تقارير

هل يصبح اليمن ساحة نفوذ بديلة ودائمة لإيران؟

24/08/2025, 12:41:23
المصدر : خاص - بلقيس: عبد السلام قائد

مع تراجع النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، واستمرار الضغوط على المليشيات التابعة لها في العراق، لم يعد أمام طهران من وكيل يمكن توظيفه في سياق صراعها الإقليمي سوى مليشيا الحوثيين، يشجعها على ذلك غياب أي تهديد حقيقي لسلطة الحوثيين على الأقل في الوقت الحالي، سواء من قِبل التحالف السعودي - الإماراتي، أو السلطة اليمنية الشرعية، أو قوى أخرى كالولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي.

هذا الوضع الاستثنائي للحوثيين رغم انهيار ما يُسمى محور المقاومة، يغري إيران بزيادة دعمها لهم كخط دفاع أخير تلوّح به كوسيلة للضغط، خصوصا أن الموقع الإستراتيجي لليمن يمنحها العديد من المميزات التي قد لا تتوفر جميعها في بلد آخر، فمن خلاله يمكن تهديد الكيان الإسرائيلي، والتهديد بإغلاق مضيق باب المندب، وأيضا تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، فضلا عن القدرة على تهديد جميع دول الخليج.

- البحث عن ملاذ نفوذ مستقر

لقد تقلص هامش المناورة الإيرانية في الإقليم بعد تراجع شبكة الوكلاء في المنطقة، وبالتالي تبدو مناطق شمال اليمن، التي تسيطر عليها مليشيا الحوثيين، بمنزلة ملاذ النفوذ المستقر لطهران في الوقت الحالي.

وهناك جملة من العوامل المتداخلة التي تجعل مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين كملاذ نفوذ مستقر لإيران، من أهمها أن مليشيا الحوثيين تُعد سلطة أمر واقع أصبحت تملك أدوات عسكرية وأمنية وإدارية مكنتها من ترسيخ سيطرة ممتدة منذ سنوات دون تهديد جدي من خصومها، سواء الحكومة الشرعية والمكونات المحلية المتحالفة معها، أو التحالف السعودي - الإماراتي، أو حتى الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن الطبيعة الجغرافية الوعرة، والبنية الاجتماعية ذات البُعد المذهبي المرتبط بمشروع الحوثيين، أي المناطق التي ينتشر فيها المذهب الزيدي، تمنح هذا النفوذ حصانة إضافية. يضاف إلى ذلك غياب ضغط إقليمي أو دولي حاسم يشبه ما تتعرّض له أذرع طهران في العراق ولبنان، الأمر الذي يجعل من الساحة اليمنية، وتحديدا مناطق الشمال، بيئة آمنة وربما مستدامة لتوظيف النفوذ الإيراني بأقل كلفة وأكبر عائد.

ويمثل الموقع الإستراتيجي لليمن عنصرا حاسما في حسابات إيران، لأنه يتيح لها تحويل مناطق سيطرة الحوثيين إلى قاعدة نفوذ آمنة نسبيا في قلب الإقليم. ومع تراجع حضورها في دول أخرى، ستزيد إيران من دعمها العسكري للحوثيين، سواء عبر تزويدهم بأسلحة متطورة، أو تدريبهم على إستراتيجيات قتالية متقدّمة.

كما أن الدعم الذي كانت توزعه إيران على وكلاء آخرين في العراق ولبنان والمليشيات الطائفية التي كانت تنتشر في سوريا قبل سقوط نظام بشار الأسد، سيتركز معظمه للحوثيين، مما يعزز قدراتهم ويضمن احتفاظ إيران بأدوات نفوذ فعالة. 

يضاف إلى ذلك أن الطبيعة الجغرافية والتهديدات المحدودة للقصف المباشر توفر بيئة آمنة لتخزين السلاح ونقله، وربما نقل اليورانيوم المخصب بعيدا عن الاستهداف الإسرائيلي والأمريكي، مما يقلل من مخاطر التدمير ويجعل من شمال اليمن مخزنا إستراتيجيا لمعدات إيران العسكرية لتهديد المنطقة.

وفي تصريح مثير، أعلن وزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، عن إنشاء بنى تحتية ومصانع للسلاح في بعض الدول، مشيرا إلى أنه سيتم الكشف عنها خلال شهر إذا اقتضت الحاجة. وأضاف أن إيران تواصل تطوير قدراتها الدفاعية، بما في ذلك اختبار صواريخ جديدة لم تستخدم بعد، مؤكدا أن هذه الخطوات تأتي في إطار تعزيز البنية التحتية للصناعات الدفاعية الإيرانية.

وبصرف النظر عن الهدف من ذلك التصريح المثير، أو مدى مصداقيته، فالواضح أن بعض ساحات النفوذ الإيراني لم تعد مؤهلة لإنشاء مصانع أسلحة، فمثلا سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد خلت تماما من المليشيات الطائفية الموالية لإيران، وجنوب لبنان شبه مكشوف أمام الاستخبارات الإسرائيلية، وأي مصانع للسلاح هناك سيتم تدميرها، كما أن العراق مكشوف أمام الاستخبارات الأمريكية، ومن الصعب إنشاء مصانع كبيرة هناك، بل إن إيران ذاتها شبه مكشوفة أمام الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية.

وبالتالي تبقى مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين في شمال اليمن شبه محصنة أمام الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، على الأقل في الوقت الحالي. وإذا كان لإيران بالفعل مصانع أسلحة في دول أخرى، فإن شمال اليمن هو الأنسب لإنشاء مثل هكذا مصانع في منطقة نفوذ آمن وشبه مستقر. 

فالموقع الجغرافي لمناطق سيطرة الحوثيين، البعيد عن متناول الضربات الجوية المباشرة، يوفر بيئة مناسبة لتخزين الأسلحة وتطويرها. كما أن غياب الضغوط الإقليمية والدولية المباشرة يزيد من قدرة إيران على تعزيز نفوذها العسكري في المنطقة، مما يجعل شمال اليمن نقطة ارتكاز فعالة في مشروعها الدفاعي.

- أدوات إيران لترسيخ نفوذها في شمال اليمن

هناك مجموعة متنوعة من الوسائل أو الأدوات التي تمكن إيران من ترسيخ نفوذها في شمال اليمن، ويأتي في مقدمتها البُعد العسكري الذي يشكل الركيزة الأهم في بناء سلطة الحوثيين كذراع إقليمي. فقد عمدت طهران إلى تزويد المليشيا بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وتدريب كوادرها على استخدام تقنيات قتالية متقدّمة عبر خبراء من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، وقد منح هذا الدعم العسكري مليشيا الحوثيين القدرة على الاستمرار في المواجهة مع خصومهم المحليين والإقليميين، كما وفر لإيران ورقة ضغط مباشرة على الممرات البحرية والدول الخليجية.

أما الأداة العقائدية، فقد أدت دورا حاسما في تماسك المشروع الحوثي وارتباطه بالمشروع الإيراني، إذ عملت طهران على توظيف المذهب الزيدي في شمال اليمن وإعادة تفسيره بروح الثورة الخمينية، بما يرسخ ثقافة "الولاية" و"المقاومة" في خطاب الحوثيين، وأسهم هذا التداخل بين البُعد المذهبي المحلي والأيديولوجيا الإيرانية في تعزيز قبضة الحوثيين داخل بيئتهم الاجتماعية، وربطهم بسياق أوسع ضمن ما يُسمى "محور المقاومة".

وفي البُعد الاقتصادي، تعتمد إيران على شبكات تهريب النفط والسلاح عبر الموانئ والمنافذ البحرية، إضافة إلى دعم الحوثيين في السيطرة على الموارد المحلية كالضرائب وعائدات الموانئ. وإعلاميا، تضخ إيران عبر أذرعها الإعلامية خطابا منظما يقوم على سرديات "المظلومية" و"المقاومة"، ويربط الصراع في اليمن بالقضية الفلسطينية لتوسيع دائرة التأييد للحوثيين.

- عقبات أمام استدامة النفوذ الإيراني في اليمن

رغم العقبات الإقليمية أمام استدامة المشروع الإيراني في اليمن، مثل موقف التحالف السعودي - الإماراتي، والسلطة اليمنية الشرعية، لكن تجربة نحو عشر سنوات من الصراع كشفت فشل التحالف في اليمن، كما أن السلطة الشرعية أصبحت لا تملك قرارها، وهي مجرد منفذ لأي توجيهات من التحالف السعودي - الإماراتي، وبالتالي فإيران قد ترى في هذه الأطراف وفشلها فرصة ثمينة لاستغلال شمال اليمن وتحويله إلى قاعدة عسكرية متقدمة لتهديد مختلف دول المنطقة والملاحة الدولية عبر البحر الأحمر أو إغلاق مضيق باب المندب.

وإذا كان الدعم الإيراني للحوثيين بالسلاح سيقوّي موقفهم أمام السلطة الشرعية والمكونات المتحالفة معها، وسيصوب نحو الشعب لحكمه بالقوة، لكن يظل المجتمع اليمني نفسه حاجزا صلبا أمام تكريس النفوذ الإيراني في شمال اليمن، فالبنية القبلية الواسعة، وانتشار المذهب الشافعي بشكل واسع حتى في المحافظات التي ينتشر فيها المذهب الزيدي، والتاريخ الطويل من مقاومة الهيمنة الخارجية، جميعها عوامل تجعل من الصعب على أي مشروع خارجي أن يستقر دون مقاومة مجتمعية. ورغم نجاح الحوثيين في السيطرة على مناطق واسعة، إلا أن رفض الهيمنة الإيرانية يظل متجذرا لدى الشعب اليمني.

وفي الإطار الإقليمي الأوسع، لا يمكن تجاهل تأثير المعادلات السياسية المتغيرة، فإيران ليست اللاعب الوحيد في المنطقة، واحتمال عقد صفقات أو تفاهمات إقليمية - دولية قد يؤدي إلى تقليص دورها في اليمن. فقد شهدت المنطقة سابقا تحولات مفاجئة أضعفت حضور وكلاء طهران في العراق وسوريا ولبنان، وبالتالي فاليمن ليس استثناء دائما من هذه القاعدة.

وأما أخطر العقبات على الإطلاق فيكمن في احتمال اندلاع انتفاضة أو ثورة شعبية ضد الحوثيين، فحملات القمع التي يشنونها مؤخرا في مناطق سيطرتهم تكشف حجم الخوف من حراك داخلي يطيح بسلطتهم. وتدرك طهران أن أي انهيار داخلي للحوثيين سيقوض استثمارها الإستراتيجي في اليمن، ولذلك تواصل دعمهم بالمال والسلاح والوقود لتأمين استمرارهم، لكن هذا الدعم لا يلغي هشاشة سلطتهم أمام غضب شعبي كامن قد ينفجر في أي لحظة.

الخلاصة، تبدو اليمن اليوم مرشحة لأن تصبح "البديل الإستراتيجي" لنفوذ إيران بعد أفول أذرعها التقليدية في سوريا والعراق ولبنان، غير أن استدامة هذا النفوذ تظل مرهونة بقدرة الحوثيين على التحول من مليشيا مسلحة إلى كيان ذي سمات دولة، وبالمعادلات المتغيرة لموازين القوى الإقليمية واحتمالات التدخل الدولي الحاسم.

وفي هذا السياق، قد تتحول الساحة اليمنية إلى "العقدة الأخيرة" التي ستحسم مستقبل المشروع الإيراني برمته، إما بتكريسه كقوة إقليمية باقية، أو بكشف حدود نفوذه وانكشاف هشاشته أمام الضغوط الداخلية والخارجية.

تقارير

ضحايا بشرية وخسائر مادية.. ما التأثيرات المتوقّعة من المنخفض الجوي الذي يضرب اليمن؟

يشهد اليمن في السنوات الأخيرة تصاعدًا للأعاصير والمنخفضات الجوية، حيث تسببت سيول الأمطار الغزيرة التي تشهدها البلاد حاليًا بوفاة مواطنين، ودمار للشوارع والطرقات والمنازل والمزارع في عدة محافظات.

تقارير

تعز بين الإهمال والتآمر.. كيف تحوّلت الموارد المحلية إلى مصدر نزاع بدلاً أن تكون أداة تعزيز للصمود؟

وزير الدفاع، الفريق الركن محسن الداعري، يصدر مذكرة رسمية إلى قيادة محور تعز، شدّد فيها على ضرورة التوقف عن استيفاء ضريبة القات من قِبل وحدات عسكرية تابعة للمحور، معتبراً ذلك تجاوزاً لصلاحياتها.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.