين، وخلقت إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وتقول الأمم المتحدة إنها تعمل بنشاط مع الحوثيين لضمان "الإفراج الفوري وغير المشروط والعودة الآمنة لجميع المحتجزين."
وأضاف حق: "نحن نتشارك تمامًا هدف العائلات. ونقف معهم في إحباطهم وقلقهم."
ويقول كل من خالد اليمني وصفية محمد إنهما ينشران بانتظام معلومات عن المحتجزين لجذب الاهتمام لقضاياهم. لكن اليمني يقول إنه يحرص في منشوراته على استدرار التعاطف من الحوثيين بدلًا من قول شيء قد يستفزهم.