تقارير
الحوثيون يحولون طريق دمت - مريس إلى أداة جباية.. وتصاعد المخاوف من تكريس الانفصال الاقتصادي
بعد أيام قليلة من الإعلان عن فتح طريق دمت-مريس الحيوي الذي يربط بين عدن وصنعاء، أقدمت ميليشيا الحوثي على استحداث نقطة جمركية جديدة في منطقة دمت بمحافظة الضالع. هذه الخطوة أثارت استياءً واسعاً، واعتُبرت ضربة موجعة للمكاسب الإنسانية المفترضة من إعادة فتح هذا الشريان الحيوي، كما تسببت في موجة من المخاوف بشأن تداعياتها الاقتصادية والإنسانية على المواطنين.
ويؤكد هذا الإجراء أن الميليشيا لا تنظر إلى الطريق من منظور إنساني أو خدمي، بل كأداة لتعزيز مواردها المالية. استحداث جمرك في دمت يعني أن البضائع القادمة من عدن ستخضع لعملية جمركة مزدوجة؛ الأولى في منافذ عدن الرسمية، والثانية في دمت تحت سيطرة الحوثيين. هذا سيؤدي حتماً إلى رفع الكلفة النهائية لأي سلعة تصل إلى الأسواق في مناطق سيطرتهم، مما يضاعف من أعباء المواطن اليمني الذي يواجه أصلاً واقعاً اقتصادياً منهكاً بسبب امتناع الحوثيين عن تسليم رواتب الموظفين وانهيار الخدمات الأساسية.
ترسيم غير معلن للحدود الاقتصادية
وجود نقطة جمركية على طريق داخلي يفترض أنه يربط بين محافظتين في دولة واحدة، يعكس ترسيمًا غير معلن للحدود بين سلطتين. فبدلاً من تسهيل تدفق البضائع وتوحيد السوق الوطنية، تعمل ميليشيا الحوثي على تكريس الانقسام الاقتصادي والإداري، ليصبح عبور الشاحنات من عدن إلى مناطق سيطرتها خاضعاً لإجراءات تقارب تعامل الدول مع بعضها البعض.
تُشير التقديرات إلى أن الإيرادات التي ستدر من جمرك دمت ما هي إلا جزء من شبكة ضخمة من الموارد غير القانونية التي تستولي عليها الميليشيا وتصرفها في الغالب على تسليح المقاتلين وتمويل الحرب الطائفية، دون تخصيص أي جزء منها للوفاء بالتزامات الدولة تجاه المجتمع، مثل دفع الرواتب أو ترميم البنية التحتية. وهذا يؤكد أن الجمرك الجديد هو امتداد لأجندة الحرب وليس خطوة في طريق السلام.
أوضح المحلل السياسي حسن مغلس أن الحوثيين اضطروا لفتح الطرق بعد استهداف ميناء الحديدة، وأنهم يستغلون أي فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية وعسكرية. وأكد أن هذه السرعة في استحداث الجمرك تثير استفهامات حول وجود تراخي من جانب الشرعية، مشيراً إلى أن الحوثي يتعامل بمنطق القوة والجباية. وأضاف أن المجتمع الدولي يدعم الحوثيين، وأن الشرعية متراخية في التعامل معهم. وشدد على ضرورة التعامل مع الحوثي بالقوة، وأن الحل العسكري هو الفيصل.
من جانبه، أشار الدكتور إيهاب القرشي، الخبير في الشؤون الاقتصادية والإنسانية، إلى أن الحوثيين يفرضون الجمارك على الواردات منذ عشر سنوات، وأنهم الآن يوسعون هذه العملية بفتح طرق رئيسية لتعويض احتياجاتهم الملحة بعد تضييق الخناق عليهم في البحر الأحمر. وأضاف أن الشرعية مطالبة باتخاذ موقف حازم والتفاوض بشكل فعال لحماية المواطن من الجباية المزدوجة. ووصف النموذج الاقتصادي للحوثيين بأنه "فاشي وطائفي"، يهدف لاستنزاف مقدرات الشعب اليمني. وشدد على أن المعركة العسكرية هي الفيصل، ولكن لابد من التعامل بالمثل مع الحوثي على المدى القصير لتخفيف المعاناة الإنسانية. وأكد على ضرورة تدخل المجتمع الدولي لحل الأزمة اليمنية.
تساؤلات حول دور الوسطاء وضعف الشرعية
طرح النقاش تساؤلات حول دور الوسطاء المحليين والدوليين الذين رعوا عملية فتح هذا الطريق دون المطالبة بضمانات تمنع تحويله إلى مصدر للجباية. كما تم التشكيك في أسباب التساهل مع ممارسات تكرس الانفصال الاقتصادي كأمر واقع.
حيث وصف الدكتور إيهاب القرشي النموذج الاقتصادي للحوثيين بأنه "فاشي وطائفي"، يهدف لاستنزاف مقدرات الشعب اليمني. وأوضح أن بقاء هذا النموذج يرجع إلى ضعف الطرف الآخر وإخفاقه في تشكيل نموذج قوي يلتف حوله اليمنيون. وشدد على أن المعركة العسكرية هي الفيصل، ولكن لابد من التعامل بالمثل مع الحوثي على المدى القصير لتخفيف المعاناة الإنسانية.
واختتم مغلس حديثه بالدعوة إلى أن تكون الحكومة الشرعية "حكومة حرب" تحشد الجهود لتحرير البلاد، مؤكداً أن الأمل يكمن في المرابطين من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وأن الشعب اليمني لن ينتظر "دلع الشرعية" في ظل ما يعانيه من فقر وانعدام للخدمات.
يبقى السؤال قائماً: إلى متى ستستمر المعاناة الإنسانية غطاءً لتوسيع سلطة الميليشيا على حساب الدولة والمواطن معًا، وما هي الخطوات الفعلية التي ستتخذها الأطراف المعنية لوقف هذا التدهور المستمر؟