تقارير
"أيتام الحرب".. مأساة الفقْد ومرارة الضياع
تسببت آثار الحرب والنزاعات المسلحة، التي تدور في اليمن مذ قرابة 8 سنوات، بمقتل كثير من المدنيين، وضاعفت أعداد الأيتام بمستوى كبير، وتحديداً عند الأطفال الذين خسروا عائلهم في مناطق الصراع، وأصبحوا يعانون مرارة اليُتم ومرارة الحرمان من أبسط الحقوق، حيث لا مشاعر أسرية دافئة ولا دُور رعاية.
الباحث في مجال حماية الأسرة علي الجمل يقول لموقع "بلقيس": "الأيتام ليسوا بأوضاع جيّدة، ولم يحظوا بحياة طبيعية، تزايدوا في فترة الحرب، معظمهم يتعرّضون للاستغلال، لا أسرة ترعاهم ولا مدرسة تربّي وتعلم".
في زمن الحرب، يدفع أيتام اليمن كلفة مضاعفة لمواجهة خطر البقاء وحدهم، إذ تتحول تفاصيل حياة بعضهم إلى قصة حزينة، كونهم فقدوا أمل احتوائهم العائلي جذرياً، وتوسّعت رقعة الأيتام في مختلف مناطق البلاد خلال هذه المرحلة العصيبة.
تقول الطفلة شيماء المطري لموقع "بلقيس": "أنا وأخواتي يتيمات الأب، لأنه قُتل في الجبهة، أبيع ميداليات هنا إلى الظهر، وأروّح بمصروف للبيت، ما أحد يساعدنا، لأن الأقارب ظروفهم ما هي سوا، حق الأيتام ما يعطونا أي حاجة".
- مشكلات متعددة
يعتبر الأيتام من الفئات الاجتماعية بالغة الضعف، كونهم الأكثر تضرراً من أهوال الحرب وآثارها السيّئة، إذ يواجه أغلبيتهم مشكلات أسرية قاسية كالتشرّد والشتات، ويعيشون حياة مأساوية وفوضوية في الشارع بلا مأوى أو عائلة، لا يملكون مالاً ولا مستوى تعليم متواضع.
محمد الزبيدي -أحد الأيتام العاملين في صنعاء، يقول لموقع "بلقيس": "أبي مات قبل 12 سنة، باقي معي إخوان أيتام وأمي في البيت، أعطيهم حق الأكل والإيجار من عملي في تغسيل السيارات بهذا الشارع، أدرس ومتحمّل مسؤولية، لأني أكبر واحد".
وبلغت حجم مأساة الأيتام اليمنيين مستويات خطيرة خلال السنوات الأخيرة، جعلتهم يشتركون بمعاناة واحدة، ولو تعددت أسبابها، إذ تقتضي الضرورة توفير كافة سُبل الدعم لهم لتعزيز صمودهم، باعتبارهم ضحايا محتملين للجريمة والاستغلال.
ويوجد في اليمن أكثر من 1.1 مليون يتيم ويتيمة، طبقاً للإحصائيات، التي أظهرتها مؤسسة اليتيم في وقتٍ سابق
وأشار مسح ميداني إلى واقع الأيتام اليمنيين، حيث وجد أن "60% لا يستطيعون إكمال تعليمهم، و3% من ذوي الاحتياجات الخاصة، 4% يعانون من الاكتئاب، بينما 9% من أمهات الأيتام تعاني من أمراض مزمنة وإعاقات.
تقول الناشطة الحقوقية سمية المقطري لموقع "بلقيس": "الأيتام أكثر فئة تضررت من الحرب، لجأوا إلى العمل، ولم يلتحقوا بالمدارس، بعضهم تجنّدهم مليشيات الحرب، والبقية إما متسولون أو يتم استغلالهم في السرقة والجرائم الأخرى".
- بلا رعاية
يتحدّر معظم اليتامى من أسر فقيرة، يواجهون صنوفاً مختلفة من المعاناة، في بلد مزّقته الحروب، وجعلته يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم، حيث لا أساليب عيش آمنة، ولا دُور رعاية رسمية تعتني بشؤونهم، من حيث التعليم والصحة وتأمين المأكل والمسكن، إذ تفتقر نحو 70% من أسر الأيتام إلى خدمات الحياة الأساسية.
تقول نائبة مدير الأنشطة والرعاية في مؤسسة اليتيم، سعاد الشوكاني، لموقع "بلقيس": "اليمن من أكثر البلدان التي يزيد فيها اليُتم، بسبب استمرار النزاع، وسوء الوضع المعيشي، وتفشي الأمراض والأوبئة، وانتشار المشاكل الاجتماعية كالثأر وظاهرة حمل السلاح".
وبينما اتسعت رقعة مأساة الأيتام اليمنيين، تكاد مراكز ودُور رعاية اليتيم الرسمية شبه منعدمة في مختلف محافظات البلاد، والمتوفّرة طاقتها الاستيعابية قليلة وليست قادرة على تلبية احتياجات جميع الأيتام، خصوصاً في المرحلة الراهنة التي غاب فيها الاهتمام وتضاعفت أعدادهم، في ظل تقاسم النفوذ والثروة بين مليشيات الموت والخراب في كافة أرجاء الوطن.
- مستقبل مجهول
في غياب وسائل كفالتهم، وانعدام مشاريع الاحتواء التي تخفف عنهم شيئاً من مأساة الفقد والحرمان، تسوقهم ظروف البؤس نحو الضياع في المجهول، حيث يغرقون في تفاصيل أخطر الجرائم، وأبشع منعطفات الاستغلال الوحشي، ليخسروا كل خيوط التعافي، بينما الأيام تمضي بتعقيدات بالغة السوء دون أن تلمس أي تحسن يُذكر.
يقول اليتيم شادي الزيلعي لموقع "بلقيس": "أمي متوفية وأبي طردني من البيت، أعيش في الشارع، وأنام كل ليلة عند واحد من المعاريف، لا أدرس وأحياناً أشتغل".
والأيتام هم أكثر فئات المجتمع التي تواجه خطر التشرد والضياع، والأقرب إلى السقوط في وكر الانحراف، بسبب مأساة التفكك وغياب مظاهر الاستقرار الأسري.