محورية السياسة القبلية اليمنية في جهود السلام (ترجمة خاصة)

إنّ استعصاء الحرب الأهلية في اليمن متأصل بشكل أساسي في ضعف العلاقات بين الدولة والمجتمع الذي تغذّيه الفِرق المنقسمة، والتوزيع غير المتكافئ للموارد، وانخراط القوى الخارجية.
وقد تعززت هذه العوامل على مر السنين، وعقّدت الوضع في اليمن.
 أدت عقود من عدم الثقة وعدم الرضا عن آلية الدولة والحكم إلى تآكل التفاعل بين الدولة والمجتمع في اليمن.

فالقبلية لها جانب مؤثر في المجتمع اليمني، وهي تشكّل طبقة من الهوية تلعب دورا في الأبعاد الاجتماعية والسياسية والأمنية.
ينحدر العديد من القادة السياسيين من قبائل قويّة مثل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي ينحدر من قبائل حاشد.
قاد صالح دفة حياته السياسية من خلال كسب دعم النُّخب، بما في ذلك أولئك المنتمين للقبائل، بصورة رئيسية من خلال تأليب مجموعة واحدة ضد الأخرى.

أصبح دور القبائل أكثر قوّة واستقلالية في اليمن، حيث أتى الحكم القبلي والأعراف ليعوّض عن عدم وجود حكومة مركزية قويّة.
 تسبق الهويات القبلية بشكل عام الهويات الوطنية.
ففي دولة مزّقتها الحرب، وهشة ذات علاقات ضعيفة بين الدولة والمجتمع، يكون الانتماء القبلي أكثر قوّة، وبالتالي يصبح عاملاً حاسماً في مسار الصراع.
على سبيل المثال، في سوريا، حصل تنظيم الدولة الإسلامية على دعم قبلي من خلال الاستفادة من الخصومات بين القبائل والتوترات بين القبائل العربية والأكراد.

في الوقت نفسه، كانت قوات الدفاع السورية تعتمد بشكل كبير على القبائل المحلية لمحاربة داعش (دخان 2018). وتسود حالة مماثلة في اليمن. لقد لعبت القبائل دوراً بارزاً في حسم الحرب.
ففي حين لعبت القبائل دورا أساسيا في إبطاء زخم حركة الحوثيين في عدّة محافظات، إلا أنهم فقدوا أيضا العديد من أقاربهم، بما في ذلك الشيوخ أو زعماء القبائل، كأضرار جانبية (الدوسري 2020).

إن عدم قدرة الحكومة اليمنية على تشكيل أساس قوي نابع من العديد من المتغيّرات، التي لعب التدخل الخارجي دورا كبيراً فيها.
على وجه الخصوص، رأت المملكة العربية السعودية أن أي محاولات من قِبل الحكومة اليمنية لتوطيد سلطة الدولة تهدد مصالحها.

وكانت هناك دوافع لدى الجماعات المتمتعة بالحكم الذاتي لتقويض أي جهود لتعزيز المركز، وهو ما لوحظ بوضوح في شمال اليمن، ولا سيما في المناطق القريبة من الحدود بين المملكة العربية السعودية واليمن (أوكروهليك وكونج 1997، 560؛ بيترسون 2018).

أثرّت مثل هذه التدخلات من قِبل القوى الإقليمية، وما وراء الإقليمية، على العلاقات بين الدولة والمجتمع في اليمن.
مع تزايد ممارسة الجماعات على المستوى القاعدي للحكم الذاتي، لم تستطع الحكومة المستقرة الحفاظ على نفسها، وورَث مركز بلا نفوذ مسؤولية الحكم إلى الجماعات القبلية في معظم أنحاء الدولة (دريش 2009، 7).

على الرغم من أن القبائل أدارت علاقاتها مع الحكومة، إلا أنها وقعت ضحيّة للخيارات المشتركة وسياسة الانقسام والحكم التي اعتمدها السياسيون، وكان لهذه الظاهرة آثار مضاعفة على الانتخابات وحرية الصحافة، وعلى التنمية الشاملة في اليمن.
وفي الصراعات، التي طال أمدها، تنمّي القطاعات القبلية المصالح، وتتبوأ مناصب مهمّة، سواء لاختيار من يدعمون أو يساعدون في جهود إدارة الصراعات أو التحوّل.

تظل بعض القبائل محايدة، وتساعد في عمليات الوساطة، لقد كانت مسؤولة عن تبادل الأسرى وحماية المدنيين واتخاذ الترتيبات اللازمة لوقف إطلاق النار المؤقت.
 كانت هناك حوادث لا حصر لها، حيث نجح أفراد القبائل في التفاوض، واحتواء أوضاع شديدة التوتر (المشهد اليمني 2021).
ومع ذلك، فإن هذه الجماعات القبلية تعاني من عقاب الحوثيين والحكومة المركزية غير الفعّالة.

 هذه التصرّفات، التي تفاقمت جراء التمثيل السياسي القاصر، قللت من كفاءة إمكانات القبائل في إدارة الصراع.
تشير التقارير إلى أن تدخل الأمم المتحدة أدى أحيانا إلى إخراج الآليات القبلية عن مسارها للتعامل مع المفاوضات والتسويات على المستوى المحلي (الدوسري 2021).
لقد فقدت القبائل بالفعل المعونات الاقتصادية من المركز، ومن المرجّح أن يؤدي فقدان المعونة السياسية والعسكرية إلى تعقيد الصراع.

تريد العديد من القبائل أن ترى نهاية للحرب في أقرب وقت ممكن.
في هذه الظروف، يمكن أن يتأرجح يأسهم في أي من الاتجاهين، ويتمثل أحد الاحتمالات في أن يتمكن زعماء القبائل من الدعوة إلى هدنة مع مليشيا الحوثي، وضمان عدم التدخل، وفي المقابل ضمان سلامة مناطقهم القبلية، وهذا يعني أن القبائل لن تقاتل من أجل القوات الحكومية أو تدعمها بأي شكل من الأشكال.

الطريقة الأخرى هي أنه يمكن منح هذه الجماعات القبلية الاستقلال والتمثيل السياسيين اللازمين للعمل مع أصحاب المصلحة الآخرين في عمليات السلام من الأسفل إلى القمة، للتوصل إلى ترتيب شامل يوقف وحشية الحرب الأهلية المستمرة في اليمن.
تفضّل القبائل هذا الخيار، لأنها تدرك أن الحوثيين سيخرقون اتفاقيات الهدنة، كما حدث -عدة مرات- في الماضي: في البيضاء عام 2020، وحجور عام 2019 (البطاطي 2020؛ الأشول 2019).

يجب على الحكومة ومؤيديها العمل على آليات بناء الثقة مع القبائل كتدابير قصيرة الأجل لإنشاء جبهة موحّدة في سبيل جهود السلام.
يجب التركيز على بناء العلاقات بين الدولة والمجتمع في أعقاب الحرب كجزء من إطار إعادة الإعمار بعد الحرب والحفاظ على الحكم المستقر والعادل.
 في كلتا الحالتين، أثبتت القبائل باستمرار أهميّتها لهوية المجتمع اليمني.
وبدلا من تضخيم دور القبائل أو التقليل من شأنه، فإن أي مبادرة سلام يقدّمها أي طرف حسن النية ينبغي أن تشمل الأخوة القبلية، وأن تستخدم خدماتها على النحو الأمثل.

الموقع الأصلي للمادة: E-international Relations

-------
- نشر هذا المقال على موقع  E-international Relations بتأريخ 25 سبتمبر - 2022
- بورنيما هي باحثة دكتوراة في قسم الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، أكاديمية مانيبال للتعليم العالي، الهند. تكتب حول الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمفاوضات الدولية، والصراع ودراسات السلام.