تقارير
اللواء فايز الدويري: شاركت في تحصينات باب المندب، واغتيال الحمدي يشبه نكسة 67، وهذا تقديري لثروة صالح
استطاع الخبير العسكري والمحلل الإستراتيجي الأردني، اللواء فايز الدويري، بخبرته العسكرية الكبيرة أن يغطِّي أحداث غزة باحترافية عالية، وأن يكشف تفاصيل وأبعاد الحرب على غزة.
يطل علينا كل ليلة من شاشة "الجزيرة" ليقدم قراءة عسكرية إستراتيجية، ويوضح بمهنية وموضوعية عالية سير المعارك في غزة، ومدى تفوق المقاومة رغم قلة إمكانياتها، وهشاشة الجيش الاحتلال رغم تفوقه في العدد والعتاد. فاللواء الدويري -بقدرته الكبيرة ومعرفته العسكرية الواسعة بسير المعارك وأنواع الأسلحة ومداها وقوتها وتأثيرها- يعد مدرسة متفردة في التحليل العسكري.
في مراجعات اللواء الدويري، التي بثتها قناة "الحوار" قبل سنوات، التي لم تنل المشاهدات التي تستحقها، الكثير من المعلومات الهامة، والآراء الثاقبة، والمفاجآت الهامة، والتفاصيل الشيّقة، والقصص العجيبة.
وقد اختص اليمن بنصيب منها، حيث روى مشاهداته حين عمل في المجال العسكري في اليمن، خلال الفترة ما بين 1977 - 1979، فقد شارك اللواء الدويري مع القوات المسلحة اليمنية كضابط هندسة في تحصينات مضيق باب المندب، وفي بناء معسكر خالد في تعز، وقد تعرف على الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن قرب، وله معه مواقف عديدة، وقد تحدث عنه باستفاضة في مراجعاته، فنصيحة لمن لم يشاهد هذه الحلقات بأن يشاهدها؛ ففيها ما يستحق المشاهدة.
يقول اللواء الدويري: "في أواخر عام 1976م، وبعد أن أنهيت دورة دروع تأسيسية في الجيش الأردني، كلفت بالسفر إلى اليمن كخبير عسكري في الجيش اليمني، تخرجت من الدورة، يوم الخميس وسافرت يوم السبت 1 يناير كانون الثاني 1977م، إلى اليمن. ذهبت أنا وزميلي، وهنا استقبلنا ثلاثة من الضباط الأردنيين، الذين سبقونا في العمل باليمن، سافرنا ونحن لا نعلم ما هي طبيعة المهمة، التي سنقوم بها، كان حينها راتبي قد وصل إلى 1200 دينار، وهو مبلغ ضخم حينها فلم يكن لدي استعداد للتفكير بالسفر".
- السفر إلى تعز ومقابلة صالح
يقول اللواء الدويري: "بمجرد ما نزلنا في مطار صنعاء شعرت بأن الدنيا تغيرت، وجدت زملائي ينتظروني بالسيارة عند الطائرة، ركبت معهم ومضيت دون أن أختم جوازي، قابلنا رئيس البعثة العسكرية الأردنية والسفير الأردني في اليمن في ثاني يوم، ونزلنا من صنعاء إلى تعز، وإذا بهم يخبرونا بأننا سنكمل مشروع يشرف عليه زملاؤنا، وهو إنشاء تحصينات باب المندب، في باب المندب المطل على جزيرة ميون (بريم) أكملنا عمل زملائنا الذين سبقونا في إنشاء العديد من المواقع العسكرية، كان يومها رئيس اليمن هو إبراهيم الحمدي ـ رحمة الله عليه ـ وبقينا في اليمن عامين وثلاثة أشهر.
كان حينها علي عبد الله صالح قائد لواء تعز، وكان برتبة رائد، طبعا لما ذهبنا للقائه وجدت الكثير من المفارقات، فمن اللحظة الأولى لدخولي اليمن شعرت بأني دخلت في عالم غريب، كوني أدخل البلد وأجد السيارة بجوار سلم الطائرة، وأركب وأمضي دون ختم جوازي، ولا يكلمني أحد، كأن أول المفارقات، وهو نتاج الفوضى حينها -للأسف!
علي عبد الله صالح كان المسؤول العسكري الأول في تعز، وهو يتقدم على المحافظ من حيث الأهمية والسلطات، ذهبنا لمقابلته؛ ما ثار حفيظتي أن مدير مكتبه برتبة مقدم، ولما دخلنا وجدنا قائد اللواء برتبة رائد، بمعنى أن مدير مكتبه أعلى رتبة منه، وهذا أمر يتناقض مع المفاهيم العسكرية التي تربيت عليها وبعيشها!
الشخص الذي قدم لنا الضيافة يحمل رتبة رائد، أي أنه مساوٍ في الرتبة لقائد اللواء!
شعرت حينها بالصدمة، وقد أدرك أحد زملائي من السابقين في اليمن الموقف فأشار لي بيديه يعني: لا تتفاجأ!
لقد كان للجيش الأردني بعثة عسكرية كاملة في اليمن، رئيس البعثة مكتبه مقابل مكتب القائد العام الرئيس إبراهيم الحمدي، هناك ضابط أردني مندوب مدفعية مقابل قائد سلاح المدفعية، يعني أين ما وجد قائد هناك ضابط أردني مقابله يساعده على إعادة تأهيل وتدريب وبناء الجيش، حتى إن دفتر راتب الجندي اليمني كان نفس راتب الجندي الأردني بالفلس والدينار، رغم أن العملة اليمنية هي بالريال!
- من عجائب الفساد في الجيش اليمني
يواصل اللواء الدويري: "بنينا في تحصينات باب المندب، وأكملنا بناء معسكر خالد في منطقة المفرق ما بين تعز والحديدة، كان مشروع تحصينات باب المندب من وجهة النظر في ذلك الزمان مشروع حيوي رئيسي؛ لكن ما لمسناه أن المنصب يعطى ليس حسب الكفاءة، حسب الأهمية القبلية والعلاقات الشخصية، ولا يوجد تقدير للتراتبية العسكرية، فمعروف أنه في أرقام متسلسلة فالضابط الأقدم مني هو المسؤول عني بينما في اليمن لا توجد تراتبية ، كنت أجد مدير التموين نقيب وعنده أكثر من عشرين مقدما!
وعندما تتساءل كيف تم تعيين شخص بمنصب، وهناك من هم أكبر منه رتبة تجد أن هذا الشخص إما امتداده القبلي متجذر وقوي وينتمي إلى قبيلة كبيرة لها جذورها ونفوذها، أو أنه على علاقة مع قائد اللواء".
- اغتيال الحمدي بسبب مشروعه الوطني
يضيف اللواء الدويري: "خلال العام الأول من وجودي في اليمن، اغتيل الرئيس الحمدي، واعتبر اغتيال الحمدي إسقاطاته على اليمن تعادل إسقاطات نكسة 67 على الدول العربية كلها، لماذا؟
لأن الحمدي كان يمثل مشروعا وطنيا، كان يحاول أن يبني دولة، كانت لديه طموحات لبناء اليمن السعيد، اليمن المبارك، فالحكمة يمانية، أبوه كان قاضيا قبليا، لا يمثل امتدادا قبليا كبيرا، ولكنه ضابط يفيض حيوية ووطنية، ولأنه كان يمثل مشروعا وطنيا أصبح الحمدي هاجسا لكل الدول المحيطة، التي لا تريد لليمن أن يتطور، ويحصل على الأمن والاستقرار، فتم اغتياله.
الآن انتشرت معلومات عن عملية اغتيال الحمدي، في يوم الاغتيال قتل الحمدي وقتل شقيقه وصهره (زوج أخته).. قبل اغتيال الحمدي قتلوا أخاه عبد الله الحمدي -قائد اللواء المدرع السابع- كما قتلوا علي قناف -زوج أخت الحمدي- قائد قوات العمالقة.
ولاحقا تبين أنه كان معزوما على مأدبة غداء، خطط لها أحمد الغشمي - نائب رئيس مجلس قيادة الثورة- وعلي عبد الله صالح. المعلومات، التي كنت أعرفها، أنه لا يمكن أن يلتقي إبراهيم الحمدي وأخوه وزوج أخته في مكان واحد.يجب أن يكونوا متفرقين، خائفون من الاغتيال، ولكن تم دعوة الثلاثة، وكل واحد منهم لا يعرف أن الآخر مدعو، ولما وصل إبراهيم الحمدي وجد أخاه قد قتل، وكذلك صهره، وتم قتله.
لقد كنت حينها في تعز، وسمعت الأخبار من الراديو بأنه قد تم اغتيال المقدم إبراهيم الحمدي، لقد كانت مؤامرة، وتم إخراجها بطريقة سيئة جدا، جاءوا ببنتين مضيفتي طيران، وتم إعدامهما وتصويرهما بأوضاع مخلة بالآداب، حتى يلوثوا سمعة ذلك الإنسان النظيف، لقد كان يمثل ضوءا في نهاية النفق، وكان اغتياله يمثل اغتيالا للمشروع الوطني اليمني.
لقد تأكدنا لاحقا من تورط علي عبد الله صالح في اغتيال الحمدي، فهو من أطلق عليه الرصاص، وطعنه بالخنجر (الجنبية)، الغشمي في لحظة القتل تراجع، وقال: لا، هذا يبقى صديقنا، فأصر علي عبد الله صالح على قتل الحمدي.
وقد كانت نهاية صالح مأساوية [بشر القاتل بالقتل]، صالح رغم أنني خدمت معه لمدة 18 شهرا، وكنت ألتقيه بشكل أسبوعي، إلا أنه كان يمثل مشروع فساد، والحمدي يمثل مشروعا وطنيا.
علي عبد الله صالح ذكي بالفطرة، وقد سألت عنه فقلت: خطه جميل، كما وصف الكتاب الأخضر للقذافي بأن غلافه جميل.
بدأ صالح حياته سائقا لدبابة، ثم ترقى وصار شاويشا، ثم ضباطا، ثم ملازما أول، ثم قفز إلى رتبة رائد، واستلم قائد لواء تعز الذي كان موجودا في باب المندب، استلم قيادة لواء تعز شريطة أن يخرج قائد اللواء السابق؛ لأنه كان معارضا لخط الغشمي والحمدي، ظل في لواء تعز أربع سنوات ثم انتقل إلى صنعاء.
بعد مقتل الغشمي، كانت اليمن الجنوبي تعيش صراعات، صراع بين جناح سالم ربيع علي وجناح عبد الفتاح إسماعيل، ربيع علي لجأ إلى الغشمي للإطاحة بعبد الفتاح إسماعيل، كانت خطوط الهاتف مراقبة، وتم تسجيل المكالمة، واتفق سالمين مع الغشمي على أن يتم إرسال حقيبة دبلوماسية فيها تفاصيل الخطة، وفي المطار بدل رجال عبد الفتاح إسماعيل الحقيبة بحقيبة أخرى ملغومة، ولما فتحها الغشمي انفجرت به، وحينها اتهمت اليمن الشمالي سالم ربيع علي باغتيال الغشمي، وقد تحركت قوات شمالية باتجاه الجنوب، وفي ذلك المساء سمعت البيان من إذاعة عدن، وكأني اسمعه الآن "لقد تم إلقاء القبض على العميل سالم ربيع علي، وحوكم وحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم"!
ثم جاءت أحداث وتغييرات كثيرة في اليمن الشمالي والجنوبي، وصارت الوحدة، ومسلسل الأحداث الذي نعرفه.
وبحسب ما علمت، فثروة علي عبد الله صالح 64 مليار دولار.
وقد عدت للأردن في مارس آذار عام 1979م".