تقارير

لماذا أربك الاتفاق السعودي الإيراني أطراف الصراع في اليمن؟

20/03/2023, 16:05:07
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد

يُعد اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران أهم متغير مثير في الصراع الإقليمي الذي ما زالت تفاعلاته في ذروتها ولم يُحسم بعد، وإذا كان ذلك الاتفاق قد فاجأ العالم وحظي باهتمام إعلامي كبير، فمن الطبيعي أن يتسبب بإرباك أطراف الصراع في اليمن، البلد الذي شهد أول حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، وكانت عملية "عاصفة الحزم" أول معركة تخوضها السعودية منذ تأسيسها، وكانت بمنزلة اختبار لقدراتها العسكرية ونفوذها الإقليمي.

وإذا كان محور الاهتمام بالمصالحة السعودية الإيرانية بسبب بروز الصين كلاعب جديد في منطقة تعد ساحة نفوذ للولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا العداء الذي كان يبدو مستحكما بين السعودية وإيران، بيد أن تسليط الأضواء على الملف اليمني كأهم اختبار لنجاح المصالحة السعودية الإيرانية، زاد من صدمة وارتباك أطراف الصراع في اليمن، لاسيما أن للسعودية وإيران ثقلهما الكبير والمؤثر على الصراع في البلاد.

- بين الحذر والترحيب واللامبالاة

لقد شكل اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران مفاجأة كبيرة في أوساط مختلف الأطراف اليمنية، جراء عدم اليقين من طبيعة تأثير ذلك الاتفاق على الأوضاع في البلاد بشكل عام، أو عدم وضوح رؤية الدولتين لطريقة إنهاء الصراع الذي ظلتا تغذيانه طوال السنوات الماضية، والكيفية التي ستدير بها الدولتان خلافاتهما حول النفوذ الإقليمي ووضع حلفائهما في مختلف بلدان الصراعات ذات البعد الطائفي في المشرق العربي.

وتتجلى صدمة الأطراف اليمنية من اتفاق المصالحة السعودية الإيرانية في تباين ردود أفعالها منه بين الحذر والترحيب واللامبالاة، فالحكومة اليمنية الشرعية أصدرت بيانا صيغ بحذر شديد أعربت فيه عن أملها في أن "يشكل الاتفاق مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة، بدءا بكف إيران عن التدخل في الشؤون اليمنية".

أما مليشيا الحوثيين، فقد رحبت بالاتفاق، لكنها لم تتطرق إلى تأثيره على الوضع في اليمن، ولم تبدِ استعدادها للسلام، وبدت وكأن الاتفاق لا يعنيها بشيء أو لن يكون له تأثير عليها، وذهبت بعيدا في الحديث عن الاتفاق وربطه بالتدخل الأجنبي وأمن الأمة الإسلامية، حيث قال المتحدث باسم المليشيا، محمد عبد السلام، إن "المنطقة بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها، لتسترد بها الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية".

كما رحب المجلس الانتقالي أيضا باتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، لكنه لم يتطرق إلى تأثير الاتفاق على الملف اليمني ولم يلمح للسلام في اليمن، وبدا بيانه أقرب إلى بيان مليشيا الحوثيين، عندما وصف الاتفاق بـ"التطور الإيجابي على أمل أن يسهم ذلك في توطيد الأمن والاستقرار في منطقتنا والعالم". فمليشيا الحوثيين والمجلس الانتقالي ذهبا بعيدا في حديثهما عن اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران، وربطه بأمن المنطقة والأمة الإسلامية والعالم، بالرغم من حديث مراكز دراسات وخبراء عن أن الملف اليمني هو أول اختبار حقيقي لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران.

- من سيدفع ثمن المصالحة؟

يبدو الصراع في اليمن وجوديا، فإما حكم جمهوري ديمقراطي أو حكم سلالي طائفي عنصري، وإما أن يتحقق انفصال الجنوب أو تبقى الوحدة اليمنية بشكلها الحالي أو بالتحول إلى حكم فيدرالي اتحادي من ستة أقاليم، ولذلك فالمصالحة السعودية الإيرانية لا يمكن أن تحقق في اليمن مصالحة نتيجتها نظام نصفه جمهوري ونصفه الآخر سلالي، ولا يمكن المزج بين الوحدة والانفصال، وبالتالي فإذا كان لا بد أن تتم تسوية سياسية للصراع في اليمن، فلا شك أن أحد الأطراف سيقدم تنازلات كثيرة لتكون ثمنا للتسوية السياسية.

وهنا تكمن صدمة الأطراف اليمنية من ذلك الاتفاق، فالمعركة في اليمن معركة وجود وليست معركة حدود. وأما صدمة الأطراف اليمنية من الاتفاق السعودي الإيراني لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فالأمر يعكس استمرار حاجة كل طرف لحليفه الأجنبي، السعودية أو إيران، وأيضا خشية كل طرف من أن يتخلى عنه حليفه الأجنبي ويقدمه كقربان أو ثمن المصالحة بين دولتين كانتا سببا في تفاقم مآسي البلاد بعد تحويلها إلى ساحة للحرب بينهما بالوكالة.

وهناك مخاوف لكل طرف على حده، فالحكومة اليمنية الشرعية، أو بعض المخلصين للقضية اليمنية فيها، تساورهم شكوك في أن تتنازل السعودية عن اليمن لإيران مقابل ضمانات تتعلق بأمنها،  لاسيما أن السعودية فشلت طوال ثماني سنوات في إدارة المعركة ضد مليشيا الحوثيين، وكانت نتيجة تدخلها العسكري بذريعة دعم السلطة اليمنية الشرعية أن أصبح من يحمي حدود المملكة مع اليمن جنود يمنيون.

وأيضا هناك مخاوف في الأوساط الشعبية وبعض الأوساط الرسمية من أن يكون اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران مجرد "فخ" نصبته إيران للسعودية، لتضمن مكاسب للحوثيين لن يحققوها بواسطة العمل العسكري، ومنحهم "الشرعية السياسية" عبر تسوية سياسية تخرجهم من وصفهم مليشيا انقلابية إلى شركاء في السلطة الشرعية، ليتسنى لهم الانقلاب عليها من داخلها وتقديم أنفسهم للمجتمع الدولي كحكام شرعيين، أو على الأقل الهيمنة على البلاد والتعامل مع بقية المكونات كأتباع، كما هو حاصل في العراق الذي يهيمن عليه حلفاء إيران.

أما مليشيا الحوثيين، فبالرغم من أنها تبدو مطمئنة لاستمرار الدعم الإيراني بوسائل مختلفة، ومطمئنة بسبب عجز السعودية وفشلها، لكن التركيز على الملف اليمني باعتباره أول اختبار للمصالحة السعودية الإيرانية، سيجعل المليشيا تخشى من أن تُفرض عليها تسوية سياسية تكون بنودها ليست في مصلحتها، رغم أنها تحاول حاليا الظهور بمظهر اللامبالاة بذلك الاتفاق.

وإذا أصرت المليشيا على عدم تقديم تنازلات لتحقيق تسوية سياسية عادلة، فهي، أي المليشيا الحوثية، تخشى أن يكون البديل هو توحد مكونات الصف الجمهوري وإعلان معركة سريعة وحاسمة للقضاء عليها، وسط تحييد تام للسعودية وإيران حتى لا تتأثر المصالحة بينهما، وبالتالي ستخسر المليشيا كل شيء دفعة واحدة، لكن استمرار الصراع بين إيران والسعودية، فإن ذلك يعني استمرار الصراع في اليمن وبالتالي مراكمة المليشيا لمكاسبها، لأن التهديدات الإيرانية والضغوط الدولية وفشل السعودية والانقسام بين مكونات الحكومة اليمنية الشرعية، كل تلك العوامل تمد الحوثيين بأسباب البقاء.

وكذلك الأمر بالنسبة للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، فهو مرتبك بشأن مصير مشروع الانفصال بعد المصالحة السعودية الإيرانية، لأن التسوية المطلوبة للصراع غير واضحة المعالم، لاسيما أن تلك المصالحة جاءت بعد توتر العلاقة بين المجلس الانتقالي والسعودية، وأيضا بعد بروز خلافات بين الإمارات والسعودية في اليمن، إثر حراك عسكري سعودي مكثف في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية بدا مناهضا للمجلس الانتقالي، وتشكيل السعودية ما سمتها "قوات درع الوطن" لتكون تابعة لها في مزاحمة المجلس الانتقالي بمناطق سيطرته، وحيلولة السعودية دون سيطرة المجلس الانتقالي على محافظة حضرموت.

كما أن المجلس الانتقالي أعرب عن قلقه، في وقت سابق، بخصوص المحادثات المباشرة بين السعودية ومليشيا الحوثيين، لاسيما أن السعودية لم تطلع حلفاءها على محادثاتها مع الحوثيين. وحذر المجلس الانتقالي من أي اتفاق "يتجاوز حدود جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة".

- لا مؤشرات إيجابية

إذا استثنينا مفاوضات جنيف بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثيين لإطلاق سراح الأسرى لدى الجانبين باعتبارها امتدادا لاتفاق ستوكهولم في أواخر 2018، فإنه بعد الإعلان عن المصالحة بين السعودية وإيران، واعتبار اليمن أول اختبار عملي لتلك المصالحة، لم تبدر من مختلف أطراف الصراع في اليمن مؤشرات إيجابية للتعاطي مع تلك المصالحة وما إذا كانت ستنعكس نتائجها إيجابيا على الصراع في البلاد، بل فقد كان العكس هو الصحيح، كأحد علامات الارتباك الذي تسببت به تلك المصالحة.

ففي حين كثفت مليشيا الحوثيين من هجماتها على مواقع الجيش الوطني في جبهات تعز ومأرب، واندلاع اشتباكات بعضها عنيفة إثر ذلك، لتوحي المليشيا بأن المصالحة السعودية الإيرانية لا تهمها، فإن وزير الدفاع في الحكومة الشرعية كثف من زياراته الميدانية لألوية الجيش الوطني، مشددا على رفع الجاهزية القتالية للقضاء على الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة، في رسالة موجهة لمليشيا الحوثيين تعني الاستعداد للحرب.

بدوره، وصل رئيس المجلس الانتقالي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، إلى العاصمة الروسية موسكو، لحشد الدعم لمشروع انفصال جنوب اليمن، وفق ما أفاد به إعلام المجلس الانتقالي، للإيحاء بأن المصالحة بين الرياض وطهران لا تهم المجلس الانتقالي، وأن مشروع الانفصال سيظل قائما، وربما أن تلك الزيارة بإيعاز إماراتي، مع أن روسيا مشغولة بحربها في أوكرانيا وأزمتها مع حلف الناتو، وليست متفرغة للتدخل في مناطق ليست ضمن مجالها الحيوي.

في المحصلة، هناك مبالغات بشأن المصالحة السعودية الإيرانية وانعكاساتها على صراعات الإقليم، ولعل تلك المبالغات سببها أن المصالحة بين عدوين لدودين برعاية صينية تعد مؤشرا على دور صيني فاعل في المنطقة أكثر من كون الأمر مجرد مصالحة بين بلدين ستعود علاقاتهما إلى ما كانت عليه قبل عام 2016، وأيضا انزعاج إسرائيل المبالغ فيه من تلك المصالحة باعتبارها ستقلص حائط الصد بينها وبين إيران، وفشل مشروع واشنطن في إقامة حلف ناتو شرق أوسطي يضم إسرائيل وحلفاء أمريكا ضد إيران.

وإذا كانت الصين بثقلها ستظل راعية للاتفاق بين طهران والرياض، إلا أن تجارب اليمنيين مع الحوثيين في نقض العهود والاتفاقيات، وتجارب المجتمع الدولي مع إيران في انتهاك الاتفاقيات، كل ذلك يزيد من ضبابية مستقبل المصالحة، فإيران حولت الاتفاق النووي إلى أزمة بحد ذاتها بسبب انتهاكاتها له، وقبل ذلك رفضت تسليم الطائرات المدنية والعسكرية العراقية التي كانت مودعة لديها لحظة اندلاع حرب الخليج الثانية. وفي كل الأحوال، سيظل اليمنيون تائهين بين عداوات دول الإقليم ومصالحاتها، بسبب غياب حكومة قوية مستقلة بقرارها الوطني وتضع حدا للتدخل الأجنبي في البلاد.

تقارير

"قانون دعم فاتورة المرتبات".. تشريع حوثي جديد لنهب حقوق الموظفين

بعد مضي أكثر من 8 سنوات مذ توقفت عملية صرف مرتبات موظفي وحدات الخدمة العامة، ومنتسبي الجيش والأمن في صنعاء، والمناطق الخاضعة للجماعة، أقدمت مليشيا الحوثي على إصدار قانون دعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة بشكل مخالف للدستور والتشريعات في البلاد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.