تقارير

الهندسة الحوثية للقضاء: تطييف العدالة وتكريس الولاء العقائدي

11/11/2025, 13:26:32

استحدثت مليشيا الحوثي في سبتمبر من العام الماضي تعديلاً خطيراً على قانون السلطة القضائية، أعادت من خلاله توزيع الصلاحيات داخل الجهاز القضائي، ومنحت السلطة التنفيذية سلطة مباشرة على مجلس القضاء وهيئات التفتيش.

وبعد عام من صدور التعديل، بدأت هيئة التفتيش القضائي بتوزيع خريجي ما وصفوه بـ"الدورة التأهيلية لعلماء الشريعة" على المحاكم للتدريب، في خطوة وُصفت بأنها تمثل إعادة هندسة للبنية القضائية تفضي إلى تطييف العدالة وتحويل القضاء إلى أداة ضبط سياسي وفكري.

ما يجري في صنعاء هو استكمال لمشروع أيديولوجي يسعى إلى إخضاع القضاء لمنطق ميليشيا الحوثي لا لمنطق الدولة. فالقانون المعدل ألغى المسافة بين القضاء والسلطة، والبرنامج التأهيلي الجديد أنشأ قضاة بلا تكوين قانوني راسخ، لكن بولاء فكري محدد ومضمون.

- أداة قمع

يقول مدير المركز الأمريكي للعدالة، المحامي عبدالرحمن برمان: "نحن أمام محاولة لتقنين التعيين بناءً على الولاء، وتحويل العدالة إلى بنية أمنية طائفية بلباس قضائي".

وأضاف: "اليوم تحوّل القضاء من مرفق وطني وُجد من أجل تحقيق العدالة وحماية المواطنين وحقوقهم، وإيقاف تغوّل السلطات الإدارية، إلى أداة في يد الميليشيا. كان المواطنون يلجأون إلى القضاء حتى في مواجهة أجهزة الدولة، لأنه ميزان العدالة في أي بلد في العالم".

وتابع: "عندما يكون القضاء مستقلاً ونزيهاً، ينعكس ذلك على حياة المواطنين عامةً، لأنه يواجه الفساد والدكتاتورية، ويضمن تكافؤ الفرص، مما يؤدي إلى ازدهار أي بلد يوجد فيه قضاء عادل ومستقل".

وأردف: "لكن في اليمن، وتحديداً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، نعيش اليوم حالة القضاء على القضاء، إذ حوّلت الجماعة المؤسسة القضائية إلى أحد أذرعها، تمارس من خلالها أولاً غسيل جرائمها".

وزاد: "اليوم يعتقل الحوثيون الناس ويعذبونهم ثم يحيلونهم إلى المحاكم لغسل هذه الجرائم وشرعنتها بأحكام قضائية. كما يصادرون الأموال وينهبون الممتلكات، ثم تُصدر المحاكم أحكاماً لاحقة بمصادرتها لتغطية الجريمة بغطاء قانوني".

وختم برمان: "القضاء في مناطق الحوثيين أصبح أداة من أدوات القمع والنهب وانتهاك حقوق المواطنين، بعد أن كان الملجأ الأخير لهم حتى قبل ثورة 2011".

- انقلاب على الدستور والقانون

يقول عضو اتحاد قضاة اليمن، القاضي عادل الحمزي: "لقد خطا القضاء اليمني خطوات كبيرة نحو الاستقلال، بدءاً من دستور 1994 الذي نصّ على أن القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً، مروراً بقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991 الذي عزز هذا المبدأ".

وأضاف: "ثم جاء تعديل المادة (104) عام 2006 ليجعل رئيس المحكمة العليا رئيساً لمجلس القضاء الأعلى بدلاً من رئيس الجمهورية، تلاه الحكم الدستوري الشهير عام 2013 الذي قضى بعدم دستورية عدد من مواد قانون السلطة القضائية".

وتابع: "وصدر القانون رقم (27) لسنة 2013 لتعديل هذه المواد، فأبرز تعديلين كانا: سحب تبعية هيئة التفتيش القضائي من وزير العدل (السلطة التنفيذية)، تعزيزاً لاستقلال القضاء.

نقل صلاحية تعيين القضاة ومساعديهم من وزير العدل إلى مجلس القضاء الأعلى".

وأردف: "ما جرى من الحوثيين يمثل انقلاباً كاملاً على الدستور والقوانين ومخرجات الحوار الوطني. فالتعيينات الأخيرة التي طالت 83 قاضياً ليست سوى جزء من سلسلة دفعات خرّجتها الميليشيا بالمخالفة للقانون (الدفعات 22 إلى 25)، تحت مسمى معهد القضاء".

وأضاف: "بل عدّل الحوثيون قانون المعهد العالي للقضاء، وأتاحوا عبر المادة (46) إدخال عناصرهم الأمنيين إلى النيابة العامة بعد دورة تأهيلية لا تتجاوز ستة أشهر، ليتم تعيينهم كأعضاء نيابة، وهذا انتهاك صارخ لاستقلال القضاء".

وختم الحمزي: "من يطلقون عليهم اسم (علماء الشريعة) ليسوا علماء بالمعنى العلمي، فالعالم مفتي، والقاضي حاكم، وشتان بين الفتوى والحكم الملزم. لذلك لا يصلح المفتي أن يكون قاضياً".

- الولاء للسيد

يقول وكيل وزارة العدل فيصل المجيدي: "المسألة لا تتعلق بالحكومة فحسب، بل بالمجتمع كله، لأن القضاء يمس كل مواطن. نحن لا نتحدث عن مؤسسة بل عن سلطة".

وأضاف: "وفقاً للتقسيم التقليدي لمؤسسات الدولة، لدينا سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية، وقد ركزت ميليشيا الحوثي على اختراق هذه المؤسسات، فقامت بعملية تطهير عنصري شامل، وبدأت بالمؤسسات الاقتصادية ثم التعليم، وصولاً إلى القضاء".

وتابع: "منذ اقتحام صنعاء، شكل الحوثيون ما سموه (اللجنة الثورية القانونية والقضائية)، ومن خلالها أحلّوا عناصرهم كمشرفين على مفاصل السلطة القضائية: من مجلس القضاء إلى المحكمة العليا والمحاكم الابتدائية والمعهد العالي للقضاء".

وأردف: "معهد القضاء هو المصنع الذي يُخرّج القضاة، واليوم بخط قلم واحد أرسل الحوثي في 5 نوفمبر 83 شخصاً وصفهم بـ(علماء)، وهم في الحقيقة عناصر سلالية عنصرية، كل علمهم بالقضاء هو الولاء لعبدالملك الحوثي. هؤلاء لا ينفذون القانون بل ما يقوله (السيد)".

وزاد: "هؤلاء لا يفهمون شيئاً عن قوانين الإجراءات أو العقوبات أو التأمين أو البنوك. ومنذ عام 2017 شكّل الحوثي ما يسمى (المنظومة القضائية) برئاسة محمد علي الحوثي، الذي لا يملك أي تأهيل قانوني، ومع ذلك يدير عملياً السلطة القضائية في مناطق سيطرتهم".

تقارير

عاملون أمميون خلف القضبان ومنظمات إنسانية محاصرة بتهم الجاسوسية (تحليل)

من الصعب أن تُروى قصة الحرب في اليمن دون التوقف أمام جانبها الأكثر قسوة،كيف تحوّل العمل الإنساني، الذي وُجد لإنقاذ الأرواح، إلى ساحة صراع ومصدر نفوذ في يد جماعة مسلحة. منذ دخول مليشيا الحوثي إلى صنعاء في سبتمبر 2014، تغيّرت طبيعة الدولة، وتحولت المؤسسات إلى أدوات سيطرة، والمنظمات الدولية إلى طرفٍ لا يمكنه العمل إلا بشروط الجماعة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.