تقارير
الأواني الفَّخارية.. عندما يمتزج الفن بالتاريخ
بلقيس - حسان محمد
يقضي الخمسيني عبدالله الخولاني معظم يومه في محلِّه الخاص ببيع الأواني الفخارية بأمانة العاصمة، على الرُّغم من شحة الطلب على مقتنيات المحل، إلا أنه ما يزال متمسكاً بمهنته التي يرجع ظهورها في اليمن إلى حوالي 2600م، كما تشير اكتشافات البعثة الإيطالية في المرتفعات اليمنية الوسطى.
أما في المناطق الساحلية، فقد ظل الأمر مجهولاً، لعدم وجود أعمال تنقيب حتى قامت البعثة الكندية التابعة لمتحف "اونتاريو" الملكي بأعمال التنقيب في سهل تهامة عام 1996م، وأرجعت تاريخ استخدام الفخار إلى فترة حكم الدولة "الزيادية"، بحسب المركز الوطني للمعلومات.
وتعد مناطق 'حيس' و'زبيد' و'الجراحي' و'بيت الفقيه' في تهامة من أهم الأماكن والمواقع التي تشتهر بصناعة الفَّخار في اليمن، تليها 'عُتمة' و'وصابين' و'ريمة' ومنطقة الحجرية، والعديد من مناطق صنعاء وحضرموت.
صناعة مُتقنة
يستخدم الفَّخار المصنوع من الطِّين في أغراض عملية إلى حدٍ كبير، ويشمل أواني نقل وحفظ المياه والطبخ وأكواب القهوة وغيرها، وتمرُّ صناعته بالعديد من المراحل، تبدأ باختيار التُّربة المناسبة، التي قد يضطر الحِرَفي "صانع الفخار" إلى الحفر واستخراجها من باطن الأرض، والعمل على تنقِيتها وغربَلتها بشكل جيِّد، لفصل تراب الفَّخار عن الشوائب العالقة حتى تصبح صالحة للاستخدام.
يتحدّث صانع الفخار فضل الأوزري لـ"بلقيس" عن مراحل صناعة الأواني الفَّخارية من الطين، ويقول: "بعد إحضار الطِّين إلى المعمل، أو مكان التصنيع، يُوضع في أحواض كبيرة، ويتم صبُّ كميات محددة من المياه عليه وتنقيعه، وتبدأ عملية العجْن التي تكُون بالآلات، أو بالأقدام والأيادي، حتى تصبح ليِّنة وقابلة للتشكيل والتقطِيع إلى أحجام مُختلفة، حسب نوعية وحجم الإناء المُراد تصنيعه".
ويضيف الأوزري: "تتم عملية تشكيل الأواني الفَّخارية بواسطة الآلة الخشبية والأيادي، ثم يتم وضعها في أفران تقليدية، تُوقد بالحَطب قبل الوصول إلى المُنتج في صُورته النهائية، ثم تأتي مرحلة طلاء الفَّخار بمواد تقليدية يتم نقشها باليد، لتعطي هذه الأواني بريقاً جميلاً".
نكهة مُميزة
صناعة وتجارة الفَّخار شهدت رواجاً قبل دخول البلاد في الحرب، لكنَّها -في الوقت الراهن- تواجه كساداً كغيرها من المِهن الأخرى التي تأثَّرت بالأوضاع الاقتصادية الناتجة عن الصراع، ويواجه العاملون فيها ظروفا معيشية صعبة، كما يقول الخولاني لـ"بلقيس".
إلا أن جلال الضلعي يرى أن الأواني الفَّخارية يجب أن تُحافظ على مكانتها في السوق، لأن لها مزايا خاصَّة، ولا تستطيع غيرها من الأواني المصنوعة من 'القصدير' أو 'البلاستيك'، أو غيرها، منافستها أو أخذ مكانها.
مذاق الطعام ونكهته عندما يُقدّم بأواني المدر (الفَّخار) يكون مُميزاً وشهِياً، وترتبط بشكل وثيق بالأكلات الشعبية اليمنية ك: 'السلتة' و'الفحسة'، ولا يمكن طهيها أو تقديمها إلاّ بها، كما يقول الضلعي لـ"بلقيس".
الفناجين أحد المُنتجات الفَّخارية، التي ارتبطت بالقهوة، المشروب اليمني الأصيل منذ القِدم، ما تزال تكافح للبقاء، إلا أن الكثير من الناس استبدلوها بالأكواب الزُّجاجية، وصارت شبه مُنعدمة من المنازل والأسواق بعد أن كانت القهوة لا تُقدم إلا بالفناجين.
هُوية تتلاشى
تبعات الحرب، التي ضيَّقت الخناق على المنتجات الفَّخارية، أنعشت تصنيع وتجارة "تَنُّور الحَطَب" أو "المَوْفَا"، الذي يُستخدم لإعداد الخُبز، وما يزال منتشراً بشكل كبير خاصةً في الأرياف، حيث شهدت سنوات الحرب عودةً واسعةً لاستخدامه حتى في المُدن، نظراً للأزمة الخانقة في مادة الغاز المنزلي التي تشتد بين فترة وأخرى.
تمثل الأواني والصناعات الفَّخارية المتنوِّعة قيمة حضارية وجمالية عرَفها الإنسان اليمني منذ أن بدأ يشعر باحتياجه لتلك الأدوات، إلا أن هذه العلاقة بدأت تضعف وتتلاشى تدريجياً في مناطق كثيرة من البلاد، فهل ستعود العلاقة وثقية كما كانت؟ وهل سيُحافظ الإنسان اليمني على هذه الهُوية؟