تقارير
الزي المدرسي.. جدار يعزل الأطفال عن فصول الدراسة
بملابس مدرسية مهترئة، مُحيت ألوانها، ما يزال الكثير من الطلاب يتمسكون بحلمهم بالتعليم، ويكافحون للبقاء في فصول الدراسة، في سنوات ألقت تبعات الحرب ثقلها على كاهل الأسر التي تعتبر التشبث بالحياة خلال هذه الفترة إنجازًا بحد ذاته.
بجوار جدران المدارس، ترىالأةوض كثيرًا من الأطفال في سن الدراسة يوجهون أبصارهم إليها من بعيد، كحلم يصعب تحقيقه، أو رفاهية لا تعنيهم، وتجربة ربما خاضوها لعدد من الصفوف قبل أن تقذف بهم الظروف خارج أسوارها.
التمسك بخيط التعليم
بالزي الدراسي القديم الذي يرتديه "مصطفى" -الطالب في المرحلة الأساسية- يواصل تمسكه بمدرسته في مديرية 'شعوب' بأمانة العاصمة، غير مهتم بقدر اللون الذي فقدته بدلته أو كم تبقى منه.
فمن أجل بقاء أبنائها في سلك التعليم، تناضل عائلة مصطفى عبر حلول بسيطة لتحقيق هذا الهدف، منها الحفاظ على الزي المدرسي لأكثر أعوام دراسية مُمكنة، وتوريث البدلة من الكبار إلى الأصغر إن بقيت سليمة نوعًا ما.
وتتمنّى أم مصطفى أن تلغي المدارس فرض الزي المدرسي على الطلاب من باب التسهيل، ومراعاة وضع أولياء الأمور في الأسر الفقيرة الذين لا يستطيعون تحمّل تكلفتها، خاصة مع وجود عدد من الأبناء في سن الدراسة.
وتتشابه العديد من القصص مع قصة الطفلة رويدا، التي يجب أن تكون في مقاعد الصف الخامس الأساسي، لكنها ما تزال عالقة في المنزل، تبكي بحرقة كلما رأت رفيقاتها يذهبن إلى المدرسة التي فتحت أبوابها منذ أسابيع، بينما ما تزال تنتظر أن تتيسر ظروف والدها ويشتري لها بالطو الزي المدرسي.
لا تختلف مأساة رويدا عن أبناء كثير من الأسر الفقيرة، وخاصة النازحين الذين يعيشون في دكاكين صغيرة وسط الأحياء، ويحاولون توفير الزي المدرسي من صدقات الميسورين الذين يقدّمون لهم بقايا ملابس أبنائهم، ومنها بدلات الزي المدرسي، لتبقى مواصلة التعليم معلقة بهبات المحسنين، وتتوقف متى انقطعت.
توريث البدلة
يتراوح ثمن الزي المدرسي الحكومي ما بين سبعة آلاف ريال إلى عشرة آلاف ريال في محلات الخياطة، وما يقارب خمسة آلاف ريال أو أقل بقليل لمنتجات المعامل المحلية التي تُعرض في المحلات، لكنها تُخاط من أقمشة ذات جودة متدنية، وتتمزق خلال فترة قصيرة، ولا تستمر إلى أعوام أخرى.
ولسد فجوة الزي المدرسي، يحاول أولياء الأمور شراء أو تفصيل البدلات بمقاسات كبيرة على أبنائهم حتى تُعمّر سنوات أكثر، وتتفرغ الأسرة لشراء الكتب والدفاتر والمستلزمات الدراسية الأخرى.
كثيرة هي الأسباب والعوائق التي تؤدي إلى طريق التسرّب من المدرسة، والزي المدرسي ليس إلا واحد من تلك الحواجز التي تراكمت بعضها فوق بعض، وجعلت كثيرًا من المنظمات المحلية والأممية والدولية تدق ناقوس الخطر حول وضع التعليم في اليمن.
وبحسب منظمة رعاية الأطفال، فإن طفلين من كل خمسة أطفال يتسرّبون من التعليم في اليمن، بما يعادل 4.5 مليون طفل خارج صفوف الدراسة نتيجةً للحرب والفقر والتبعات الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الأسر.
وتؤكد المنظمة أن الأطفال النازحين معرضون أكثر بمرتين لمخاطر التسرّب من الدراسة، في حين أن عودتهم إلى مناطقهم ستُساهم في تقليل خطر التسرّب بنسبة 20%.
عقبات مضاعفة
في ظل انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة، تضاعفت رسوم التعليم، وتحوّل الكتاب المدرسي إلى استثمار وتجارة مُربحة، حيث صار يُباع في نقاط رسمية من قِبل مطابع الكتاب المدرسي، وفُرضت رسوم بقيمة ألف ريال شهريًا على كل طالب، وأدى انقطاع المرتبات إلى تسرّب أغلب الكادر التربوي من المدارس بحثًا عن وظائف وأعمال أخرى.
ويرى أولياء أمور طلاب أن إلغاء فرض الزي المدرسي سيرفع من عاتق الأسر الفقيرة حملًا ثقيلًا، وسيزيل عقبة من أمام الطلاب الفقراء الذين يتمسكون بحلم التعليم، وسيحد من حرمانهم من الدراسة.
في المقابل، يرى التربوي صلاح العابدي أن إلغاء الزي المدرسي سيفتح باب التفاخر وسط الطلاب القادمين من أسر ميسورة، وسيجعل الطلاب الفقراء يشعرون بالدونية والتمايز، وسيكون هذا الإجراء مشكلة وليس حلًا.