تقارير
مأرب.. فتيات مهاجرات عالقات تحت نيران الحرب والاستغلال والجوع
تعيش الفتيات الأفريقيات المهاجرات في اليمن ظروفًا إنسانية قاسية بين مقصلة الاستغلال والتعذيب من جهة، وبين معاناة الجوع والحرب والبرد من جهة أخرى. فقد وجدن أنفسهن عالقات بين صعوبات منعت عودتهن إلى ديار فررن منها بسبب الحروب، وبين حرب داخل اليمن قطعت طريقهن إلى المملكة العربية السعودية، حيث كن يطمحن إلى العمل وتحسين أوضاع أسرهن.
- هروب إلى المجهول
"زُبرى"، فتاة تبلغ من العمر عشرين عامًا، قدمت إلى اليمن بطريقة غير شرعية عبر البحر، على متن قارب تهريب.
تحكي قصتها قائلة لموقع "بلقيس": "نزلنا من القوارب في محافظة شبوة جنوب اليمن، وانتقلنا بعدها إلى منطقة الرويك.
كنا نريد الذهاب إلى السعودية للعمل، لكننا عندما وصلنا قالوا إن الطريق مليء بالمشاكل والحرب".
وأضافت: "جلسنا هناك في الرويك ثمانية أشهر، تعبنا كثيرًا ومرضنا، وبعض المهاجرين توفوا بسبب المرض، وآخرون قُتلوا بالرصاص".
تتحدث زُبرى بلغة عربية متقطعة لكنها تحمل في كلماتها مرارة التجربة.
بعد ثمانية أشهر من الانتظار والمعاناة، قررت زُبرى الانتقال مع عشرين آخرين، من بينهم ثماني فتيات، عن طريق أحد المهربين مقابل 500 ريال سعودي، على متن سيارة مكشوفة ليلاً نحو الحدود الشمالية مع السعودية في محافظة صعدة، غير أن محاولتهم عبور الحدود فشلت، حيث اعترضهم مسلحون.
- صنعاء سجن كبير
"جرونا بالقوة، ونقلونا على متن أطقم مسلحة إلى صنعاء، وهناك أدخلونا إلى السجن"، هكذا تصف زُبرى انتقالها القسري إلى العاصمة صنعاء.
وتابعت: "بقيت في السجن ثلاثة أشهر. وبعدها طلبوا منا دفع مبالغ مالية مقابل الإفراج عنا، أهلي حولوا لي من إثيوبيا مبلغ 2000 ريال سعودي، وسلمته للمسلحين الذين أطلقوا سراحي مباشرة".
تصف زُبرى السجن، الذي احتجزت فيه، بأنه "واسع وكبير"، وكان يضم نحو ثلاثة آلاف سجين وسجينة من المهاجرين الأفارقة. يقع هذا السجن شمال العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي.
خلال احتجازها، تعرضت زُبرى للضرب والإهانة: "كانوا يضربونني ويجرونني من شعري"، حسب قولها.
وأضافت: "في السجن لم يكن هناك مياه نظيفة للشرب أو مياه كافية للاغتسال، كما لم يكن هناك فراش أو وسائل للتدفئة، فكنا ننام على الأرض ونتعرض للبرد الشديد".
وأوضحت: "أحياناً كانوا يأتون لنا بالطعام، وأحياناً لا يعطونا شيئاً فنضطر للنوم دون طعام".
بحسب روايتها، فإن السجناء، الذين لا يستطيعون دفع المبالغ المالية، يبقون في السجن لأكثر من عام، بانتظار أن يتمكنوا من جمع المبلغ أو أن تبادر أسرهم بإرسال المبالغ المطلوبة.
بعد الإفراج عنها، تم ترحيل زُبرى قسرًا إلى العاصمة المؤقتة عدن، ومن هناك، توجهت مجددًا إلى مأرب، حيث لا تزال عالقة بانتظار فرصة للعودة إلى إثيوبيا أو عبور الحدود السعودية، تقول زُبرى بحسرة: "نجوت من السجن، لكنني لا أزال عالقة هنا، أنتظر بصيص أمل".
- الجوع والبرد
"أسماء"، فتاة مهاجرة أخرى، روت قصة مشابهة لقصة زُبرى غيرت اسمها كما تفعل معظم المهاجرات حين يصلن إلى اليمن، واختارت اسمًا عربيًا كي لا يلفتن الأنظار، تقول أسماء لموقع "بلقيس"
إنها قدمت إلى اليمن عبر البحر من الصومال قبل عام تقريبًا، ونزلت في سواحل عدن، ومن هناك سارت على الأقدام إلى صحراء مأرب وإلى جوارها عدد من المهاجرات بينهن أطفال.
وأضافت: "وصلنا إلى الرويك (صحراء شرق مارب)، ووجدنا أن الطريق إلى السعودية مغلقا بسبب الحرب"، وهذا أيضا ما قاله المهربون.
وتوضح أنهن - سبع فتيات - بقين في الصحراء أكثر من عام دون القدرة على العودة إلى بلدانهن، أو العبور إلى السعودية.
وللحصول على الطعام، تعتمد الفتيات على ما يتصدق به المسافرون العابرون، أو على بقايا الطعام التي يجمعنها من المطاعم القريبة من السوق في الرويك.
- استغلال ممنهج
مدير مكتب وزارة حقوق الإنسان في صنعاء (التابع للحكومة المعترف بها)، فهمي الزبيري، أكد في تصريح له أن جماعات مسلحة تستغل المهاجرين الأفارقة في اليمن، واتهم بشكل مباشر جماعة الحوثي بأنها تفرض مبالغ مالية على المهاجرين مقابل السماح لهم بالتنقل، مشيرًا إلى أن بعضهم يتعرض للاحتجاز والابتزاز.
ودعا الزبيري إلى فتح تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة على الأراضي اليمنية، محملاً الجماعات المسلحة والمهربين مسؤولية تردي أوضاع المهاجرين.
- مخاطر تتضاعف
ورغم المخاطر، تستمر أعداد المهاجرين في التزايد. فقد كشفت منظمة الهجرة الدولية أن عدد النساء المهاجرات عبر الطريق الشرقي الذي يمر باليمن تضاعف خلال العامين الماضيين من 53 ألفاً إلى 106 آلاف و700 مهاجرة.
وبحسب المنظمة، فإن ما يقارب 43 ألف مهاجر لا يزالون محاصرين داخل اليمن، يعيشون ظروفاً محفوفة بالمخاطر، معرضين للاستغلال والصراع المسلح.
وأكدت المنظمة أنها ساعدت، منذ مطلع عام 2022، على إعادة 5700 مهاجر إلى بلدانهم الأصلية، فيما خلال العام الجاري 2023، أعادت نحو 5 آلاف و631 مهاجرًا من اليمن إلى الصومال وإثيوبيا ضمن برنامج العودة الطوعية.
وأشارت المنظمة إلى أن النساء المهاجرات غالبًا ما يقعن ضحايا للاستغلال الجنسي والزواج القسري على يد المهربين، ويتعرضن لسوء معاملة مستمر أثناء محاولاتهن الوصول إلى فرص العمل في الشرق الأوسط.