تقارير
"كارثة إنسانية وشيكة".. 70% من سكان اليمن دون مساعدات
في ظل الانسحاب المتسارع للمنظمات الإغاثية من اليمن، تتسارع معه المؤشرات نحو كارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة الملايين.
فإلغاء التمويل من قِبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أدى إلى توقف برامج عشرات المنظمات الدولية والمحلية، مما شل عمل شبكات الإغاثة، التي كانت تقدِّم الغذاء والرِّعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي في مختلف المحافظات.
في مواجهة هذا الانهيار، أطلقت "اليونيسيف"، ومعها 115 منظمة إغاثة، دعوة عاجلة إلى المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات فورية لإنقاذ اليمن من السقوط في الهاوية.
التحذيرات تركزت على ضرورة استئناف التمويل دون تأخير، وتوفير ممرات آمنة للعمل الإنساني، وضمان حيادية المساعدات في جميع مناطق اليمن.
- بديل حقيقي للدولة
يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية والإنسانية، الدكتور إيهاب القرشي: "نحن عندما نتحدث عن الأعمال الإغاثية والإنسانية في اليمن نتحدث عن البديل الحقيقي للدولة وللحكومة، التي -خلال عشر سنوات ماضية- لم تفعل شيئا ولم تؤدِّ دورها في تمويل المؤسسات الحكومية؛ مثل قطاع الصحة والتعليم، وأيضا القطاعات الأخرى المتعددة".
وأضاف: "الإغاثة في اليمن قديمة، منذ عشرات السنين، برنامج الغذاء العالمي يعمل في اليمن لأكثر من 50 سنة، لكن هذا يعني أننا دائما نحتاج المساعدات الخارجية لليمن".
وتابع: "بعد انقلاب 2014، الاحتياج تزايد بشكل كبير، وتراجع الدولة عن أداء مهامها أيضا زاد الطين بلة".
وأردف: "خلال الـ12 سنة الماضية، تمولت اليمن عبر خطط استجابتها الإنسانية المقدّمة من الأمم المتحدة، بأكثر من 20 مليار دولار، وكانت الاحتياجات تفوق الـ35 مليار دولار، لكن هذا لا يعني أن ما تم تمويله هو الذي أنفق في اليمن".
واستطرد: "هناك فساد كبير بهذه الأموال، إضافة إلى ذلك أن هناك تمويلا آخر غير منظور، وهو أكبر من ذلك بكثير مثل، تحويلات المغتربين التي بلغت خلال 10 سنوات أكثر من 30 مليار دولار بمعدل 3 مليارات دولار سنويا".
وزاد: "هناك أيضا القطاع الخاص الذي قدم ما يزيد عن 20 مليار دولار".
وبيَّن: "خلال العشر سنوات، أنفقت الحكومة ما يقارب 2.5 مليار دولار من العائدات الضريبية الداخلية، والمتحصلات والنفط وغيرها، وأيضا من الودائع والمعونات التي توردت إلى البنك المركزي".
وقال: "هذه المبالغ كلها تشكل أكثر من 115 مليار دولار خلال 10 إلى 12 سنة، وهذا الأمر يؤدي بنا إلى معرفة أن كل شيء في اليمن تديره المنظمات الأممية والدولية والمنظمات المحلية".
وأضاف: "نحن نعرف تماما أن كل بلد في العالم، كل دولة تتكون من ثلاثة أضلاع، وما يسمى بالحكم الرشيد (حكومة، وقطاع خاص، وأيضا منظمات المجتمع المدني)، لكن للأسف، خلال العشر السنوات الماضية، الحكومة غائبة تماما، القطاع الخاص عانى مثل ما يعاني أيضا اليمنيون كأفراد وكأشخاص، إلى أن وصل إلى تجميد الأعمال التجارية في اليمن، والاستثمارات بشكل كامل، بل حصل أن تحولت كل الأموال وكل الأعمال التجارية إلى الخارج".
وتابع: "أصبح العديد من المواطنين اليمنيين يعملون لدى المنظمات الأممية والدولية والمحلية، وكانت تعتبر أفضل وظائف موجودة في اليمن، بعد التراجع الكبير الذي حدث، أولا من الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط بتوقيف نشاط الوكالة الأمريكية للتنمية، التي كانت تعطي أفغانستان 5 مليارات بينما تعطي لليمن ما لا يزيد عن 500 مليون دولار سنويا".
وزاد: "الولايات المتحدة الأمريكية هي رقم واحد في الانفاق على خطط الاستجابة الإنسانية اليمنية، بمعدل أكثر من 6 مليارات دولار، خلال العشر السنوات الماضية، تأتي بعدها المملكة العربية السعودية، لكن قرار اعتبار الحوثيين جماعة إرهابية، وتوقيف الوكالة، وقيام حرب ما بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي الانقلابية، أدى ذلك إلى وقف أي مساعدات إنسانية".
- انسحاب غير أخلاقي
يقول مستشار الشؤون الإنسانية، محمد المعزب: "بالنسبة لانسحاب المنظمات، فبالأصل هو انسحاب طبيعي؛ لأنها جاءت في تغطية أزمة، والأزمة لا تستمر أكثر من سنتين، لكن الأزمة في اليمن الآن أصبحت أطول أزمة إنسانية على مستوى العالم، وأسوأ أزمة إنسانية لمدة 10 سنوات".
وأضاف: "من الطبيعي أن المنظمات، في نهاية الأمر، ستنسحب، وتغلق ملفها في اليمن، وتغادر إلى منطقة أخرى".
وتابع: "الذي غير طبيعي هو أن الانسحاب لم يكن مسؤولا، فدائما في المنظمات، التي تدخل في مناطق النزاعات والصراعات والحروب، هناك معايير أخلاقية ودستورية للانسحاب، عند الانتهاء من أعمال أو إغلاق برامج معينة".
وأردف: "يفترض على المنظمات أنها تسلم هذه البرامج وفق آلية محددة وتسلسل زمني للقيادة المجتمعية، أو للسلطات المحلية والحكومية، في تلك المناطق، أو تلك البلدان التي تعمل فيها، وهذا ما لم يتم في اليمن بشكل عام".
وزاد: "لاحظنا الانسحاب الأمريكي، وتوقف الدعم مباشرة بدون أي مقدمات، مما أخل بالبرامج الكبيرة، التي كانت تمولها وكالة التنمية الأمريكية، في اليمن، وأدت إلى توقف برامجها، سواء كانت في الصحة، أو في المياه، أو في الإيواء، أو في الحماية، وغيرها من البرامج، مباشرة دون سابق إنذار، وإنما حددت فترة ثلاثة أشهر للإخلاءات والتصفيات النهائية".
وقال: "هذا الانسحاب يسمى انسحابا غير أخلاقي، وغير مسؤول، وهذا مخالف لمواثيق الأمم المتحدة، وتتحمل المسؤولية كاملة هذه المنظمات، كونها جاءت لتغطي فجوات واحتياجات إنسانية، لكن بالعكس تركت، بعد خروجها، أضعاف ما جاءت لتغطيته، خصوصا الفترة الماضية تسببت بجروح وفجوات إنسانية أخرى كبيرة وأشد مما كانت عليه".
- التحديات
يقول رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين، نجيب السعدي: "إن التحديات، التي تواجه الوحدة التنفيذية والنازحين بشكل عام، هي عدم توفر الإمكانيات المادية لتغطية احتياجات النازحين".
وأضاف: "التحدي الأكبر هو أن أزمة النزوح في اليمن يتم النظر إليها بنظرة سطحية، لا تأخذ الأبعاد الكاملة لهذه الأزمة، ومدى تأثيرها على الاقتصاد الوطني، وعلى الإنتاج، وعلى الأمن، وحتى على الحرب والسلم".
وتابع: "من التحديات أن هذا الملف أسند لجهات دولية تعمل بشكل موازي، إن لم يكن بعيدا عن مؤسسات الدولة، وتواجد مؤسسات الدولة تواجد شكلي، جعلها تعمل بمنأى عن الجهات الحكومية، وبشاكل خاص، دون الأخذ بالاعتبار ضرورة حل هذه الأزمة، والعمل على إيجاد حلول، أقل شيء على المستوى المتوسط".