تقارير
معهد تشاتام هاوس: الصراع بين إسرائيل والحوثيين قد يستأنف رغم وقف إطلاق النار في غزة
يحمل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، الذي أُعلن في 9 أكتوبر 2025، تداعيات كبيرة على أمن الشرق الأوسط. ومن أبرز هذه التداعيات ما يتعلق بتأثيره على الصراع بين إسرائيل وجماعة الحوثي المسيطرة على أجزاء واسعة من اليمن.
تكشف صور أقمار صناعية من شركة ماكسر، تُنشر هنا لأول مرة، حجم الأضرار التي خلّفتها الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة في اليمن. وتشير التحليلات إلى أنه رغم التهدئة عقب وقف إطلاق النار في غزة، فإن الصراع بين إسرائيل والحوثيين قد يعود للاشتعال مجددًا.
بدأ الحوثيون، المدعومون من إيران، بمهاجمة إسرائيل والملاحة الدولية في البحر الأحمر بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، مؤكدين أنهم يتحركون "نصرةً للفلسطينيين". وقد تسببت تلك الهجمات في اضطراب طرق التجارة العالمية عبر البحر الأحمر، واستهدفت سفنًا تجارية بعمليات قرصنة وطائرات مسيّرة وصواريخ. كما أطلق الحوثيون مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ تجاه إسرائيل، بينها أكثر من 80 صاروخًا باليستيًا و40 هجومًا بطائرات مسيّرة منذ مارس الماضي، وفقًا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل.
ردًا على ذلك، نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما عمليات عسكرية ضد الحوثيين بين يناير 2024 ومايو 2025. كما شنت إسرائيل ضربات جوية على مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين منذ يوليو 2024، واستهدفت مؤخرًا قيادات بارزة داخل العاصمة صنعاء.
وفي الفترة بين يوليو وسبتمبر من العام الجاري، نفذ جيش الدفاع الإسرائيلي غارات على موانئ البحر الأحمر اليمنية في محافظة الحديدة، وعلى مواقع في العاصمة صنعاء. ووفق تقارير، أدت تلك الهجمات إلى مقتل عشرات الأشخاص، بينهم أحمد الرحبي، الذي يصفه الحوثيون بـ"رئيس الوزراء"، وعدة وزراء آخرين في 28 أغسطس.
بعد هجوم حوثي بطائرة مسيّرة على مدينة إيلات الإسرائيلية في سبتمبر، كتب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (وفي النص الإنجليزي ورد الاسم إسرائيل كاتس) عبر منصة إكس:
"الإرهابيون الحوثيون يرفضون التعلّم من تجارب إيران ولبنان وغزة، وسيتعلمون بالطريقة الصعبة. من يؤذي إسرائيل سيُؤذى سبعة أضعاف."
- تداعيات الضربات الإسرائيلية
أدت الضربات الجوية الإسرائيلية، بحسب إيتاي بار-ليف، المحلل الإسرائيلي والمدير العام لـ"إنتلنس لاب"، إلى إلحاق أضرار بالبنية التحتية اليمنية وتقليص قدرة الحوثيين مؤقتًا على استيراد الأسلحة من إيران. إلا أنه أكد أن القضاء على الحوثيين عبر ضربات جوية بعيدة المدى فقط هدف غير واقعي.
وقال بار-ليف:
"الحوثيون قوة لا مركزية متمركزة في تضاريس جبلية وعرة، ولديهم مسارات تهريب متعددة لإعادة التزوّد. المنشآت المتضررة يمكن أن تعود للعمل خلال شهر واحد. حملات سابقة قادتها الولايات المتحدة لم تحقق نتائج حاسمة أو تقويضًا فعّالًا لقدرات الحوثيين."
وفي تعليق آخر، قال فارع المسلمي، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد تشاتام هاوس:
"لن تُضعِف ضربات إسرائيل الحوثيين، بل ستدمر ما تبقى من شرايين الحياة والإغاثة والغذاء لليمنيين الفقراء والمحتاجين."
يُعد اليمن، الذي يتجاوز عدد سكانه 40 مليون نسمة، من أفقر دول العالم منذ التدخل السعودي-الإماراتي عام 2015 وما تلاه من انقلاب الحوثيين. ومنذ مايو الماضي، استهدفت إسرائيل مرارًا الموانئ اليمنية الثلاثة على البحر الأحمر الخاضعة لسيطرة الحوثيين: الحديدة، الصليف، ورأس عيسى.
وحسب الأمم المتحدة، تمر عبر هذه الموانئ 70% من واردات اليمن و80% من المساعدات الإنسانية.
- هل يستمر الصراع؟
توقفت هجمات الحوثيين على إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر منذ إعلان وقف إطلاق النار. وقال زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، إنهم سيراقبون مدى التزام إسرائيل بالاتفاق في غزة. وإذا صمد الاتفاق، يتوقع المسلمي استمرار الحوثيين في وقف الهجمات للأسباب التالية:
تحقيق الأهداف الأساسية مسبقًا عبر الهجمات السابقة على إسرائيل والبحر الأحمر، وأبرزها إظهار القوة الإقليمية والدولية.
الرغبة في تجنب مواجهة مباشرة واسعة النطاق مع إسرائيل، على غرار ما تسعى إليه حماس.
إلا أن بار-ليف يرى أن الهجمات الإسرائيلية على الحوثيين مرشحة للاستئناف. فالمسافة الطويلة ونقص المعلومات الاستخباراتية يجعل تحقيق نصر حاسم — كالذي تقول إسرائيل إنها حققته ضد حزب الله عام 2024 — احتمالًا ضعيفًا. لذلك يرجح أن تواصل إسرائيل حملة طويلة المدى من "الضربات الاستراتيجية".
السبب في ذلك، حسب تقديراته، هو رغبة إسرائيل في تثبيت نجاح عملياتها الأخيرة ضد الدفاعات الجوية الإيرانية والبنية التحتية لبرنامجها النووي، ومنع الحوثيين من التحول إلى تهديد مماثل لما شكله حزب الله سابقًا، بما يقوّض شبكة "محور المقاومة" الإيراني.
وقال بار-ليف في ختام تحليله:
"بينما تظل إيران رأس الأخطبوط والهدف الأول، ستسعى إسرائيل بالتوازي إلى حملة مستمرة ضد الحوثيين لمنعهم من التحول إلى تهديد استراتيجي عبر الأجيال."
* جون بولوك – مدير وسائل التواصل والبودكاست، إدارة الاتصالات والنشر
* داميان سيمون – باحث في الاستخبارات الجغرافية، مختبر إنتلجنس لاب