تقارير
كيف يمكن تجاوز الازدواجية في السلطة الشرعية لتحقيق مصلحة اليمن؟
كلٌّ من الحكومة الشرعية في اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي، يعملان كرأسين لجسد واحد، مما يخلق تضاربًا في القرار وشللاً في الحركة، وهذا التباين لا يعطّل فقط المساعي نحو مشروع وطني موحد، بل يؤدي أيضًا إلى تحويل المؤسسات الحكومية إلى مجرد أدوات للنفوذ والصراعات الشخصية، بدلًا من أن تكون ركائز لبناء الدولة وخدمة مواطنيها.
الصراع المستمر على النفوذ والاختلاف في التوجهات، ينعكس سلبًا وبشكل مباشر على الأداء الإداري والخدمي في البلاد، فالفوضى الإدارية تتعمق يومًا بعد يوم، وتتدهور الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين بشكل مؤلم، ويزداد الوضع تعقيدًا بانقسام طرفي التحالف الإقليمي، الرياض وأبو ظبي، فهما اللذان يغذيان الأزمة ويسهمان في إطالة أمدها، وينعكس ذلك بدوره على سلوك وكلائهما المحليين، مما يزيد من تشابك الأزمة ويمنع التوصل إلى حلول مستدامة.
بذور الانقسام
يقول رئيس الدائرة السياسية للحزب الاشتراكي بتعز، فهمي محمد، إن الانقسام الحاصل والمستمر في المجلس الرئاسي، يعود في الأساس إلى تركيبة المجلس منذ البداية، حيث كانت تحمل في طياتها بذور الانقسام، على اعتبار أن هناك تكتلات سياسية أو شخصيات ضُمّت إلى المجلس الرئاسي ولديها قضايا تعتبرها أولويات.
وأضاف: على سبيل المثال، المجلس الانتقالي يرى أن أولويته في العمل السياسي، وفي الحالة النضالية له، هي استعادة دولة الجنوب وما إلى ذلك، وبالتالي اليمنيون عندما استبشروا في المجلس الرئاسي، كانت حساباتهم تنطلق على أساس إصلاح العلاقة القائمة والاختلالات والإخفاقات في معسكر الشرعية، بالنسبة لمواجهة الحركة الحوثية.
وتابع: لكن تصورات العمل السياسي أو تصورات الواقع أو تصورات الشرعية، بالنسبة لهياكل مجلس القيادة الرئاسي والمكونات التي ضُمّت داخله، هذا -أنا أعتقد- لم يُناقش بشكل مستفيض، ولم تُطرح التصورات السياسية والحلول القائمة في ذلك الوقت، وبالتالي امتدت مسألة الانقسامات القائمة على أساس أن هناك أولويات لدى بعض أعضاء المجلس الرئاسي.
وأردف: إذا ما تحدثنا اليوم بالتحديد عن رئيس الجمهورية الممثل للشرعية، وعيدروس الزبيدي، ممثل المجلس الانتقالي، سنجد أن أولويات الطرفين تختلف، أي لا توجد قضية مركزية هي الأولوية بالنسبة للطرفين.
وزاد: من ناحية ثانية، الأطراف الإقليمية -أنا أعتقد- بعد أن انتهت المعركة العسكرية مع الحوثيين، بدأت تفكر في مصالح مستقبلية لها كدول إقليمية، وبالتالي هذا يزيد الطين بلة.
وقال: إذا لم يكن هناك ضغط إقليمي لمسألة إصلاح الاختلالات القائمة داخل المجلس الرئاسي، ستزيد المسألة تعقيدًا.
البناء على الفشل
تقول الباحثة بلقيس اللهبي، إن فشل مجلس القيادة الرئاسي، كونه بُني على فشل مؤسسة الرئاسة بقيادة الرئيس هادي مسبقًا، حيث لم يستطع هادي البقاء في القصر المدور بالتواهي وهو القصر الجمهوري الرئيسي، لم يعش فيه يومًا واحدًا، وربما عاش في قصر معاشيق لفترة محدودة جدًا.
وأضافت: بالتالي أتت أحداث أغسطس لكي تذهب بنا إلى اتفاق الرياض، الذي لم يُنفّذ فيه الجزء الأمني والعسكري، وهذا أمر مخل جدًا، وهذا الفشل المتراكم هو نتيجة غياب مؤسسات الدولة في عدن.
وتابعت: عدن أُخليت في فترة علي عبد الله صالح من مؤسسات الدولة، ومن تقاليد الدولة التي كانت مرساة من أيام الحكم البريطاني، وبعدها الحزب الاشتراكي، وتقاليد الدولة تُبنى لأعوام طويلة، ولا تُبنى في يوم وليلة.
وأردفت: مؤسسات الدولة بشكل حقيقي هي في صنعاء، وفشلت الشرعية في أن تبني مؤسسات للدولة داخل عدن، وهو ما يجعل كل أدائها مفرغًا من محتواه، حتى الهدف الرئيسي الذي دُعم من جماهير يمنية عديدة في مواجهة انقلاب ميليشيا الحوثي، أصبح آخر اهتماماتهم.
وزادت: فشل مجلس القيادة الرئاسي لعدة أسباب، أولها، أنه أُنشئ خارج اليمن، وبقرار ليس يمنيًا، وبمهام غير واضحة، ولم يستطع حتى الآن أن يُنجز هياكله الداخلية ونُظمه، وأساس علاقاته ببعضه البعض.
وقالت: أستطيع أن أقول، إن المجلس الانتقالي نجح في أن يقلل من أهمية الانفصال لدى الجنوبيين، وتمكن من تقليص آمالهم بدولة مستقبلية.
مظاهر الازدواجية داخل المجلس
يقول الصحفي عبدالجبار الحريري، إن من أهم المظاهر التي نجمت عن هذه الازدواجية، التي يعمل بها المجلس الرئاسي منذ تأسيسه وإلى اليوم، هي غياب مؤسسات الدولة، لا توجد مؤسسات دولة بالمعنى الحقيقي.
وأضاف: الأمر الآخر، أيضًا هناك عدد كبير من القرارات التي اتُّخذت بشكل متباين، وبشكل معاكس، مثلًا عيدروس الزبيدي اتخذ عددًا من القرارات تتعلق بتشكيلات عسكرية، ورشاد العليمي اتخذ بعض القرارات، فكانت هناك قرارات متضادة ومتباينة، ليس بينها انسجام أبدًا.
وتابع: كل هذه الازدواجية، التي تحدث في هيكل الدولة، من الرأس إلى مفاصل الدولة بشكل كامل، أثرت على المعيشة اليومية للمواطنين، سواء في عدن أو في بقية المحافظات المحررة، أثرت على الخدمات، الكهرباء، التعليم، والصحة، وانعكست سلبًا على حياة الناس.
وأردف: هذه الخلافات داخل مجلس القيادة انعكست سلبًا على العملة الوطنية، وتسببت بتدهور الوضع المعيشي.
وزاد: لا توجد رؤية منسجمة وواحدة لأعضاء المجلس الرئاسي، وبالتالي كل هذه الإشكاليات والاختلافات التي بينهم انعكست سلبًا على مظاهر الحياة في المحافظات المحررة.
قرار النجاح بيد التحالف
يقول الصحفي صلاح السقلدي، يجب أن نتذكر أن التركيبة البنيوية للمجلس الرئاسي هي أساسًا بُنيت على مشاريع متصادمة تمامًا، متعاكسة تمامًا، سواء فيما يتعلق بالمشروع الجنوبي، والذي يقابل المشروع اليمني وهو مشروع استعادة الدولة.
وأضاف: هذا فضلًا عن الخلافات التي تعصف بالطيف الواحد داخل المؤتمر الشعبي العام، والرئيس العليمي، وحزب الإصلاح.
وتابع: هذه التباينات وهذه التناقضات الموجودة داخل المجلس الرئاسي كانت متوقعة تمامًا، وليس من المستغرب أن نرى ما نراه اليوم من خلافات، بل المفاجئ كان في حال تحقق ما يصبو إليه المجلس.
وأردف: المجلس -بالمناسبة- مستند الآن إلى وثيقة نقل السلطة، ومهمة المجلس حددتها تلك الوثيقة بالتفاوض والحوار مع الحوثيين حوارًا سلميًا، أما فيما يتعلق بإجراءات توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، فهذه كانت موجودة باتفاق الرياض الأول ولم تُنفّذ، والأسباب نعرفها تمامًا.
وزاد: هذا الفشل الذي نراه اليوم، جراء تنازع أكثر من طرف، ولكن في تقديري، إذا دفع التحالف بجهده، وضغطه، وثقله، لإنجاح مهمة هذا المجلس، لاستطاع أن ينهض به.