تقارير
كيف نفهم تحوّل الصراع إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل؟
تصعيد غير مسبوق يهزّ المنطقة ويغيّر قواعد الاشتباك التقليدية، هجوم إسرائيلي مباغت يطال عُمق إيران بغارات واسعة النطاق، نفّذها سلاح الجو مستهدفًا بنية القيادة الإيرانية النووية والعسكرية، بما في ذلك مستودعات الصواريخ، ويقتل العشرات من القادة، بينهم مجموعة من قادة الصف الأول العسكريين والخبراء، فيما تردّ طهران بموجات صاروخية تربك سماء تل أبيب.
مشهد عسكري يعيد تشكيل المشهد السياسي الأشد تعقيدًا، وسط تحذيرات من أن الحرب لم تعد احتمالًا، بل واقعًا يفرض نفسه على الأرض.
ففي قلب هذا التصعيد تتباين مواقف القوى الدولية، حيث تدعم الولايات المتحدة إسرائيل سياسيًّا وعسكريًّا، بينما أعلنت باكستان انحيازًا صريحًا لطهران، في موقف فاجأ كثيرين وحرّك المياه الراكدة في الجغرافيا الإسلامية.
خيارات صعبة أمام إيران
يقول الباحث السياسي العراقي، نظير الكندوري: "نحن تجاوزنا مرحلة الحرب بالوكالة نحو مواجهة مباشرة، وهذا الذي كان متوقعًا، وفعلاً حدث ذلك".
وأضاف: "بعدما استطاعت إسرائيل أن تقضي على بعض وكلاء إيران في المنطقة، انتقلت إلى أن تتعامل مع محرك هذه الأذرع في المنطقة".
وتابع: "كأنّ إسرائيل قد أبرمت على نفسها عهدًا أنها إمّا أن تُنهي هذا النظام، أو تجعله مشلولًا غير قادر على ممارسة نفوذه كما كان يفعل قبل سنوات".
وزاد: "وبالتالي، تحاول إسرائيل مدّ نفوذها على المنطقة، وتكون هي الآمر الناهي، لا ينازعها على ذلك أحد. وهذا حلم كانت تحلم به إسرائيل، وبالذات نتنياهو".
وأردف: "حلم إسرائيل هو التخلّص من شيء اسمه إيران، لأنها كانت منافسًا حقيقيًّا لنفوذها في هذه المنطقة".
واستطرد: "وبالتالي، أنا أعتقد أن هذه المعركة ربما ستكون صفرية، على عكس المواجهات التي حدثت، فالآن كل الخيارات بالنسبة لإيران صعبة".
وأوضح: "أن تتوقف إيران ولا ترد على الضربات الإسرائيلية، هذا يعني انتهاء نفوذها وسقوطها في عين أتباعها، ولا يمكن أن تتفاعل أو تتعامل مع هكذا وضع".
ويرى أن "استمرارها في الحرب وضرب إسرائيل ضربات موجعة، فهذا يعني أن الدول الغربية أيضًا ستساند إسرائيل، وبالتالي ستكون في مواجهة مع دول العالم الكبرى، سواء الولايات المتحدة، أو باقي الدول كـبريطانيا وفرنسا، اللتين أعلنتا أنهما على استعداد لدعم إسرائيل".
وأكد: "كل الخيارات أمام النظام الإيراني هي خيارات صعبة، وأعتقد أنهم ربما وقعوا في شرّ أعمالهم، وواجهوا كيانًا مدعومًا غربيًّا".
وقال: "نحن لا نتعامل مع إسرائيل، هذا الكيان الذي يحتل فلسطين، بهذه البقعة الجغرافية الصغيرة، إنما نتعامل مع الذي يدعمها كالولايات المتحدة، وباقي الدول الغربية".
وأضاف: "لنتصوّر النفاق الغربي، قبل أيام من بدء هذه الحرب، كانت هناك قيادات غربية كـبريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا، أصدرت عقوبات على بعض الشخصيات في الكيان الصهيوني، واليوم جميع هذه العواصم الغربية تبدي مواقف داعمة للكيان الصهيوني، وكأنّهم لديهم خصومة مع نتنياهو كشخص، أما المشروع الصهيوني -المشروع الإسرائيلي- فليس لديهم مشكلة معه، ويعتبرون مثل هذه الحرب تهدد الكيان الصهيوني تهديدًا وجوديًّا".
وتابع: "إيران لا قِبَل لها بمثل هذه المواجهة، بعد أن فعلت ما فعلت بشعوب المنطقة، وجعلت من نفسها عدوًا لهذه الشعوب، وبالتالي ربما لا تلقى دعمًا من هذه الشعوب أو حتى من الأنظمة التي في هذه المنطقة".
محاولة للحفاظ على سقف المواجهة
يقول الباحث والمحلل في الشؤون العسكرية والأمن البحري، الدكتور علي الذهب: "رغم أنه كان هناك انقسام في الرأي حول: هل ستضرب إسرائيل قبيل استئناف المفاوضات، في الخامس عشر من هذا الشهر؟ وكان البعض يرجّح أن التصعيد الحاصل إعلاميًّا كان ورقة سياسية للضغط نحو دفع إيران نحو القبول بالاشتراطات التي يضعها المفاوض الأمريكي وأعضاء الاتفاق 5+1".
وأضاف: "لكن في كل الأحوال، كان ربما عنصر المفاجأة، أو حتى كان البعض يدرك تمامًا أن هنالك هجومًا وشيكًا، لكن يبدو أن الإيرانيين ركنوا إلى معلومات من أصدقاء موثوقين -وهي معلومات مضللة بالطبع- بأنه لن يكون هنالك أي هجوم، وبالتالي تلقّوا ضربة موجعة ومفاجئة، أفضت إلى القضاء على عناصر قيادية كبيرة في الجيش وفي الحرس الثوري الإيراني، فضلًا عن علماء في الذرّة أو في البرنامج النووي".
وتابع: "إضافة إلى ذلك الأهداف التقليدية، التي تنفذها أي ضربة أولى يشنّها جيش تجاه جيش آخر، وهي مراكز القيادة والسيطرة والمطارات وقواعد الدفاع الجوي والموانئ والمطارات، وما إلى ذلك".
وأردف: "ربما كانت الضربة مؤلمة ومشتتة لأذهان الإيرانيين، لكن الإيرانيين حاولوا امتصاص هذه الضربة واستعادة زمام المبادرة. ومع ذلك، لا يبدو أنهم قادرون على أن يكون هنالك رد أو استجابة عنيفة بحجم ما تعرّضوا له من ضربات".
واستطرد: "وهذا يعود إلى كثير من الأسباب، من بينها أن إسرائيل لا تقاتل وحدها، وأن إيران في كثير من الأحوال لديها قوة دفاعية أكثر منها هجومية على مستوى الأرض، نتيجة الحصار الذي تعرّضت له والعقوبات المفروضة عليها طوال أكثر من عشر سنوات".
وزاد: "الحرب في الوقت الراهن هي حرب صواريخ وطائرات، يعني أنها حرب جوية واستعراض قوة إستراتيجية عابرة للدول، وليس هنالك اشتباك أرضي بحيث يمكن القول إنّ المشاهد واضحة، كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية".
وقال: "الآن هناك محاولة للحفاظ على سقف معين من المواجهة، وإن كانت إيران تبدو هي الأضعف، إلا إذا انخرط الطرفان في مواجهة أوسع، بحيث إنّ إيران تمدّ يدها نحو الأصول الأمريكية الموجودة في المنطقة، وعلى رأس ذلك القواعد الأمريكية الموجودة في الخليج، والدفع بها في إطار الحفاظ على مستوى معين من العنف المتبادل، إلى القبول بشروط التفاوض التي تضعها الولايات المتحدة، فيما يخص البرنامج، وأيضًا ما تطرحه إسرائيل".
الحرب في بدايتها
يقول الخبير العسكري والإستراتيجي الأردني، جلال عبّادي: "إن الحرب في بدايتها بين إيران وإسرائيل، وكانت هناك اتصالات مكثّفة بين القيادتين الأمريكية والروسية، واتفق الطرفان - إذا كانا صادقين - على ضرورة وقف العمليات العسكرية، والغارات الجوية، والصواريخ، بين الطرفين".
وأضاف: "أنا أتوقع أن هذه المعركة ستستمر، لأن أمريكا وإسرائيل يريدونها، ويتوقّعون أن إيران ضعيفة حاليًّا في الوقت الحاضر، خاصة بعد أن أذرعها في المنطقة تلقّت صدمات كثيرة، وضربات موجعة، سواء في لبنان أو في العراق أو في الجولان، وحتى في اليمن".
وتابع: "اليوم، رئيس وزراء إسرائيل يقول إنه من الصعب جدًّا القضاء على المشروع النووي في إيران، وأنه في النهاية لن يُحلّ هذا الموضوع إلا بالمفاوضات، وهو مضى عليه أكثر من عامين، ويضع الخطط، على أن هذا الموضوع لا يُحلّ إلا بالحل العسكري، ويجرّ الولايات المتحدة والغرب معه".
وأردف: "أنا أتوقّع أن المعارك ستستمر خلال اليومين أو الثلاثة القادمة؛ لأن حتى اليوم امتدّت الغارات الجوية على جنوب إيران، على ميناء بندر عباس، وعلى المنطقة الساحلية، وما يُخشى الآن أن يتم إغلاق مضيق هرمز".
وزاد: "إذا تم إغلاق مضيق هرمز من قِبل إيران، فهذه ستكون كارثة لكل العالم؛ لأنه يمرّ فيه 25% من النفط، وتمرّ فيه تجارة عالمية وحاجات ضرورية، ويمثّل عصب الاقتصاد".
وأوضح: "يعني ستكون الأزمة عالمية، وليست بين إيران وإسرائيل فقط، حتى روسيا والصين تخشيان هذا".