تقارير

ندوب خفية.. الاضطرابات النفسية تعمّق مأساة النساء خلال سنوات الحرب

25/10/2025, 13:23:26
المصدر : بلقيس - خاص

بعد سنواتٍ من المعاناة ومكابدة الضغوط الحياتية، تحوّلت الأربعينية مريم من امرأةٍ هادئةٍ ومرِحةٍ وراضيةٍ بقضاء الله وقدره، إلى امرأةٍ شاردةِ الذهن، مغيّبةٍ عن الواقع، لا تُدرك كثيرًا مما يدور حولها ويحيط بعائلتها.

لم تكن مريم تُظهر تذمّرها أو تشكو قسوة العيش للآخرين، وتحمّلت الضغوط النفسية والقلق والخوف من القادم بصمت، حتى خارت قواها، واستنفدت كل صنوف الصبر، وبدأت أعراض المرض النفسي تظهر عليها، وتلفت نظر أبنائها في عام 2021، من خلال تخيّل أشياء غير موجودة، والتحدّث عن أمورٍ غريبة، فاعتبرت عائلتها ما يحدث لها مجرد أعراضٍ عابرةٍ ستزول.

تقول ابنة مريم إن حالة أمها تدهورت تدريجيًا، فأخذتها الأسرة إلى طبيبٍ نفسي في مدينة تعز، التي تعيش فيها، وكل ما فعله أنه صرف لها أدوية شهرية، لكنها لم تُظهر أي تحسّن بعد استخدامها لشهورٍ طويلة، بل جعلتها أكثر برودًا وأقل إحساسًا بما حولها.

-وصمة اجتماعية

ليست مريم وحدها من انضمت إلى قائمة المرضى النفسيين، فقد زادت أعداد النساء اللاتي تعرضن لأمراضٍ نفسيةٍ خلال السنوات الأخيرة، وسط تعتيمٍ من العائلات التي تعتبر المرض النفسي وصمةً اجتماعيةً لا يجب أن ينتشر خبره خارج الأسرة، وعادةً ما تلجأ لعلاجه بالشعوذة والرُّقَى.

ولا تتوقّف معاناة النساء مع الأمراض النفسية على إصابتهن بها، وتحولهن إلى أجسادٍ خاويةٍ داخل المنازل، بل يتحملن العبء الأكبر في حال تعرّض الزوج أو معيل الأسرة للمرض، وتضاعفت مسؤوليتهن في حماية العائلة وتوفير سُبل الحياة لها، علاوةً على علاج الزوج وتحمّل نوبات غضبه وتقلّب مزاجه.

وهذا ما جعل خديجة تهرب بطفليها من منزل عائلة زوجها بصنعاء، وتبحث عن دكانٍ للسكن فيه، للابتعاد عن العنف الذي عانته وأطفالها منه لسنوات، وبحثًا عن حياةٍ جديدةٍ بعيدًا عن عائلة زوجها التي أهملته، ولم تقدّم له العلاج أو ترعَ أسرته، التي تكافح عبر تجميع عُلب المياه المعدنية للبقاء على قيد الحياة.

كانت معدلات إصابة النساء بالأمراض النفسية قليلة، إلا أنها ارتفعت بشكلٍ كبيرٍ منذ اندلاع الحرب في اليمن، وما ترتّب عليها من ضغوطٍ نفسيةٍ أكثر تعقيدًا وقسوة، وظروفٍ معيشيةٍ أوصلت ما يُقدَّر بـ80% من إجمالي عدد السكان إلى حافة الفقر، علاوةً على النزوح، وفقدان الوظائف، وتضاعف معدلات العنف الأسري، بحسب الأخصائية النفسية هبة نعمان.

-إحصائيات غائبة

يفتقر القطاع الصحي في اليمن إلى مقوّماتٍ تُساهم في تحسين الخدمات الطبية المقدّمة لمرضى الصحة النفسية، ولا توجد إحصائياتٌ دقيقة حول عدد المنشآت والمرافق الخاصة بالأمراض النفسية، والإمكانات التي تملكها، وعدد الكوادر البشرية العاملة فيها.

ولا توجد جهاتٌ رسمية تمتلك بياناتٍ حول حجم انتشار الأمراض النفسية، إلا أن دراسةً ميدانية نُفذت عام 2019 حول الأمراض المزمنة في اليمن، أشارت إلى أن الأمراض النفسية تأتي في المرتبة الثالثة بعد مرض السكري وأمراض ضغط الدّم، بمعدل 38 حالةً مرضيةً لكل 10,000 نسمة.

ويقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحصول على خدمات دعمٍ نفسي في اليمن يصل إلى سبعة ملايين شخص، في ظل شُحٍّ شديدٍ في الإمكانيات، وندرةٍ في المختصين والأطباء، وغياب الاهتمام بتنمية هذا المجال.

واعتبر الصندوق أن ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية لدى النساء يرجع إلى تأثير العنف القائم على النوع الاجتماعي على الصحة النفسية للنساء والفتيات، خاصةً في أوقات الأزمات والحروب.

وعلى الرّغم من العدد الكبير ممن يعانون مشاكل نفسية تتمثل في الاكتئاب، والقلق، والتوتر، وغيرها، إلا أن عددَ مَن يصلون إلى الخدمات الطبية لا يزيد عن 120 ألف شخص، أغلبهم من الذّكور، بحسب التقارير.

تقول الأخصائية نعمان: «ليست الظروف المعيشية وحدها السبب في عدم الوصول إلى الخدمات الصحية للمرضى النفسيين، فغالبًا ما يُنكر المرضى وذووهم حاجتهم للعلاج؛ لأن الناس في اليمن لا يفرّقون بين المرض العقلي الذي يُصيب صاحبه بالجنون، والمرض النفسي الذي يُعالج بالجلسات أو بالأدوية، والذي قد يتحوّل إلى مرضٍ عقلي إذا لم يتم علاجه».

وتضيف نعمان: «إن الحساسية لدى الأسرة تكون أكبر إذا كان المرض يخص امرأة، وقد تلجأ إلى عزلها اجتماعيًا لإبعادها عن أعين الناس، مما يزيد من تدهور حالتها الصحية».

-شُحّة في الخدمات

ولا تتوقف مشاكل المرضى النفسيين عند الأسر التي لا تتقبلهم وتعاملهم بطرقٍ خاطئة، فالكادر الطبي لا يمتلك التأهيل اللازم في الغالب، والمرافق الخدمية شحيحة، ولا تتناسب مع عدد الحالات واحتياجاتهم.

وبحسب دراسةٍ ميدانيةٍ نُفذت عام 2019 من قِبل شركة «إيبوس» للاستشارات والخدمات الصحية، بدعمٍ من مفوضية الاتحاد الأوروبي، وبالشراكة مع وزارة الصحة العامة والسكان، حول تقييم الخدمات الصحية النفسية والدعم النفسي في ست محافظاتٍ يمنيةٍ يقطنها 45% من السكان، أكدت أن إجمالي عدد الكوادر البشرية العاملة في مجال الطب النفسي يبلغ 319 عاملًا وعاملة.

وأوضحت الدراسة أنه لا يوجد سوى طبيبٍ نفسي واحدٍ لكل 400 ألف نسمة، وأخصائي نفسي لكل 300 ألف نسمة، وممرض نفسي لكل 200 ألف شخص، وأخصائي تأهيل نفسي واحدٍ لكل مليونٍ و900 ألف شخص.

وفيما يخص البنى التحتية، يشير التقرير إلى أن اليمن لا يمتلك سوى منشأةٍ نفسيةٍ حكوميةٍ واحدةٍ لكل مليونٍ و500 ألف شخص، وعيادة طبٍ نفسيٍ لكل سبعة ملايين و400 ألف شخص.

تقارير

من الميدان إلى المساومات.. الانتقالي يطالب بالشراكة في حضرموت

المجلس الانتقالي الجنوبي يحمل مجلس القيادة الرئاسي مسؤولية الأزمة والتوتر الذي تشهده حضرموت، وطالب بالشراكة في إدارة المحافظة، رافضاً ما وصفها بمحاولة فرض طرف سياسي لإدارتها بعيداً عن القوى الحية، حسب قوله.

تقارير

بعد تهديد الحوثي للسعودية.. سيناريوهات المواجهة واحتمالات التهدئة

تتزايد مؤشرات حرب حوثية قادمة، فبعد توقف الحرب في غزة​، عادت المليشيا لتكريس خطابها التهديدي باتجاه الشرعية والسعودية​، كما أن محاولاتها الميدانية تزايدت مؤخراً في عدد من الجبهات، وكأنها عملية جس نبض لاختبار جاهزية الشرعية وقواتها.

تقارير

معهد تشاتام هاوس: الصراع بين إسرائيل والحوثيين قد يستأنف رغم وقف إطلاق النار في غزة

يحمل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، الذي أُعلن في 9 أكتوبر 2025، تداعيات كبيرة على أمن الشرق الأوسط. ومن أبرز هذه التداعيات ما يتعلق بتأثيره على الصراع بين إسرائيل وجماعة الحوثي المسيطرة على أجزاء واسعة من اليمن.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.