تقارير
في ذكراها ال61 .. هل يستعيد اليمنيون روح سبتمبر الثورة والجمهورية؟
تحضر ثورة السادس والعشرون من سبتمبر العظيمة في ذاكرة اليمنيين، وفي كرنفالات وفعاليات يحيونها ويحيون بها الأمل بعودة البلاد، حيث تحوّل احتفاء اليمنيين بذكراها الحادية والستين إلى تظاهرة كبيرة في كل الميادين والساحات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، رغم قمع المليشيا.
ما يزال سبتمبر أغنية اليمنيين، يلوذون به وقت التحديات والتصدعات، التي تواجههم، وعلى رأسها انقلاب مليشيا الحوثي، الذي دفع بالبلاد إلى حروب ونزاعات دامية، تقتات عليها المليشيا، ولو مات الناس جوعا.
تسع سنوات عجاف تعرَّضت فيها الجمهورية إلى خيانات كثيرة، وسط دعوات إلى انفصال جنوب البلاد، وخيانة النُّخب السياسية وارتهانها، وتواطؤ الإقليم وأطماعه.
- وعي وطني متجذّر
يقول الكاتب والباحث نبيل البكيري: "إن ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر هي ذكرى عظيمة وأليمة في الوقت ذاته، لكننا اليوم في مقام الاحتفاء والزهو في هذه اللحظة العظيمة والفارقة في تاريخ اليمن، والتي صُنعت على أعين الأحرار والشرفاء اليمنيين، الذين أبوا أن تسومهم الإمامة والخرافة ويلاتها وثالوثها المقدس بالنسبة لها، وهو الجوع والفقر والمرض".
وأوضح: "ثورة 26 سبتمبر هي ميراث الآباء والأجداد، التي بفضلها تعلّمت وكتبت وأصبحت نبيل البكيري، وجميع الأجيال التي نشأت في إطار هذا النظام الجمهوري، هم مدينون لثورة الـ26 من سبتمبر؛ باعتبارها لحظة ولادة الهوية والشعب اليمني، الذي كان قبل هذه الثورة لا وجود ولا ذكر له، وكان عبارة عن شعب سجين مسلوب الإرادة والكرامة والهوية، حيث لم يكن لليمنيين هوية قبل السادس والعشرين من سبتمبر 1962م".
وأضاف: "رغم ما حدث، وما يحدث، إلا أن ثورة سبتمبر المجيدة عصيَّة على النسيان، ومتجذِّرة في شعور ووجدان وقلوب وإرادة اليمنيين، وها هو وهج هذه الثورة اليوم يعبِّر عن نفسه، من خلال هذا الاحتفاء الكبير، الذي عمَّ كل أراضي الجمهورية اليمنية، ومنافي اليمنيين ومغترباتهم، ومهاجرهم".
وتابع: "هذه الروح، التي تحرِّك عند اليمنيين، هذا الشجن وهذه الأشواق، تداعب فيهم الحرية والكرامة والعزة، تعبر عن عظمة وشموخ هذا الشعب، وهذه الثورة التي يستحيل أحد مهما كان أن يتجاوزها، أو أن يعبث بمنجزاتها، رغم حالة الانتكاس والارتداد الكبير، وعودة الإمامة بهذا الشكل، الذي نشاهده اليوم".
وأردف: "المسار الذي خطه أحرار سبتمبر، وخطَّته الحركة الوطنية اليمنية عموماً، كان مساراً واضحاً، وأشبه بخريطة خروج بالوطن إلى وضع أفضل في ظل وجود الدولة والنظام والعدل والكرامة".
وزاد: "الثورة، التي ضحَّى من أجلها اليمنيون كثيراً، حققت منجزات كبيرة وكثيرة، لكن -في منتصف الطريق- حدثت ارتدادات وانعكاسات وبعض الأخطاء، التي ساهمت في إرباك المسار الوطني، والدولة اليمنية، ولا تزال تداعياتها وآثارها اليوم ماثلة من خلال عودة المليشيا الإمامية وإسقاط العاصمة صنعاء في الـ21 من سبتمبر 2014م، واستلاب السيادة الوطنية من خلال ما نراه من مليشيات مدعومة خارجيا تعبث بأمن واستقرار اليمن".
وقال: "إن هذه الأخطاء ليست مسؤولية طرف بعينه، وإنما هي مسؤولية جماعية، لكن كل طرف يتحمَّل بقدر الموقع الذي كان فيه، فالنُّخب السياسية تتحمّل القدر الأكبر من هذه المسؤولية، إضافة إلى المسؤولين الذين كانوا يوما ما في أجهزة الدولة، وساهموا بتراخيهم وأنانيّتهم وإسفافهم وخلوهم من أي روح وطنية في هذه المتاهة التي حصلت".
واعتبر أن "الأحزاب السياسية، التي تمثل ثمرة من ثمرات الحركة الوطنية، فرَّطت بنضالات الحركة الوطنية"، مضيفا: "لا أريد أن أقول إنها وصلت إلى مرحلة الخيانة، لكنها وصلت إلى مرحلة الارتداد عن الأهداف الكبيرة، التي رسمتها الحركة الوطنية".
ويرى أن "المسؤولية جماعية، وأنها مسؤولية المثقفين والنخب السياسية والأحزاب، ومن صعدوا في لحظة ما إلى سدة القيادة، وهم لا يمتلكون المؤهلات الفكرية والذهنية والعملية، ولا حتى الأخلاقية، لكي يحافظوا على هذه القيم التي ضحى من أجلها اليمنيون كثيرا وطويلا حتى فجَّروا هذه الثورة العظيمة، التي لا يمكن لليمن أن تكون في حسباننا أو تكون موجودة لولاها".
وأوضح: "مليشيا الحوثي، منذ انقلابها على الدولة، تحاول تدمير كل ما بنته ثورة 26 سبتمبر 1962م، من خلال تسميم المناهج والحياة، وسلب اليمنيين حريتهم وحقوقهم، لكن ثورة بهذه العظمة، وبهذا التجذر الموجود سيكون من الصعب عليها أن تتجاوز الوعي الذي نراه اليوم في شوارع صنعاء وتعز والحديدة وإب، وكل المدن اليمنية التي خرجت لتعبِّر عن رفضها لهذه الجماعة الانقلابية، التي تدَّعي الحق الإلهي لحكم اليمنيين، وتدَّعي الوصاية عليه".
وأضاف: "الوعي الوطني المتجذّر لدى الناس أصبح بمثابة مقاومة ومناعة داخلية لدى اليمنيين، وهو الذي عقّد وصعّب استمتاع مليشيا الحوثي بما قضمته من حياة اليمنيين وحقوقهم ودولتهم".
وتابع: "نحن بحاجة لتجذير هذا الوعي ولتماسك اليمنيين، وإعادة الاعتبار لهذه الثورة ولشهدائها وأبطالها ومبادئها أولا وأخيرا، وهي تلك المبادئ التي ينبغي أن نقاتل لأجلها، ويجب أن تكون أمانة في أعماق الجميع، حتى لا تخلو الأجواء لمثل هذه المليشيا، التي انهزمت بالأمس واليوم، تنهزم أمام علم الجمهورية، الذي رفعه المواطنون في شوارع صنعاء والحديدة وإب".
وأشار إلى أن "المبادئ والقيم، التي تجذرت في نفوس اليمنيين، مبادئ الكرامة والحرية والإرادة والوطنية، يستحيل على أي كائن كان أن يتجاوزها".
وأكد أنه "قد يصمت البعض، لكن هذا الصمت لا يعني السكوت أو الرضا بما آلت إليه اليمن، فهناك حالة من الغضب والاحتقان، وحتما سنصل إلى مرحلة الانفجار الكبير، واستعادة زمام المبادرة".
وقال: "إن عملية التجهيل وتحريف المناهج لإنشاء جيل لا يؤمن بالثورة والجمهورية تعد واحدة من التحديات، التي تحيط بالمجتمع اليمني، وخصوصا المجتمعات التي تقبع تحت سلطة مليشيا الحوثي، لكن ما نشاهده -خلال هذه الأيام- من احتفالات بمناسبة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، يخفف من مخاوفنا كثيرا، لأننا كنا نعتقد بأن المجتمعات التي تحت سطوة المليشيا ستعجز وستستسلم".
وأضاف: "الخروج، الذي حدث خلال اليومين الماضيين، في صنعاء وعدد من المدن اليمنية، هي رسالة واضحة بأننا شعب عظيم لا يمكن لأحد أن يتجاوزنا ويتجاوز ثورتنا التي آمنّا بها، والتي كانت بمثابة ميلاد شعب وهوية".
وتابع: "تسع سنوات فرضت فيها المليشيا كل وسائل القمع وكل الآراء الطائفية والإمامية البغيضة، وكل ما له علاقة بهذه المليشيا ورؤيتها المتخلِّفة لهذه الدولة وللمجتمع وللإسلام، إلا أن ما نشاهده اليوم وأمس يقول إن هناك جيلا عصيا على التدجين، وعلى أن يفرض عليه رأي معين".
وزاد: "صحيح أننا نخاف على الأطفال الذين ينشأون في المدارس، التي تُدار من قِبل هذه المليشيا، لكن حتى هؤلاء الأطفال هم بالأساس يعودون إلى منازلهم وبيوتهم وهناك تنشئة أخرى مختلفة، وهي التي نراها وتعبِّر عن نفسها اليوم في المسيرات التي خرجت في كل شوارع صنعاء وإب والحديدة، وغيرها من المحافظات".
وأردف: "المسألة لا تتعلق بأن تملي عليَّ ما تريد قوله، وإنما تتعلق بإرادتي الحُرة، وهذا الفضاء المفتوح اليوم، وهذا التعبير الواسع والكبير والمُهيب، عن إرادة اليمنيين ورفضهم لهذه المليشيا، ذلك الرفض الذي تمثَّل من خلال هذه الاحتفالات والأيقونات، بهذه الصورة العظيمة، التي ترفع في وسائل التواصل الاجتماعي، هي دليل على أن هناك عافية وممانعة ومقاومة وطنية وثقافية وذاتية ونفسية لدى اليمنيين، ستجعلهم يتجاوزون هذه اللحظة".
وأشار إلى أن "الكارثة الكبيرة، التي نتخوّف منها، أن هذه الرغبة والإرادة الوطنية المتجذِّرة، التي عبَّر عنها الناس، لا تجد من يقتطفها، ويصنع هذه اللحظة الوطنية الفارقة، فمشكلة اليمنيين دائما أن الشعب يسبق القيادة، وهو من يصنع قيادته وثوراته".
وأكد أن "هناك قادة ممن ينتظرهم الميدان ليقطفوا ثمار هذا الوعي الوطني، وهذه المقاومة والممانعة لهذا العهد البائد، الذي تمثله مليشيا الحوثي".
وقال: "يجب على كل الذين يتصدرون اليوم، أو يفترض أن يكونوا قادة، في هذه اللحظة أن يقرأوا في هذه الرسالة الشعبية الواضحة، التي لا تحتاج إلى الكثير من الذكاء أو التذاكي، بأن هناك شعبا رافضا لهذه المليشيا، ويتوق لوجود قادة حقيقيين في مقدِّمة الصفوف على مستوى الفعل السياسي والثقافي والإعلامي، وليس فقط على المستوى العسكري".
وأضاف: "ما فعلته المليشيا، أمس الماضي، هو عمل عظيم ورائع بالنسبة لي، وأشجِّعها على الاستمرار في هذا الفعل؛ لأن الجمهورية بالنسبة لليمنيين خط أحمر، وتصل إلى القداسة الدينية، وثورة 26 سبتمبر والجمهورية هي من الثوابت الوطنية التي لا يختلف عليها اثنان، ومليشيا الحوثي تُدرك ذلك".
وذكر أن "مليشيا الحوثي ظلت، طوال تسع سنوات، وهي تتلفع رداء العلم اليمني، ورداء الجمهورية اليمنية، وأيقونة الطير الجمهوري؛ لأنها تدرك أن هذه الرمزية بالنسبة لليمنيين مقدَّسة، وأن المساس بها سيثير اليمنيين، وسيدفعها لمواجهة هذا الواقع السيّئ، وبالأمس انكشفت وهي كل يوم تنكشف".
وتابع: "رغم أن العلم اليمني، الذي تكذب المليشيا وترفعه في مناسباتها، وتعتبره أنه علم الدولة، التي سطت عليها، إلا أنها لا تستطيع أن تتحمّل وترى هذا العلم بيد طفل أو على سيارة، وهذا دليل على حالة الذُّعر، وأن هذا العلم لا ينسجم مع فكرتها ونفسيّتها، وخصوصاً عندما يُرفع من قِبل إنسان نقي لديه الإرادة والرَّغبة بأن يحمل هذا العلم".
- خيانة الثورة والجمهورية
يقول رئيس دائرة التوجيه المعنوي سابقا، اللواء محسن خصروف: "إن ما حدث في 21 سبتمبر 2014م، من انقلاب لمليشيا الحوثي، هو عنوان بارز لخيانة الثورة والجمهورية، وحصل فيها تواطؤ من جهات متعددة، وتحدثنا عنه كثيرا كيف تم التوافق عليه في مسقط، والدول التي حضرته (أمريكا وبريطانيا والإمارات)، وأحيطت السعودية علما، ومندوبون من صنعاء عن الرئيس هادي، وعن المؤتمر الشعبي العام".
وأوضح "كان هذا التوافق والتواطؤ بحُجة أنهم سيُسلمون الرئيس هادي سلطة ناجزة بدون مراكز قوى، وبدون معارضة، وبعده حصل ما حصل، ولم يكن بمقدور مليشيا الحوثي الدخول إلى صنعاء لولا هذا التواطؤ، ولولا الخيانة، ولولا تشكيل قوة عسكرية مسلحة تدعم المليشيا حتى دخلت إلى صنعاء".
وأضاف: "كان هدف دول الإقليم من هذا التواطؤ، ومن هذه الخيانة، هو التخلص من حزب التجمّع اليمني للإصلاح، واجتمعت على هذا الهدف قوى داخلية وخارجية، ومن ضمنها التحالف، لكن عندما شعروا بخطر الحوثي وتمرده، استشعروا بالخطأ؛ لكنهم لم يتجهوا الاتجاه الصحيح للتخلص من هذا الانقلاب، والتخلص من الدولة".
وتابع: "من الصعب أن نقول بأن النخب اليمنية خانت الثورة والجمهورية، لكنه في الحقيقة حصل تخاذل قد يقترب من مرتبة الخيانة، فالقوى السياسية، التي عهدناها سابقا، منذ الستينات، التي تقض مضاجع الحكم، ولها نشاط سياسي وعسكري واضح، لم نعد نسمع لها صوتا، ربما خروجهم إلى عواصم بعض الدول وحصولهم على مكاسب صغيرة جعلتهم غير قادرين على أن يصنعوا شيئا للوطن".
وأردف: "التصدعات داخل منظومة الحكومة الشرعية كبيرة جدا، وفي رأس هرم السلطة هناك سبعة مكونات رئيسية ليسوا على وفاق، ونجد في المستوى الأدنى من قاعة الهرم مكونات في عدن والساحل وتعز ومأرب، منها وطنية، ومنها مرتهنة للخارج".
وزاد: "ما جرى أمس في صنعاء وتعز والحديدة وإب وفي الأرياف، وفي كل اليمن شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، من هبَّة شعبية غير عادية للاحتفال بثورة 26 سبتمبر، وما قامت به مليشيا الحوثي من قمع للمواطنين وإهانة للعلم اليمني، رسالة واضحة بأن المليشيا تسعى لجمهورية ولاية الفقيه أسوة بإيران، وليس للجمهورية اليمنية".
وأكد أن "الشعب اليمني قال كلمته بكل تحدٍ، وخرج إلى الشارع، ومارس طقوسه بالفرح والاحتفاء بالثورة بالرقص والغناء، كما لو أنه ما قبل 21 سبتمبر 2014م، بعد أن كان الغناء والرقص من المحرمات عند المليشيا".
وأشار إلى أن "الشعب اليمني وجَّه رسالته لكل الدّنيا، لمليشيا الحوثي وللحكومة الشرعية وللداخل والخارج، أنه شعب لا يقبل الضَّيم ولا الامتهان أو الإهانة، وسيتحدَّى، ومن المتوقَّع أن يأتي الفرج والتحدِّي بالانفجار من الداخل".