تقارير
الهجرة أو الإفلاس.. خيارات صعبة أمام التجار بمناطق سيطرة الحوثي
ما أن يرى العمال زبون يدلف بقدمه باب المحل، حتى يتسابقون العمال لتقديم الطلبات والعروض مع الإلحاح عليه للشراء، لعل أحدهم يفوز بمصروف يومه بعد أن عجز المحل عن تسديد الأجور، ويوشك على الإغلاق.
هذا المشهد صار يتكرر كثيرا في المحلات التجارية بصنعاء، التي تشهد كسادا كبيرا، وتدني في أعداد الزبائن، ومنها محل بيع أجهزة كهربائية ومستلزمات منزلية بالجملة والتجزئة بمنطقة شعوب.
يصف الشاب العشريني بسام المشولي الذي يعمل مع أربعة من رفاقه في محل المستلزمات المنزلية، الوضع التجاري في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي بالكارثي، حيث وصل كثير من التجار إلى مرحلة الإفلاس أو شارفوا على الوصول إليها.
احتضار السوق
في حديثه مع موقع "بلقيس"، يرى بسام المشولي، أن استمرار بعض التجار في السوق بمثابة انتحار حيث لم تعد تلك المحلات تحصل على أي أرباح، وصارت النفقات التشغيلية ومصاريف العمال تستقطع من رأس المال.
يقول المشولي: "في هذا العام تمر علينا أيام ولا يدخل أي زبون إلى المحل، وما يدخل من مبالغ مالية في بعض الأيام تتوزع مصاريف للعمال، ولم يعد بالإمكان جلب بضاعة جديدة".
الكساد التجاري وضعف القوة الشرائية ليس وحده ما يثقل كاهل التجار في صنعاء ومحافظات سيطرة الحوثي، فالجبايات المتواصلة تضيق عليهم ما تبقى لهم من مساحة للتفكير في البقاء والصمود، وهذا ما يدفع رب عمل المشولي بالهجرة إلى المملكة العربية السعودية، وإنقاذ ما تبقى له من رأس المال.
وليس رب عمل المشولي وحده من يفكر بالهجرة إلى السعودية، وتأسيس مشروع صغير فيها، وكما تؤكد وسائل إعلام سعودية متخصصة في الاقتصاد، فإن السعودية منحت 346 ترخيصا لمستثمرين يمنيين خلال الربع الأول من العام الجاري 2024.
وبحسب مجلة المال والأعمال فقد جاء المستثمرين اليمنيين الذين فتحوا مشاريع اقتصادية في هذه الفترة في المركز الثاني بعد التجار المصريين من بين المستثمرين العرب في المملكة العربية السعودية.
نهج تدميري
الإتحاد العام للغرف التجارية الصناعية بأمانة العاصمة، أتهم مليشيا الحوثي بتدمير واستهداف الشركات الاقتصادية الوطنية، والقيام بممارسات ستؤدي إلى نزوح وهجرة رأس المال الوطني بحثاً عن الأمن التجاري والاقتصادي.
وأصدرا الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية والغرفة التجارية مؤخرا، بيانا يدين ما يتعرض له القطاع الخاص من ممارسات وإجراءات تعسفية من قبل وزارة الصناعة والتجارة والمكاتب التابعة لها، والتي تستخدم السلطة لتحقيق مصالح غير مشروعة على حساب إفلاس الشركات والمنشآت الوطنية.
وتطرق الاتحاد إلى مجموعة من الإجراءات التعسفية التي يمارسها الحوثيون ضد التجار، منها إغلاق شركات ومنشآت تجارية دون صدور أحكام قضائية أوامر من النيابة المختصة، وتوقيف المركبات التي تحمل بضائع في المنافذ لأيام وأسابيع عديدة مما يضاعف أجور النقل، ويكبد التجار خسائر فادحة، علاوة على احتجاز بعض المركبات وبيع البضائع التي تحملها عنوة.
ويرى التجار أن فرض قوائم سعرية على البضائع، إحدى الإجراءات التعسفية التي اتخذها الحوثيون في مخالفة لقانون التجارة الداخلية، ونظام السوق الحر والتنافس بين المستثمرين، دون أن تراعي المصلحة العامة أو تحقق العدالة والإنصاف.
وبحسب مصادر في الغرفة التجارية والصناعية لـ"بلقيس"، فإن الحوثيين يمارسون الإجراءات التعسفية ضد التجار لسببين، الأول رفد خزينتهم بمزيد من الأموال وإن كانت غير مشروعة، والثاني تطفيش رأس المال المتواجد في السوق، وإحلال عناصرهم بدلا عنه، وإفساح المجال أمامه.
وقال المصدر: "سنوات الحرب شهدت كثير من الانتهاكات والمخالفات للقوانين من قبل الحوثيين، مما جعل كثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعجز عن الاستمرار وتشهر إفلاسها، فيما البعض من التجار هاجر إلى السعودية أو مصر وتركيا أو المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، على الرغم من المخاطر التي تواجههم هناك نتيجة لتدهور سعر العملة الوطنية.
عقبات في طريق الهجرة
خلال سنوات الحرب أصبح القطاع التجاري هدفا لابتزاز مليشيا الحوثي التي رمت بكل القوانين والتشريعات التي تنظم العلاقة بينه وبين الدولة والمجتمع عرض الحائط، وتعاملت معه بتسلط وبقانون من يمتلك القوة والنفوذ والسيطرة.
ويستغرب التاجر في المواد الغذائية عبدالرقيب السعيدي من ممارسات الحوثيين مع التجار، والتي وصلت إلى أن بعض محصلي الزكاة طالبوه بدفع ما عليه من زكاة مقدما حتى عام 2027، على الرغم من أنه ملتزم بالدفع سنويا، متسائلا في أي قانون أو عرف يدفع التاجر زكاة أو ضريبة سنوات في علم الغيب.
ويوضح السعيدي في حديثه لـ"بلقيس"، أن الحوثيين ابتدعوا مسارات جديدة في التعامل مع التجار، وفرضوا غرامات غير قانونية، ويقوموا بابتزاز التجار من خلال عرقلة معاملاتهم أو توقيفها، ووضع عقبات أمام تجديد السجلات التجارية وغيرها.
وفي جولة قام بها معد التقرير على عينة عشوائية من المحال التجارية، أجمع مالكي المتاجر على التدني الكبير في مستوى المبيعات والكساد غير المسبوق، والتوقف شبه التام في حركة السوق، وعبر الكثير منهم عن رغبته في الهجرة ونقل أعماله إلى بيئة أخرى تضمن حقوقه، لكن الهجرة ليست بالأمر السهل من ناحية التأقلم مع المكان الجديد أو بتصريف بضائعهم الحالية، كما يقولون.