تقارير
كيف ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في كشف حقيقة الحرب على قطاع غزة؟
مظاهرات حاشدة تعمّ العالم؛ نصرةً للقضية الفلسطينية، ومتضامنة مع غزة، ومنددة بالإجرام الإسرائيلي، وهذا ما لفت الانتباه إلى مسألة مهمة جدا: من يا ترى انتصر في معركة سردية الحرب في غزة؟ هل إسرائيل، ومن خلفها الإعلام الغربي، أم المقاومة الفلسطينية، ومن خلفها نشطاء ومناصرون للقضية؟
جرائم وحشية وحرب إبادة تقوم بها إسرائيل بحق سكان غزة، ولا تكاد تذكرها وسائل إعلام غربية، لكن على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم التضييق والتقييد، يبدو أن السردية الفلسطينية تكتسح عدوتها، وميزان التعاطف العالمي بدأ يميل بشكل واضح إلى السردية الفلسطينية.
لكن إذا كانت شعوب العالم مع غزة ومظلوميّتها، وتخرج بأعداد هائلة، رغم حظر الحكومات كألمانيا وفرنسا أي مسيرات تضامنية مع غزة، لماذا لا ينعكس ذلك على مواقف السياسيين المؤيدة لإسرائيل، أو حتى الصامتة باتخاذ موقف يردع هذا الجموح الكبير نحو القتل والقصف والتدمير؟
- أجيال جديدة
يقول الباحث الاجتماعي، محمد القباطي: "إن ما يحدث في غزة من جرائم لم يسبق لها مثيل، وتستدعي هذا التعاطف العالمي الكبير، وهو أمر مفرح جدا أن نرى هذا الاحتشاد العالمي من أجل القضية الفلسطينية، وأن نرى السردية الفلسطينية، التي ظلت مسيطرة على الشعوب الغربية، اليوم بدأت تتزعزع، وتنهار أمام السيل الهادر من الحقائق، التي تعرض على السوشيال ميديا".
وأضاف: "هناك فرق بين الغرب كمؤسسات هي في الغالب متصهينة، وبين الغرب كشعوب وأفراد، فأمريكا التي قادت الحرب على فيتنام، وخرج أمريكان كثر ضد هذه الحرب، وحينما قادت الحرب ضد العراق خرجت الشعوب الغربية في بريطانيا وأمريكا ضد هذه الحرب، لكن تظل الشعوب الغربية تسيطر عليها البربجندا الرسمية".
وتابع: "ما يأتي اليوم هو الفرق بين الأجيال، وليس الفرق الإيدلوجي بين من يقف مع إسرائيل ومن يقف ضدها، فأجيال التسعينات والألفين اليوم أكثر تصديا ورفضا للسردية الإسرائيلية، من أولئك الذين يسمون بجيل الطفرة، أو جيل إكس، من كانوا أكثر تشبثا بالسردية الإسرائيلية، التي تُنقل من خلال القنوات الغربية مثل السي إن إن، والبي بي سي".
وأردف: "جيل التسعينات والألفية أكثر تأثرا بالسوشيال من الخطابات الرسمية، في القنوات الرسمية، وهذا أحد أسباب التغير في هذا الموقف".
- تزعزع الخطاب الإسرائيلي
يقول الكاتب والصحفي أحمد شوقي: "إن ما يتعلق بالمعركة الإعلامية، التي تدور حاليا ما بين المعسكر العربي الإسلامي المؤيد للقضية الفلسطينية والمؤسسات الغربية المؤيدة لإسرائيل، فإن هناك حالة تزعزع للخطاب الإسرائيلي، الذي قّدم للعالم، الذي ظل مهيمنا على الشارع ووسائل الإعلام الغربية".
وأضاف: "اليوم هناك وسائل التواصل الاجتماعي، وإن فُرضت عليها الرقابة والحظر على المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية ولغزَّة، إلا أنه حصل اختراقات لهذه الوسائل، وكشفت الروايات الإسرائيلية الكاذبة لدى قطاع من الرأي العام أنها كاذبة، بالإضافة إلى الإدانات التي وُجهت من قِبل نشطاء ومنظمات عربية وإسلامية فاعلة في الغرب، التي عملت على التحشيد الإعلامي لمواجهة الخطاب الإسرائيلي في الغرب".
وتابع: "كل هذا سمح بأن يتزعزع الخطاب المؤيد للكيان الصهيوني، وسمح بان يكون هناك قدر لإعادة النظر في القضية الفلسطينية، وفي إحداث نقاش عام، فضلا عن أن العملية نفسها هي عملية كبيرة جدا ومثيرة للاهتمام ومحيِّرة، وأثارت نقاشا دوليا بحكم التدخل الأمريكي السافر، وإظهار مؤسسات الغرب بوجهها الحقيقي".
وأردف: "التدخل الأمريكي أعلن بشكل واضح أن هناك صراعا حقيقيا بين الشرق والغرب، وبين دول الجنوب والشمال، وأنها تقود عملية استبداد وهيمنة واستعمار ثقافي حقيقي للمجتمعات الأخرى، من خلال تعميم مفاهيم ظاهرها جيّد من حيث الشكل، لكن مضامينها موجهة لأغراض استعمارية غربية".
وزاد: "هناك أسباب ذات جذور فكرية وثقافية، وأسباب لها علاقة بتكنلوجيا المعرفة، في مسألة تعاطف الشعوب الغربية مع فلسطين أو مع إسرائيل، فالأسباب ذات الجذور الفكرية والثقافية أن تعاطف شعوب الغرب مع إسرائيل متعلق بعقدة الذنب، التي ارتبطت بالهولوكوست، التي جرت لليهود، وأيضا المجتمع الأوروبي كان يكره اليهود عموما، وخصوصا فقراءهم، وعلى أساس ذلك تم إجلاؤهم باعتبارهم ضمن عوامل الإفساد في المجتمع الأوروبي، وبدأ ذلك منذ وثيقة وعد بلفور سنة 1914م".
وقال: "تدخلت عدة دول أوروبية في تنفيذ مضمون وثيقة وعد بلفور في إجلاء اليهود من أوروبا إلى الشرق، وارتبطت بعد ذلك بالهولوكوست، التي حصلت في الأربعينات لليهود، حيث بدأ الغرب يشعر بالتعاطف مع اليهود، لكن هذا الأمر تضاءل مع مرور الزمن، حيث أصبح اليهود يعاملون بشكل تمييزي إيجابي، في المجتمعات الأوروبية، وهيمنتهم على الاقتصاد، ووسائل الاتصال، جعلتهم في موضع المستهدِف، وليس المستهدَف".
وأضاف: "وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعرفة والإنترنت سمحت للأجيال الأخيرة بأن تطّلع على المعرفة من مصادر متنوّعة ومن ثقافات ولغات مختلفة، وجعلت هناك ضرورة لإيجاد مفاهيم واضحة، فالاحتلال هو احتلال، حيث كان في السابق لا يطلق على الكيان الصهيوني مسمى الاحتلال، لكن الآن يطلق عليه في ويكيبيديا، وفي اللغة الإنجليزية".
وتابع: المعلومات، التي أصبحت منتشرة عبر الإنترنت، ساعدت هذا الجيل أن يطّلع على القضية بشكل أكبر، كذلك المنظمات العربية والإسلامية الموجودة في المجتمعات الغربية، وكذلك الهجرات العربية والإسلامية من البلدان المنكوبة، كلها ساهمت في تبنِّي وجهة النظر المؤيدة لفلسطين".
- تفنيد روايات "إسرائيل"
يقول الإعلامي الفلسطيني، ضياء الورديان: "إن محاولة جيش الاحتلال وقادة الاحتلال للترويج بأن مقاتلي القسام وأفراد حماس ارتكبوا الجرائم، ارتد عليهم عكسا، فاليوم أصبح غالبية الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، ويستطيعون استقاء الأخبار من أي اتجاه".
وأضاف: "تغريدة واحدة لصحفي أمريكي كانت قادرة على تفنيد رواية قطع رؤوس الأطفال تحديدا، عندما فحص الصورة المصممة على الذكاء الاصطناعي، كان الأمر مفاجئا لهم، وكشفت الحقيقة، حتى إن حساب رئيس وزراء الاحتلال الرسمي قام بحظر الصحفي الأمريكي، الذي قام بنشر التغريدة".
وتابع: "الواقع اليوم يقول إن الناس عبر السوشيال ميديا، وكل من يتفاعل ويمتلك حسابا عبر الشوشيال ميديا، لديه مفتاح المعلومة، وكل ما يمكن التفكير فيه".
وأردف: "لا يزال قادة الاحتلال مصرين على روايتهم؛ رغم تنفيذها من قِبل رؤساء دول وقادة سياسيين، كانوا قد صرحوا بها، ونفوا أنهم شاهدوا أي مشاهد تدل على ذلك، لكن الاحتلال يصر على روايته؛ لأنها الرواية الوحيدة التي يحاولون من خلالها تشبيه حماس بالجماعات الإرهابية، رغم زيفها وكذبها".