تقارير
منزل البردوني.. ركام من التراب وإرث ثقافي وفكري طي النسيان
في زيارة ميدانية إلى المنزل تحدث موقع "بلقيس"، مع أبناء الحي المجاور له، كان السكان المخضرمون يتحدثون عن "منزل الأستاذ" في وصفهم للبردوني باعتباره ارتبط بوجدانهم كشخص مؤثر، أما الأطفال والمراهقين فلا يعرفون لمن هذا المنزل، وقالوا إنه كان عباره على "خرابة"، أي منزل مهجور، ولا يعرفون من يملكه.
في 31 أغسطس 1999، توفي الشاعر البردوني، أي قبل 21 عاماً، ومات وحيداً لم يخلّف ولدا رغم تزوجه بامرأتين، لكنه ترك إرثا شعريا نضاليا لا يمكن أن تمحوه السنين، رغم كل التجاهل الذي مارسته الحكومات المتعاقبة للإرث الثقافي الذي خلفه.
وقال سكان من جيران منزل البردوني "إن المنزل مهجور من سنوات، ولا أحد يدخله، وكان معرضا للانهيار في أي وقت، بل أضافوا أن الكثير من الناس يعتقدون أنه أصبح مسكونا بالجن، وهي خرافة شعبية عادة ما تنتشر بين الناس على أي منزل لا يوجد فيه سكان".
ومع انهيار منزل البردوني، تتلاشى كل الأحلام والمطالبات التي كانت تعلو ما بين الحين والآخر من قبل الأوساط الثقافية لتحويل المنزل إلى متحف وطني، وربما يتحول إلى مساحة فارغة مع الأيام أو مكب للنفايات والخردوات، لأنه لا أحد يكترث للشاعر الذي كان مناهضاً لكل الأنظمة ومناضلاً ضد الإمامة والفساد.

بعد وفاته بعامين تكونت فكرة "متحف البردوني"، وفي العام 2008 تنامت دعوات تحويل منزل شاعر اليمن "البردوني" إلى متحف، وإطلاق اسمه على أحد شوارع العاصمة صنعاء، تخليدا لذكراه وتراثه الشعري والثقافي والفكري، باعتباره رمزا وحالة فريدة في الثقافة العربية، لكن المطالبات زادت وتيرتها عقب ثورة فبراير 2011، وأتت بثمار لكنها فشلت.
كان أن البردوني من المغضوب عليهم من قبل السلطات والحكام، لأنه كان من الشعراء المعارضين لكل الأنظمة الحاكمة سواء في عهد الإمامة أو العهد الجمهوري وبعد دولة الوحدة، وكان أقرب إلى الشعب ومعاناة المظلومين، لذا تعاملت مع السلطات بالقسوة والتجاهل في حياته، وبعد مماته.
وقال الكاتب مصطفى راجح "أثر البردوني منحوت في وجداننا وأرواحنا، ولن يمحيه جحود الدولة السابق، ونكران اللا دولة اللاحق، وجوائح الزمان وآخرها تحول المطر إلى جائحة في ظل حال سائد كل ما فيه هش وقابل للانهيار".
وإلى جانب أنه شاعر كبير، كان "البردوني" مفكرا وأديبا ومؤرخا، كما كان عالما موسوعيا، واستطاع أن يكون حالة فريدة في الوطن العربي رغم أنه أصيب بالعمى في الخامسة من عمره بسبب الجدري، وظلت مطالبات أن تكون أشعاره وتراثه وفكره وثقافته جزءا من مناهج التربية والتعليم والثقافة الوطنية، طي النسيان إلى الآن.
من جانبه رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بصنعاء، محمد القعود قال "إن البردوني العظيم الاستثنائي سيبقى بإبداعه وفكره المنير ورؤاه الثاقبة والعميقة ومواقفه الصلبة والشجاعة سيبقى هامة وقامة وخالدة".
وأضاف "سيبقى البردوني كتاب الإبداع الإنساني الخالد وسيظل ملحمة مبهرة يتلوها الزمان والأجيال"، لافتا إلى أن "إبداع البردوني العظيم ثروة إنسانية لا تقدر بثمن، وهو ملكٌ للإنسانية جمعاء".
لا يمتلك البردوني أملاكا سوى منزله الذي تهدم في "صنعاء القديمة" ومنزل والده الذي بقريته تهدم قبل سنوات، وبذلك يكون بلا أي أملاك مادية خاصة بعد أن ودّع الحياة وحيداً بدون حتى أن ينجب أطفالاً، لكنه ترك إرثا ثقافيا كبيرا ما زال اليمنيون ينشدونه، ويطالبون بكشف ما خفي منه من الأعمال التي لم تطبع ولم تر النور إلى الآن.
وقال مصدر في نقابة الأدباء بصنعاء "في نهاية 2013 تم الاتفاق مع ورثة البردوني (أبناء أخوته)، على شراء البيت في صنعاء القديمة وتحويله إلى متحف مقابل 50 مليون ريال يمني تدفعها وزارة الثقافة ويتم تقسيمها بين الورثة، وأن تطبع ديوانين شعريين ومنح الورثة 3 مليون ريال".
وأفاد المصدر لـ"بلقيس" أن الديوانين الشعريين لم يطبعا من قبل وهما "العشق على مرافئ القمر" و"رحلة ابن من شاب قرناها"، وبدأت الإجراءات على ما تم الاتفاق عليه، لكن بدأت خلافات كثيرة بين الورثة، وزاد على ذلك الظروف التي كانت تعيشيها البلاد، قبل اندلاع الحرب في 2014 توقف كل شيء".
وخلال سبعين عاما من حياة "البردوني" (1929 - 1999) أثرى الحياة الثقافة، بـ 12 ديوان شعر مطبوع، وأخرى لم تر النور إلى الآن، كما أنه كان مفكراً وسياسيا ونشر له ثمانية كتب فكرية، تناولت قضايا سياسية وتاريخية أبرزها الصراع بين النظام الجمهوري والملكي قبل وبعد ثورة 26 سبتمبر 1962، في كتابه "اليمن الجمهوري".