تقارير
ما وراء اختيار أحمد بن مبارك رئيساً للحكومة وما الجديد الذي يحمله؟
قرار رئاسي صدر، يوم أمس، بتعيين أحمد عوض بن مبارك رئيسا لمجلس الوزراء، خلفا لمعين عبدالملك، الذي عُين بقرار آخر مستشارا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، حيث قضت المادة الأولى من القرار (56) للعام الحالي بتعيين بن مبارك رئيسا للحكومة، فيما قضت المادة الثانية من القرار باستمرار أعضاء الحكومة في أداء مهامهم وفقا لقرارات تعيينهم.
مصادر حكومية أكدت، مطلع يناير الفائت، أن مجلس القيادة الرئاسي أجرى نقاشات مكثفة بشأن تعيين رئيس جديد للحكومة، وإجراء تعديلات في بعض الحقائب الوزارية، حيث انحصرت الترشيحات -بحسب المصادر- على ثلاثة أعضاء في الحكومة.
وبحسب مراقبين، فإن المجلس الرئاسي تجنّب تعيين رئيس للحكومة من خارج أعضائها، وهو ما يثير تساؤل الشارع اليمني، وبقية النُّخب السياسية، فما تبعات القرارات الرئاسية الجديدة؟ ولماذا تم اختيار بن مبارك خلفا لمعين؟ وما الذي سيتغيّر في حقب الملفات الوزارية الجديدة؟
- أين المشكلة؟
يقول الباحث السياسي، نبيل البكيري: "إن القرار في توقيت لا يعلم بسره سوى الذي أصدر هذا القرار، ولا ندري ما تداعيات هذا القرار، وخاصة أن البيئة السياسية، التي يفترض أن تكون مهيئة لعمل حكومة، لن تتوفر لا في العهد السابق، ولا في العهد الحالي".
وأضاف: "ربما في المستقبل القريب لن نرى ظرفا سياسياً يساعد على أي عمل، وتبقى الإشكالية في عملية تغيير المناصب بهذه الطريقة، لا تضيف جديداً للمشهد".
وتابع: "ربّما من قبيل التفاؤل نقول إن إطالة أمد رئيس الوزراء الأسبق في مكانه، طوال فترة كانت مليئة بالاضطرابات والإشكاليات، وكان الفساد والفشل هو سيّد الموقف".
وأردف: "لكن ما الذي سيضيفه رئيس الوزراء الجديد؟ هذا السؤال الذي لا نستطيع أن نجيب عليه، ولكن لدينا بعض الملامح فيما يتعلق بالبيئة السياسية بأنها لا تشجع أحدا على النجاح حتى في هذا الظرف، وفي هذه الوضعية السياسية، التي تعيشها اليمن منذ فترة -باعتقادي- حتى لو نزل جبريل من السماء ليشتغل في هذا الوضع لن يقدم شيئاً".
وزاد: "المشكلة في اليمن لا تكمن في شخص معين، المشكلة تكمن في الظرفية السياسية والبيئة السياسية، التي لا تتوافر فيها أدنى مقومات أن يكون هناك قرار سياسي وطني صادر عن إرادة وطنية".
وقال: "القرارات السياسية في هذه المرحلة هي قرارات المتدخلين في الشأن اليمني، وإرادة مسلوبة، وكل قرار سيصدر، أو كل جديد سيظهر على السطح، بقرار جديد هو لا يخضع لإرادة اليمنيين، ولا أعتقد أن المسألة اليمنية تمثل لهم هما مؤرقا وهدفا يسعون من أجله، وحتى لا نحبط أيضاً سننتظر وسنرى ما سيفعل خلال الأيام والشهور القليلة القادمة".
وأضاف: "التفاؤل شيء وواقعنا السياسي في حضيض العمل، ولم تعد هناك عملية سياسية بالأساس اليوم، وهذا التغيير -باعتقادي- لكسر حالة الجمود فيما يتعلق باستمرار نفس الوجوه على نفس المكان، ولا إرادة وطنية في هذا التغيير".
وتابع متسائلا: "المشكلة فيما يتم من تغييرات، على سبيل المثال اليوم، لفت انتباهي في هذا القرار هو 56 للعام 2024، ونحن الآن في الشهر الثاني من هذا العام، وقبل هذا القرار موجود 55 قرارا جمهوريا صادرا، أين هذه القرارات وأين ذهبت، وماذا فعلت؟".
وزاد: "هل المشكلة في إيجاد القرارات أم بإيجاد حتى الحد الأدنى لوجود الدولة؟".
وقال: "المشكلة أننا في الحالة اليمنية اليوم بلا دولة، ما هنالك هي أشبه بسلطة تدير حالة مؤقتة، وهي نوع من شرعنة الواقع السيئ الموجود، حالة انقسام، وتدهور، وفشل سياسي واقتصادي وأمني وعسكري، هناك فشل في كل الاتجاهات".
وأضاف: "التغيير الذي حصل، وخاصة أن الدكتور أحمد -لا شك أنه مؤهل- لكن المسألة لا تقع على التأهيل اليوم، المسألة تقع على الظرفية التي ستشغل فيها الواقع السياسي، الذي أنت تمشي فيه في حقل ألغام، ولا تستطيع أن ترضي طرفا، والانقسام الموجود من أعلى قمة السلطة إلى قاعها حالة مزرية، لا يستطيع أكبر عبقري في السياسة والإدارة أن يشتغل في إطار هذ الواقع السياسي".
وتابع: "هذه الظرفية السياسية المعقدة لا يمكن أن تنتج عملاً جيداً، بمعنى آخر أن المسألة لا تتوقف على شخص مثل الدكتور أحمد عوض بن مبارك، أو أحد آخر سيأتي من خارج هذه التشكيلة؛ لأن الوضعية وصلت إلى درجة من السوء فيما يتعلق بكل أداءات الدولة".
وأردف: "نحن أمام حالة تشتت، هناك أشبه بتكتلات حاكمة، ودويلات شبه مستقلة في الداخل اليمني، دولة في الساحل، دولة مأرب، دولة في تعز، دولة في حضرموت، دولة في المهرة، دولة في سقطرى، نحن أمام حالة انقسام وفشل ذريع في كل الاتجاهات، وكما يقول المثل الصنعاني: ما تنفع المرة الحاذقة في البيت العطل".
- كاريزما القيادة
يقول المحلل السياسي عبدالوهاب العوج: "إن التغيير جاء في وقته، والرجل أنا أعرفه منذ أيام بغداد، وكنا في العراق، وكان يدرس في إدارة الأعمال والاقتصاد، وزميل ورفيق درب عشنا لفترات طويلة، وأعرفه شخصيا عز المعرفة".
وأضاف: "الدكتور أحمد عوض بن مبارك يتمتع بكاريزما القيادة، وقد تدرب في صفوف حزب البعث، واكتسب مهارات لا يمتلكها معين عبدالملك، ولذلك أتوقع منه أن يُفعِّل القوانين والقرارات، وأول هذه الأمور أن يُفّعِّل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، أن يفعل اللجنة العليا للمناقصات المزايدات، ألا يقوم بالشراء المباشر للكهرباء، أو للنفط أو لغيره".
وتابع: "من خلال مسيرته الرجل يريد أن ينجح، صحيح أن المعوقات كثيرة، والوضع في اليمن لا يساعد على نجاح القيادات، لكن رغم ذلك المشهد تغير، اللاعب السعودي والإماراتي تغير، هم يريدون الخروج من اليمن بطريقة أو بأخرى، ويجعلون اللاعبين الداخليين يسيطرون كأذرع لهم".
وأردف: "التدخل السعودي والإماراتي موجود في التغيير، طول عمر اليمن وهذا التدخل موجود فيها، منذ ما قبل ثورة 62 وحتى الآن لم ينته التدخل السعودي أو الأمريكي أو غيره، لكن نقول أن يكون هناك وضع لمصلحة اليمن العليا في مقدمة أولويات الحكومة ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، وأنا متفائل جدا في تعيين الدكتور أحمد عوض بن مبارك، والأيام ستثبت أن لديه كاريزما القيادة وآليات العمل".
وزاد: "نحن نفتقر في قيادات الدولة إلى تنفيذ آليات العمل، وعدم تنفيذها، وعدم البحث عن أعذار وشماعات لنعلقها عليها".
وقال: "معين عبدالملك كثير من اللقاءات معه، وكنا كنقابات أعضاء هيئة تدريس نطرح له مشاكل الجامعات، وكان يعطينا من معصور الكلام، لكنه لا ينفذ شيئاً، ولا يتم تحويل الأمور من الكلام إلى الأعمال".
- مخاطرة بالسمعة
يقول فتحي بن لزرق - رئيس تحرير صحيفة عدن الغد: "لا جدوى من تغيير رئيس الوزراء، أو حتى تغيير كافة الوزراء في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها البلاد، وفي ظل حكومة بلا ميزانية وبلا موارد، وربما غير متوحدة الأهداف".
وأضاف: "أي شخص يقبل أن يكون رئيس الوزراء في ظل هذه الظروف - للأسف الشديد - هو لا يخاطر بسمعته السياسية ولكن هو يرمي بنفسه إلى التهلكة؛ كون أنه لا يستطيع أي مسؤول أو قيادي أو اقتصادي أو أكبر كادر في العالم أن يدير حكومة ليس لديها موارد، أو ربما جزء كبير من مواردها المحلية منفلتة، ونفط متوقف في الوقت الحالي، وأسعار الصرف جاوز حدود المعقول، وهذه المؤشرات حتى لو أتينا بأكبر خبير مصرفي أو اقتصادي هو لن يستطيع أن يضيف شيئا".
وتابع: "كان يجب أن يتم قبل تعيين رئيس الوزراء أن تكون هناك إصلاحات اقتصادية، وأن تكون هناك وديعة من قبل دول التحالف، ترفد الاقتصاد حتى بطريقة جزئية".
وأردف: "الدكتور أحمد عوض بن مبارك لن يستطيع بهذه الإصلاحات؛ لسبب بسيط أن الموارد صفر، وأن الحكومة بحاجة إلى موارد كبيرة، إلا إذا كان التحالف التزم له بأنهم سيقومون بتوفير جزء كبير من الموارد، خصوصا إذا وجدنا أن الدولة، خلال الأشهر الماضية، كانت شبه غير قادرة على صرف المرتبات".
وزاد: "التحديات الاقتصادية الموجودة والماشية على الأرض ستفشل أي شخص مهما كانت خبراته، قدراته، حضوره، وعلاقته السياسية؛ لأنه في الأخير الناس تريد خدمات، وتريد رواتب، ولا تريد تنظيرات سياسية".
وقال: "نحن بحاجة أن يكون رئيس الوزراء القادم لديه من الفرص الاقتصادية الكثير، لديه من المواد المالية الكثير، لديه من التسهيلات من قِبل دول التحالف الكثير، لكن إذا جاء واشتغل رئيس الوزراء الحالي بنفس منظومة العمل، ونفس موارد العمل السابق لرئيس الوزراء السابق فإن قضية الفشل قضية محسومة من هذه اللحظة".