تقارير
متقمّصا دور المعارضة.. الانتقالي يتوعد الحكومة بالتصعيد
يعاني المواطنون من حر الطقس، في ظل انقطاع الكهرباء، يختنقون بالأوبئة والأزمات المتراكمة، وتغرق عدن في صمت الجهة التي ادّعت تمثيل الناس ثم أدارت ظهرها لهم.
في ظل هذه المأساة، خرج المجلس الانتقالي الجنوبي ملوحا بعدم وقوفه موقف المتفرّج أمام ما تشهده العاصمة المؤقتة عدن، وبقية المحافظات، من معاناة جراء انهيار الخدمات.
الانتقالي، وهو ذاته الذي يسيطر على الأمن والسيادة والقرار في عدن والذي جلس على مقاعد السلطة، يحاول، اليوم، أن يتقمّص دور المعارض، بينما قواته تفض الاحتجاجات، وإدارته تعجز عن تقديم حلول حقيقية لأزمات تتفاقم كل يوم؛ لا دولة تنهض، ولا ثورة تستكمل، ولا شريك يملك الجرأة على تحمل المسؤولية كاملة.
في المقابل، فضَّل رئيس الحكومة الصمت والغياب، في بلد تتآكله الأزمات بلا خطط إسعافية، ولا مؤشرات على أن في الأفق ما يستحق الانتظار.
والمشكلة اليوم ليست في انعدام الإمكانيات فحسب، بل في غياب النية وافتقاد القيادة، فلا أحدا يقف فعليا مع الناس، ولا أحدا يملك مشروعا للإنقاذ.
- مشروع الانتقالي
يقول الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور عادل المسني: "إن الأزمة لها مسببات كثيرة، ولا يمكن للمجتمع الدولي ودول التحالف أن تعالجها، ما لم تكن هناك نوايا جادة للأطراف الداخلية، وتحديدا المجلس الانتقالي، في تحريك ملف الخدمات".
وأضاف: "هذا الفساد المستشري في المؤسسات بعدن، وغيرها من المحافظات في الجنوب، والتغول فيها، لا يمكن أبدا أن يكون هناك دور لدول التحالف، أو حتى للأمم المتحدة، في معالجة هذه الأزمات المستشرية في المحافظات الجنوبية، ما لم تكن هناك نية صادقة للانتقالي في دعم هذه الجهود والاستفادة منها".
وتابع: "أنا أتصور أن الانتقالي يستفيد من الفساد بشكل كبير، ولم يكن يتوقع بأن هذا الفساد سيصل إلى هذه المرحلة الحرجة، التي دفعت الناس إلى الخروج للشوارع، لا سيما مع قدوم الصيف وانقطاع الكهرباء التي تؤثّر على كل المستويات".
وأردف: "المحافظات الجنوبية مناطق حارة لا يمكن أبدا للناس أن يتحمّلوا وطأة الحَر، دون أن يكون هناك وجود للكهرباء، فبالتالي أنا أتصور أن هذه كانت هي القشة التي كسرت ظهر البعير، فضلا عن بقية الأزمات المتعلقة بالرواتب، وبالخدمات الأخرى".
وزاد: "عدن غائبة تماما عن الكثير من الخدمات، والانتقالي يحكم هذا البلد، لسنوات طويلة، والوضع كما هو عليه، بل على العكس يزداد سوءا ويزداد فسادا".
وقال: "الانتقالي، في الحقيقة، ليس لديه مشروع للانفصال، كما يدّعي فهو لم يتحرك في هذا السياق، ولا أيضا ترك الشرعية أو الحكومة تمارس مهامها في المحافظات الجنوبية، ولا أيضا ساعدها أيضا في استعادة دولتها، بمعنى أن الانتقالي معطل لكل هذه الجهود، معطل لتحريك ملف الخدمات، ولعودة الدولة".
وأضاف: "الحكومة غائبة منذ أن استولى الانتقالي على الشأن العام في المحافظات الجنوبية، حتى رئيس المجلس أو الوزراء إذا عادوا إلى عدن، يعودون ضيوفا عند الانتقالي، وحتى هذه الضيافة ليست آمنة ومشروطة".
- تصفير الأزمة
يقول المحلل السياسي، عادل الشجاع: "تصفير الأزمة في اليمن هو الذي جعل الحياة السياسية والاقتصادية مشلولة، تصفير الأزمة بمعنى أن الإقليم والخارج، قيّدوا قوى الداخل، وقوى الداخل استسلمت للإقليم والقوى الأخرى، وهنا أعني الرّباعية، السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا".
وأضاف: "حينما نأتي للقرارات الدولية فهي قرارات مع الشرعية ومع وحدة البلاد وسيادتها، لكنها على أرض الواقع وبالفعل هي تعمل على تنمية المليشيات، وتعمل على مصادرة قرار الحكومة، وقرار الشرعية".
وتابع: "نحن أمام أزمة صفرية، لا نستطيع أن نمسك طرفا، ونقول إن هذا الطرف يتحمّل المسؤولية بمفرده، فالانتقالي سبب ونتيجة، هو نتيجة للصراع بين الإمارات والسعودية على الأرض، وانسحاب الإمارات من اليمن؛ أي على المستوى الفعلي، لكن على أرض الواقع هي تسلح الانتقالي، وتعمل من خلاله على تعطيل الحياة السياسية، وتعطيل المعركة مع الحوثي، وإنهاء الانقلاب".
وأردف: "الانتقالي كذلك يدرك تمام الإدراك أن ليس لديه مشروع، حتى مشروع الانفصال مشروع غير حقيقي؛ لأنه منذ أن أعلن عن الانفصال، وتشكيل دولته المزعومة، لم يتحرك خطوة واحدة إلى الأمام".
ولفت إلى أن "اتفاق الرياض واحد هو الذي عمل على وضع بنود رئيسية وأساسية، ووضع ملحقا لهذا الاتفاق للترتيبات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، جعل الانتقالي يمسك بزمام الأمور، بل أعطاه الفرصة بتحويل مليشياته إلى قوى أمنية، ومكنه كذلك من الاستحواذ على السلطة المحلية بشكل عام، وتم طرد القوات المسلحة التي تنتمي للمؤسسة العسكرية، وإخراجها من داخل عدن في 2019".
وزاد: "من هنا نُقرأ بأن الانتقالي لم يكن بمفرده الذي يصنع هذه المتغيِّرات على الأرض، بقدر ما هناك أيضا قوى إقليمية تتحكم بقراره، وتتحكم بتوجهاته".
وقال: "اليوم هذه الحكومة، التي شكلت مناصفة بين الانتقالي وبقية أجزاء الشرعية في اتفاق الرياض واحد، الانتقالي يمتلك فيها 12 وزيرا، من أهم الوزارات الخدمية، التي لها علاقة مباشرة بالمواطن، كوزارة الكهرباء، ووزارة التخطيط، ووزارة المياه، وبقية الوزارات الأخرى، والأزمة في الأساس أزمة الكهرباء، وأزمة المياه، وأزمة التخطيط والفقر والجوع، هي بيد الانتقالي".
وأضاف: "مع ذلك، يخرج الناس إلى الشوارع مطالبين بهذه الحقوق، فتخرج لهم مليشيا الانتقالي لتقمعهم وتزج بهم في السجون، سواء على مستوى الرجال، أو حتى على مستوى النساء، وقد قرأنا بالأمس ذلك البيان الذي صدر عن النساء المتظاهرات وهن يناشدن المجتمع الدولي بالتدخل لإيقاف تغول المجلس الانتقالي الذي يستخدم القوة المفرطة، والذي يهدد العناصر النسائية، ويمنعهن من الاستمرار بالمطالبة بحقوقهن".
- محاولات ستفشل
يقول الصحفي عبد الجبار الجريري: "إن مثل هذه التصريحات، التي صرح بها المجلس الانتقالي بأنه لن يقف موقف المتفرِّج، لا يمكن أن تلقى قبولا لدى الشارع في المحافظات الجنوبية؛ لأن جميع أبناء الجنوب يعلمون أن المجلس الانتقالي شريك بالحكومة، وشريك في السلطه القائمة، وشريك في هذا الفساد، وهذا الفشل".
وأضاف: "المجلس الانتقالي إما أن يكون جزءا من السلطة، أو أن يكون جزءا من المعارضة، لا يمكن له أن يضع نصفه في الحكومة والنصف الآخر في المعارضة".
وتابع: "قبل أيام، عندما خرجت المظاهرات في عدن، كلنا رأينا ماذا فعل بها المجلس الانتقالي، وعندما يتحدث المجلس الانتقالي بهذا الشكل هو يريد أن يخفف من حِدة الشارع في المحافظات الجنوبية، ويسعى إلى تهدئة أبناء عدن الذين باتوا اليوم يخرجون إلى الشارع ويصرخون بالصوت العالي 'برع برع يا انتقالي، برع برع يا شرعية'، وكذلك للتحالف".
وأردف: "رئيس المجلس الانتقالي نفسه، عيدروس الزبيدي، يترأس اللجنة العليا للإيرادات السيادية في البلاد، أي أن جميع الأموال، وإيرادات الدولة بكاملها، يفترض أنها تذهب إليه، وعلى علم كامل بها، وينفقها في الجوانب التي تحتاجها البلاد".
وأردف: "اليوم الناس تعبت وسئمت من كل هذه التصريحات، وكل هذه الشعارات، وأعتقد أن المجلس الانتقالي لا يستطيع أن يُسكِت أبناء عدن، أو أبناء المحافظات الجنوبية، وكل هذه المحاولات ستفشل".