تقارير

فضيحة المنح الدراسية.. والحاجة إلى قوانين رادعة للفساد

06/12/2022, 08:31:00
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد

أحدثت فضيحة المنح الدراسية الحكومية زلزالا سياسيا في الأوساط الإعلامية والحقوقية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مع أن الفساد ومحاباة الأقارب ظاهرة راسخة في اليمن خلال العقود الأخيرة، ومثلت السبب الرئيسي لاندلاع ثورة 11 فبراير 2011. بيد أن فضيحة المنح الدراسية كشفت ما لم يكن في الحسبان، فمحاباة الأقارب والفساد تلطخت به هذه المرة شخصيات من مختلف الأحزاب والمكونات، كما كشف ذلك مدى جشع كثير من النافذين والمسؤولين والتجار وسوء طويتهم، فبرغم قدرتهم على تدريس أبنائهم في أرقى الجامعات الأجنبية وأغلاها تكلفة بفعل فائض الأموال التي بحوزتهم، لكنهم ينهبون المنح الدراسية التي يفترض أن تكون من نصيب مستحقيها من المتفوقين لا سيما أبناء البسطاء من عامة الشعب.
 
وعطفا على ذلك، تبدو الحاجة ماسة لسن قوانين رادعة للفساد وسوء استغلال السلطة، وتشكيل هيئات محايدة ونزيهة لمكافحة الفساد، وأيضا تشكيل محاكم خاصة بالفساد المالي والإداري في مختلف أجهزة الدولة، لأن الفساد أصبح أخطر ظاهرة تهدد عموم الشعب اليمني، وما يتسرب منه إلى الرأي العام مجرد قطرة من بحر، وله تبعات كثيرة تلقي بظلالها على مختلف القطاعات، ويكون الفساد أكثر جرما في مثل هكذا أوضاع تشهدها البلاد.
 
- فساد بلا حدود
 
لم تكن فضيحة المنح الدراسية سوى غيض من فيض فساد واسع النطاق حتى أصبح وكأنه مؤسسة راسخة، فهناك إسراف كبير في الإنفاق بالعملات الأجنبية على المسؤولين والنافذين وأبنائهم في خارج البلاد، وهناك غزارة في التعيينات وابتكار مسميات وظيفية جديدة لاستيعاب ذوي النافذين والمقربين منهم، ويعج السلك الدبلوماسي بأعداد هائلة من الموظفين ممن هم بلا عمل، ومثلهم عدد كبير من وكلاء الوزارات ممن هم بلا عمل أيضا، وإنما يتجولون في بعض عواصم الإقليم، في حين تهمل الحكومة ملف جرحى الحرب، ولم تصرف مستحقات الطلاب الدارسين في الخارج ممن ليسوا من أبناء المسؤولين والنافذين، فضلا عن معاناة أفراد الجيش الوطني في مختلف الجبهات الذين لم تصرف الحكومة رواتبهم، وأهملت مسألة التسليح والتغذية وصرف الأزياء العسكرية وأيضا ذخائر الأسلحة الخفيفة.
 
ويعد الفساد المالي والإداري في أوساط النافذين والمسؤولين من أكثر الظواهر استنزافا لموارد الدولة وللمساعدات الأجنبية وإنهاك المجتمع، وتزداد وطأة ذلك عندما يتسع نطاق الفساد في زمن الحرب. وبما أن الفساد ومحاباة الأقارب من أكثر العوامل المحفزة للثورات الشعبية ضد الأنظمة السياسية الفاسدة، فإن تنامي هذه الظاهرة في زمن الحرب، حيث موارد البلاد شبه معطلة، وعامة الشعب يدفعون فاتورة الحرب، فإن ذلك يزيد من اتساع الفجوة بين الشعب والمسؤولين، ويحفز لاندلاع ثورة شعبية ضدهم، وهو ما تبين من خلال ردود الأفعال الأخيرة إزاء تفجر فضيحة استيلاء أبناء المسؤولين والنافذين والتجار على المنح الحكومية للطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج، وحرمان المستحقين من أبناء البسطاء من تلك المنح.
 
هنا تبدو المعادلة ظالمة وغير منطقية، ففي الوقت الذي يرزح فيه الشعب تحت وطأة الفقر والجوع وتدهور المعيشة وتحمُّل أعباء الحرب، يعيش المسؤولون والنافذون وأبناؤهم حياة البذخ والرفاهية في أبرز عواصم الإقليم. وفي الوقت الذي يدفع فيه أفراد الجيش الوطني ضريبة الدفاع عن الجمهورية والدولة من أرواحهم ودمائهم، من دون رواتب أو تغذية لائقة، ويعانون من الجوع وتقلبات الطقس في مختلف الجبهات، يحصد المسؤولون والنافذون وأبناؤهم وأقاربهم ثمرة ذلك النضال لصالحهم، حيث يعيشون حياة الترف والبذخ والرفاهية في خارج البلاد ويدفعون فاتورة ذلك من قوت ملايين المواطنين ومنتسبي الجيش، ويستولون على المنح الدراسية التي يفترض أن تذهب لمستحقيها من عامة الشعب، وأن تقتصر على التخصصات النادرة أو التي لا توجد في الجامعات المحلية من حكومية وأهلية.
 
- خيانة الأمانة وسوء استخدام السلطة
 
يُعرّف البنك الدولي الفساد بأنه "شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة التي يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة، وذلك من أجل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السلطة لصالح الفرد"، أي تحقيق مكاسب شخصية. أما معجم أوكسفورد الإنجليزي فهو يُعرف الفساد بأنه "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة"، ويصفه أيضا بـ"السلوك المخادع أو الاحتيالي من قِبَل أولئك الموجودين في السلطة"، و"السلوك غير الأمين وغير القانوني خصوصا من جانب ذوي النفوذ".
 
لكن لا يوجد في اليمن قوانين رادعة للحد من الفساد، ولا توجد هيئات رقابية نزيهة ومحايدة ولها الحق الكامل في الرقابة على الفساد وفضح جميع عمليات الفساد وإطلاع الشعب عليها. وعلى العكس من ذلك فقد ترسخت تقاليد لدى السواد الأعظم من المسؤولين والنافذين بأن المناصب الحكومية ليست مسؤولية اجتماعية أو أمانة، وإنما هي مجرد مغنم خاص وتمثل فرصة العمر، وعلى صاحبها استغلالها أبشع استغلال لتحقيق الثراء الشخصي وترتيب أوضاع أفراد عائلته والمقربين منه، لدرجة أن بعضهم يوظفون حتى زوجات أبنائهم وأقاربهن، وأصبح النافذون يحمون بعضهم بعضا، ويتعاونون لأجل زيادة امتيازات المناصب ومكاسب السلطة، وما يتم تسريبه من ملفات فساد ولصوصية إنما يأتي في إطار المكايدات السياسية والخلافات حول مكاسب السلطة وامتيازاتها.
 
وخلال السنوات الماضية، ظلت اليمن تحتل أسوأ المراكز العالمية في مؤشرات الفساد، لا سيما في ظل غياب قوانين رادعة تجرم سوء استغلال السلطة، وأيضا غياب الرقابة والمساءلة، بل فقد كان النظام الحاكم سابقا يشجع على الفساد ويرعاه، لأن ذلك الفساد الوسيلة الوحيدة لتوسيع وتمتين شبكة العلاقات الزبائنية للنظام الحاكم، وربط شبكة المصالح الزبائنية ببقاء النظام الحاكم لحمايته من الانهيار.
 
وبعد التدخل العسكري للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن، تحت لافتة عملية "عاصفة الحزم"، اتخذ الفساد المالي والإداري اتجاهات متعددة، وتضخمت شبكة الفساد ومصالح المسؤولين والنافذين بشكل غير مسبوق، وكانت المناصب العليا -في البداية- وسيلة للترضيات وللاستقطاب السياسي واستيعاب النازحين من سلطات الانقلابيين غير المعترف بها دوليا إلى السلطة الشرعية.
 
غير أنه بعد ذلك صار التعيين في مختلف المناصب والوظائف الحكومية وسيلة التحالف السعودي الإماراتي لتخدير المسؤولين والنافذين واستقطابهم بغرض إسكاتهم عن ممارسات التحالف ومؤامراته على اليمن، وأصبحت موارد البلاد، رغم محدوديتها وتعطيل أهم قطاعاتها، تذهب إلى خزائن الفاسدين والنافذين وأبنائهم، الذين يلتهمون أيضا المساعدات الأجنبية، فضلا عن الرواتب الباهظة التي يحصلون عليها من السعودية والإمارات وغيرهما، ورغم كل ذلك إلا أنهم ينهبون حتى المنح الدراسية ومخصصاتها المالية التي يفترض أن تكون من نصيب المتفوقين من عامة أبناء الشعب.
 
- حكومة حرب أم حكومة عوائل؟
 
في ظروف الحرب، يفترض تشكيل حكومة حرب مصغرة تنحصر مهمتها على إدارة المعركة وتوفير متطلباتها، وتأمين المخزون الغذائي للمواطنين لما يكفي الحد الزمني الأقصى المتوقع لاستمرار المعركة، مع وقف تام لجميع النفقات الأخرى كمشاريع البنية التحتية إلا في ما تقتضيه طبيعة المعركة، وأيضا وقف استيراد الكماليات، وتقليص رواتب كبار المسؤولين، وإجراء مراجعة شاملة للوضع الاقتصادي والوضع المالي للدولة.
 
بيد أن ما حصل في اليمن منذ بداية الحرب كان عكس ذلك تماما، إذ تم توسيع هيكل السلطة الشرعية، واستيعاب أبناء المسؤولين والنافذين وأقاربهم وأقارب أقاربهم في السلطة واستحداث وظائف جديدة لهم، وإجراء نظام محاصصات سياسي وجغرافي ومناطقي برعاية التحالف السعودي الإماراتي بذريعة الشراكة الواسعة في السلطة، مع إيجاد مكونات من العدم وتسليحها ودعمها وفتح شهيتها للسلطة والمال، وتشجيع الفساد المالي والإداري، كون الفساد هو الذي ينخر الأوطان من داخلها، ويخدم أهداف الأطراف الخارجية الرامية إلى تدمير بلد وإضعافه وتكبيله وجعله أسير البحث عن قوته اليومي، وما يتسبب به ذلك من هدر لموارد البلاد لصالح الفاسدين وتدمير طاقات القوة البشرية العاملة، الأمر الذي ينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني وعلى الوضع المعيشي للمواطنين.
 
- كليبتوقراطية في زمن الحرب
 
رغم تعدد الانتماءات السياسية لكبار هوامير الفساد، بمن فيهم ناهبو المنح الدراسية لأبنائهم، إلا أنه تجمعهم قواسم مشتركة من بينها أنهم بلا ضوابط أخلاقية ولا يتمتعون بالنزاهة والكفاءة، وينتمي نمط حكمهم إلى ما يسمي الكليبتوقراطية، أي حكم اللصوص، وبالتالي فهم غير مؤتمنين على تولي الشأن العام، ووصولهم إلى السلطة يعكس الخلل العميق في طريقة تشكل النخبة السياسية والخلل في معايير تولي الوظائف العليا في الدولة، وأما تعدد انتماءاتهم السياسية فيعني أن الفساد واللصوصية مسألة ليس لها علاقة بالأحزاب والأيديولوجيات، وإنما تعكس الخلل الأخلاقي للفاسدين والخلل في النشأة والتربية، وهو خلل عميق لا ترممه الأحزاب والأيديولوجيات والشهادات الجامعية وغير ذلك.
 
ومن تبعات تفشي الفساد واللصوصية في زمن الحرب، أن الفاسدين يشكلون عائقا كبيرا أمام معركة تحرير البلاد من المليشيات الحوثية وعودة الإمامة السلالية العنصرية، فهم شركاء في مسألة إطالة أمد الحرب، كون طول مدة الحرب تضمن لهم حصاد الكثير من المكاسب، وفي حال انتهاء الحرب سيتشكل واقع جديد مجهول لا يضمنون لأنفسهم موقعا فيه يمكنهم من تسخير المناصب الحكومية لمصلحتهم الشخصية.
 
يدرك الفاسدون أن مستقبلهم السياسي قد احترق، لكنهم لا يدركون أن بقاءهم في مناصبهم ينفر الشعب من الحكومة الشرعية، التي يرى أنها متخمة بالفاسدين ولا تستحق المساندة، بل فحتى أحزابهم فإنها تخسر ما بقي لها من رصيد أخلاقي ونضالي، فضلا عن خسارتها لبعض قواعدها، وخلاصة كل ما سبق أن الفاسدين لا يؤتمنون على الأوطان وغير مؤهلين لخوض معارك الحرية والكرامة.

تقارير

بائع الفاصوليا.. مشروع شاب يعرف زبائنه من أصواتهم

إذا اعتقدت بأن الحياة خذلتك في جانب معيّن، عليك أن تنظر ماذا فعلت الحياة مع "ياسر ثابت"، وكيف واجهها، ولم يعرف الاستسلام؛ كونه متسلحا بالأفكار، فمن لديهم الأفكار والهمم؛ سيعيشون لأجل تنفيذها، ويظلون يحاولون حتى يعثروا على الطريق.

تقارير

"حيث الإنسان" يساعد عشرات الأطفال في مأرب على الوقوف والسير من جديد

يحكي برنامج "حيث الإنسان"، - الذي تدعمه وتموِّله مؤسسة "توكل كرمان"- قصة أب لا يعرف الاستسلام، وقد صنع عالما أجمل لمجموعة صغيرة من الأطفال، بينهم طفله، بتأسيس مركز تأهيل للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، في مدينة مأرب، الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي لليمن.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.