تقارير

مباشرة وغير مباشرة.. كيف تفاوض إيران السعودية في بغداد وصنعاء؟

15/01/2023, 10:25:05
المصدر : خاص

يخوض النظام الإيراني الحاكم حروبه ومفاوضاته في المنطقة بصبر حائك السجاد، وتتآكل لصالحه الجغرافيا ببطء شديد، لكنه تآكل سريع، إذا ما قيس بأعمار الأمم والشعوب وحركة التاريخ.

يدير النظام الإيراني مفاوضاته مع السعودية على أكثر من مسار دبلوماسي، الأول مباشرة في بغداد، والثاني مع الحوثيين في مسقط، وبالتزامن مع هذه المفاوضات تبرع طهران بدعم مليشياتها عسكريا، وهو ما تم الكشف عنه مؤخرا، حيث أعلنت مصلحة خفر السواحل اليمنية تسلمها سفينة تهريب أكثر من 2000 قطعة سلاح من إيران ضبطتها البحرية الأمريكية -في وقت سابق- في خليج عمان كانت في طريقها لمليشيا الحوثي.

-أطماع إيرانية

يقول الأكاديمي والمحلل السياسي، د. عبدالوهاب العوج: "إن المفاوضات، التي بدأها منذ أيام رئيس الوزراء العراقي السابق موسى الكاظمي، كانت تركز بشكل أساسي على وقف هجمات مليشيا الحوثي على السعودية، وخاصة المنشآت النفطية، وهذا هو طلب الأمريكان والاتحاد الأوروبي، الذين تهمهم إمدادات الطاقة، واستمرار تدفق النفط وعدم انقطاعها".

وأضاف: "بالنسبة للإيرانيين، فهم يعتبرون التفاوض مع السعودية بداية لحل مشاكلهم، ويريدون تحييد السعودية كعنصر فاعل في المنطقة، ودول الخليج هي دائما تتبع السياسة السعودية، وفي حال حدث هدوء بين السعودية وإيران، ستهدأ بقية الجبهات، رغم أن إيران هي من تكسب في النهاية من هذه المفاوضات، ولا تعطي شيئا، مستخدمة أذرعها في المنطقة بطريقة ذكية تعودت عليها منذ الحرب العراقية - الإيرانية".

وتابع: "السعودية فهمت تصرفات إيران في كل المنطقة، سواء في لبنان أو في العراق أو سوريا أو في اليمن، لكننا -للأسف- لا نرى أي تصرفات أو إجراءات من قِبل اللاعب السعودي، في هذه الدول، وأقلها الخاصرة الجنوبية لها وهي اليمن".

وأوضح أن "السعودية تفقد ثقة حلفائها بها، سواء في لبنان أو في اليمن أو في سوريا أو في العراق، عكس إيران، وهي لها مهام أمنية بسيطة وخوف من الملف النووي، الذي ليس بيدها، وإنما بيد الأمريكان والاتحاد الأوروبي".

وقال: "السعودية تعرف أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني مضللة، وأنها مجرد مفاوضات عبثية، لكنها لا تريد أن تصفها بالفاشلة، لأنها حققت لها على الأقل وقف المسيّرات والصواريخ الباليستية على أراضيها، وهي المورد الرئيسي للنفط".

ويرى الدكتور العوج أن "الملف اليمني حاضر وبقوة في هذه المفاوضات، لأن الخاصرة الجنوبية للسعودية أصبحت هي المهدد الفعلي للسعودية والإمارات وبقية دول الخليج".

وبيّن العوج أن "الإشكالية في أن للإيرانيين أطماعا كبيرة جدا، ويعتبرون أن هذه أولى مراحل الصراع مع السعودية، ويهدفون لتمزيق وتقسيم الخليج العربي، وأن تصبح كامل دول الخليج تحت النفوذ الإيراني، حتى وإن بقت تلك السلطنات والمشيخيات والدول الهشة، ضمن إطار امبراطورية فارسية تسيطر على منطقة الخليج العربي وتعتبرها خطا تاريخيا لها".

وأضاف: "المشكلة في أشقائنا في الخليج العربي، على رأسهم السعودية، لا تقوم بما يجب في مواجهة المد الفارسي".

- مفاوضات ماراثونية - استكشافية

من جهته، يقول الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، د. علي الذهب: "إن المفاوضات الجارية بين إيران والسعودية هي مفاوضات ماراثونية، لأن الخمس الجولات السابقة وصلت إلى طريق مسدود، لا سيما أن رئيس الحكومة العراقية السابق، موسى الكاظمي، توقف مع فريقه بمجيء رئيس الوزراء الحالي محمد السوداني، والسوداني هو مرشح التجمع التنسيقي الشيعي في العراق، وهو قريب إلى إيران، ويُخشى أن يكون اتجاهه لإيران أكثر من السعودية".

وأضاف: "المفاوضات، التي حدثت حتى الآن، كما وصفها الإيرانيون، استكشافية، بمعنى أنها لم تحدد النهاية، لأن السعودية تطلب بكل وضوح رفع إيران يدها على الفواعل العنيفة في المنطقة، وعلى رأسها مليشيا الحوثي".

وتابع: "السعودية وإيران تعتبران أن مليشيا الحوثي، أو الأطراف الأخرى في اليمن، أوراق ضغط تستخدمانها لتحسين شروط لما هو أبعد من ذلك، وليس من أجل حل الأزمة اليمنية، أو لكف التهديد الحوثي عن السعودية، أو عن المنطقة، أو عن مصالح العالم التي تمر في البحر الأحمر، أو في مضيق باب المندب".

وأشار إلى أن "هذه المفاوضات قد تطول، ولولا حاجة السعودية لها لما قدمت التنازلات، خاصة فيما منحته بسياق الهدن الراهنة لمليشيا الحوثي، وهي محصلة مكاسب كانت السعودية قد كسبتها وحلفاؤها طيلة الـ8 سنوات الماضية، ثم ألقت بها دفعة واحدة لمصلحة مليشيا الحوثي، دون قيد أو شرط، ما عدا شرط واحد، وهو توقف الهجمات الجوية بين التحالف والمليشيا".

- اللعب على المتناقضات

من جهته، يقول الباحث السياسي، البراء شيبان: "إن هذه المرة ليست الأولى التي يعلن فيها عن ضبط شحنة أسلحة كانت متجهة من إيران لمليشيا الحوثي، فقبل هذه الشحنة التي ضبطتها البحرية الأمريكية بفترة بسيطة ضبطت البحرية البريطانية شحنة أكبر حجما، وهناك الكثير من عمليات الضبط، وهذا يدل على أن هذه المفاوضات ليس لها أي نتيجة حتى وإن صرّح بها وزير الخارجية الإيراني".

وأضاف: "دائما هذه التصريحات تأتي من قِبل الإيرانيين، وتعطى أكبر من حجمها، فيما السعودية كعادتها لا ترد على هذه التصريحات، لأنها ليست بحاجة للرد عليها، لا سيما وأن اللقاءات إستخباراتية بين ضباط إستخباراتيين، وعندما تريد إيران أن تستغل حدث تصرّح بأنها حققت إنجازا وأن هناك تقدما، فيما المؤشرات تقول عكس ذلك".

وتابع: "السلاح الذي يتم إرساله من إيران لمليشيا الحوثي كافٍ لصناعة صواريخ باليستية، وهذه الصواريخ بكل تأكيد ستذهب باتجاه السعودية، وهذا اللعب على التناقضات هو ما تجيده إيران منذ فترة طويلة، ونجحت بها في سوريا ولبنان والعراق، ونجحت من خلالها مفاوضة المجتمع الدولي، وانتزاع الاتفاق النووي السابق، واليوم تريد أن تكرر نفس التجربة".

وأوضح أن "في الوقت الذي صّرح فيه وزير الخارجية الإيراني التصريحات الإيجابية، فإن الجهاز الأمني والاستخباراتي في الحرس الثوري يقوم بكل أنشطته في المنطقة لتعزيز النفوذ الإيراني".

وأشار إلى أن "هدف إيران الآن هو الوصول إلى اتفاق في الملف النووي، وعندما تفشل، والواضح أنه ليس هناك أي تقدم في هذا الملف، فإنها ستستخدم أدواتها ونفوذها في المنطقة لتهديد أمن المنطقة".

وأفاد أن "السياسة الإيرانية تشتغل بهذا النفس، في أن لديها مليشيا في المنطقة قادرة على تهديد الإقليم كلما دعت الحاجة الإيرانية لذلك، وليس هناك مصلحة يمنية أو لبنانية أو سورية على الإطلاق".

المساء اليمني

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.