تقارير
هل تستطيع الحكومة الشرعية تحويل التحسن النقدي إلى استقرار حقيقي في الأسواق؟
في محاولة لاستعادة السيطرة على السوق النقدي، أطلق البنك المركزي اليمني في عدن حزمة إجراءات نوعية، تزامنت مع تحسن ملموس في سعر صرف الريال اليمني، رافقته حملات رقابية وأمنية في عدد من المحافظات لمطالبة التجار بخفض الأسعار.
من الناحية النظرية، يُفترض أن يؤدي انخفاض سعر الصرف إلى تراجع أسعار السلع تدريجيًا، بفعل المنافسة، دون الحاجة إلى تدخل قسري من الدولة. لكن هذا المنطق يصطدم مع بنية سوق مشوّهة، تهيمن عليها شبكات احتكار، ويتراجع فيها الدور التنظيمي للدولة إلى الحد الأدنى، فتغيب الشفافية في التسعير، وتستمر الأسعار بالارتفاع، حتى مع تحسن المؤشرات النقدية.
-تحسن ناتج عن إجراءات
يقول المستشار الاقتصادي في مكتب رئاسة الجمهورية، الدكتور فارس النجار: "هذا التحسن في سعر صرف العملة ليس وليد اللحظة، إنما كان ناتجًا عن إجراءات بدأت منذ مطلع هذا العام".
وأضاف: "استكمال العمليات المصرفية، اليوم، والنقل الكامل للعمليات والنظام المصرفي إلى العاصمة المؤقتة عدن، ومن ثم نقل المراكز الرئيسية للبنوك، وتأسيس جمعية الصرافين، وانتقال مؤسسة ضمان الودائع، وتنفيذ إجراءات رقابية شديدة، كان الهدف منها تتبع القوى المضاربة بالعملة، خاصة المرتبطة بمليشيا الحوثي، وإصدار العقوبات الصارمة بحقها".
وتابع: "كل هذا لم يكن لينجح إذا لم تكن هناك بيئة أمنية وسياسية ساعدت على اتخاذ مثل هذه القرارات، التي ظلت حبيسة خلال فترات طويلة نتيجة لتعدد مراكز القوى".
وأردف: "كل هذه الأسباب مجتمعة هي التي أدت إلى هذا التحسن، وأهمها كان ما يتعلق بتجار المشتقات النفطية، ونحن نعلم جميعًا بأن السبب الأكبر في المضاربة بالسوق هو الطلب على النقد الأجنبي الذي يقوم به تجار المشتقات النفطية".
وزاد: "المشتقات النفطية كانت تمثل الفاتورة الأكبر في الاستيراد، تصل من 2 - 3 مليارات دولار سنويًا، وهذا الضغط الكبير كان يستخدمه المضاربون للأسف بشكل غير طبيعي، وكانت العمليات المصرفية تتم بشكل غير منظم، حيث لم تكن هناك لجنة استيراد ولا اعتمادات مستندية".
وقال: "اليوم، لتنظيم هذه العملية سبق وأن تم تشكيل لجنة الاستيراد، بقرار يمنع منعًا باتًا أن تقوم أي شركة ببيع النقد الأجنبي لتجار المشتقات النفطية، وأنه لن يُسمح بدخول أي شحنة نفطية، ولا جمركتها، ولا دخولها السوق، إن لم يكن ذلك عبر لجنة الاستيراد، ويكون له فاتورة تثبت شراءه للنقد الأجنبي من البنوك".
-مجرد مسكنات
يقول الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور عبد الوهاب العوج: "الأدبيات الاقتصادية، والمتعارف عليه، أن التحسن في أي عملة وطنية يكون معتمدًا على الناتج المحلي، والصادرات، وما يوجد لدى البنك المركزي من أموال بالعملة الصعبة، ووجود مدخرات واستثمارات داخل البلد، ووجود رأس مال وطني يشتغل، ويرفع من الناتج القومي، ويكون هناك تصدير للنفط الخام والغاز الطبيعي، وغيرهما من الصادرات".
وأضاف: "كل ذلك، اليوم، في اليمن غير موجود، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي حدث؟ ما حدث هو مجموعة من المضاربات ومدى التخوفات، مع حدوث هزات تعتمد على كبار المضاربين، مع وجود بعض الإجراءات التي قام بها البنك المركزي اليمني، من خلال التلويح بأنه سيتم معاقبة بنوك وصرافات لا تتعامل مع المنظومة البنكية التي نُقلت إلى عدن".
وتابع: "كذلك شعور المجتمع المحلي بأن هناك متغيرات قد تحدث على الساحة الدولية، من خلال ذهاب الرئيس العليمي إلى السعودية، ومن خلال التوقعات القادمة بأنه ستكون هناك حزمة من المساعدات من السعودية والإمارات والدول المانحة بشكل عام، كل ذلك جعل هذا الانهيار يخدم رجال المضاربات الذين يستخدمون المال في عمليات مصارفة منذ 10 سنوات وحتى الآن".
وأردف: "أنا أتوقع أن ما يجري مجرد مسكنات، وأن الريال اليمني ما يزال داخل غرفة الإنعاش، وقد يموت أو يستمر بموت سريري، إذا لم يحصل تغير حقيقي في تصدير النفط الخام والغاز، ووجود استثمارات ورأس مال وطني داخل البلد".
-كبار الصرافين
يقول الباحث الاقتصادي حسام السعيدي: "هناك إجراءات جديدة ومهمة اتخذها البنك المركزي اليمني، لكن ينبغي أن نفهم أن النقطة الأساسية في هذا الموضوع الحاصل هي جمعية الصرافين في عدن، حيث فيها كبار الصرافين، وهم الذين يمارسون دورًا في السوق".
وأضاف: "نلاحظ في الإعلانات، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي أو في إعلانات الصرافة، أن هناك شركات معينة، وهي شركات كبيرة، تُنزل سعر في السوق، والسوق يتبعها في هذا السعر، وهناك أيضًا ضجيج إعلامي يعمل ضغطًا على شركات الصرافة".
وتابع: "أنا في تصوري، أن هذا جزء مهم في هذه العملية، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن التقليل من دور البنك المركزي اليمني في عمليات الضبط، فهي عمليات مهمة؛ لأنه كما يعرف الجميع أنه كان هناك تسيّب إلى حدٍ ما".
وأردف: "عمليات الضبط، التي قام بها البنك المركزي اليمني، قد تمنع خدمة مليشيا الحوثي، لكنها لا تعني أنها ستعمل بشكل أساسي على تحسن سعر الصرف".
وزاد: "أنا أتخوف من أن يتدخل البنك المركزي بالعمل التنفيذي للحكومة؛ لأنه يُفترض ألا يتدخل، ويظل مستقلًا؛ لأن تدخله في هذا الأمر سيقود إلى مشاكل في المستقبل".
وقال: "أنا مع الحلول المتسقة مع السوق، ولا أحب نهائيًا أن تكون هذه العملية بهذه الطريقة، من خلال فرض سعر صرف بالقوة، لا يراعي قوى السوق، ولا يراعي الواقع".