تقارير
بالشهادات الجامعية.. مهمشات يواجهن التحديات ويقهرن الواقع
تَبدَد أحلام ملكي عياش -من فئة المهمشين (40 عاما)- عقب تخرّجها من كلية الحقوق في جامعة عدن، بعد اصطدامها بواقع مرير لم تتمكن -من خلاله- من الحصول على الاستيعاب في أي جهة حكومية كعمل تعاقدي يحقق لها أدنى متطلبات العيش الكريم.
تعد ملكي من الفتيات النادرات من فئة المهمشين في لحج اللائي كافحن الفقر والتهميش، اللذين تعاني منهما هذه الفئة المجتمعية، حيث أنهت دنيا رحلتها في الحصول على درجة البكالوريوس في تخصص القانون بكلية الحقوق في جامعة عدن، قبل 15 عاما.
تقول ملكي لموقع "بلقيس" إن والدتها كانت السبب في تشجيعها للالتحاق بالتعليم الجامعي، حيث كانت تعمل منظّفة في أحد المرافق الحكومية، وكانت تريدها تنال شهادات في الدراسات العليا؛ رغبة في حصولها على وظيفة حكومية.
وأضافت أن أمل والدتها، التي كافحت في تعليمها وتعليم ثمانية من أشقائها، تلاشى عقب تخرجها عند محاولتها التقديم في بعض المحاكم والنيابات، ولم تجد فرصة تعاقدية، رغم ترددها على العديد من المرافق الحكومية، طيلة العشر السنوات الماضية.
وأشارت ملكي إلى أنها تشعر بالإحباط جراء الآمال التي تبخّرت بالعمل في مرافق الدولة، خاصة وأن العمر يمضي، وحصولها على وظيفة في أي جهة حكومية بات صعبا المنال، أو حتى التعاقد في تلك المرافق، وهي تنظر للعديد من الشباب والشابات -من غير فئة المهمشين- يحصلون على وظائف تعاقدية في مرافق حكومية، ويمتلكون فقط درجة الثانوية العامة، بسبب الوساطات والمحسوبية في البلد.
تقول ملكي إنها مع زوجها، الذي يمتلك هو الآخر البكالوريوس في القانون، حاولا التقديم في عدة أماكن، لكن لم يتم قبول طلبهما، والظروف الاقتصادية الحالية اضطرت زوجها للعمل في سوق الصيد عند أحد العاملين، مقابل الحصول على المال، خاصة وأن لديهم ثلاثة أطفال، تنتظرهم مسؤوليات في ظل موجة الغلاء الحالية، في حين أن أقرانها من المهمشات يسخرن منها بعدم جدوى دراستها لأربع سنين، حتى أصابها الإحباط، وهي كانت مترددة في تعليم أطفالها؛ بسبب تبدد أمل الحصول على العمل؛ لكنها قررت في نهاية الأمر إلحاقهم بالعملية التعليمية، حيث يدرس طفل من أطفالها في روضة مدرسية، فيما التحق شقيقه الأكبر في الصف الأول الأساسي.
في السياق ذاته، لعب والد دنيا، محمد علي عثمان (من فئة المهمشين) في ضواحي منطقة الحوطة بالمركز الإداري في لحج دورا مهما في تشجيع دنيا على التحاق بقسم اللغة العربية في كلية التربية بصبر، حين كان يعمل في مكتب الأشغال العامة والطرق.
تقول دنيا إن من أبرز الصعوبات، التي واجهتها في سبيل حصولها على التعليم الجامعي، الجانب المالي، وعدم انتظام راتب والدها، خلال سنوات ما بعد الحرب، حيث كان يتسلمه كل ثلاثة أشهر، وهذا زاد من كاهل معاناتها، لكن الصعوبة الأكبر كان في الحصول على العمل، خاصة في ظل التمييز، الذي تعاني منه فئة المهمشين، ونظرة البعض الدونية لهذه الفئة.
وتابعت: "حتى الأجور في المدارس الخاصة ضعيفة جدا، أربعين ألف ريال ما تغطي قيمة مواصلات، ودوام أسبوع، ولذا اضطررنا إلى البقاء في المنازل".
تعمل حاليا خياطة بعد حصولها على تمكين من إحدى المنظمات، التي منحتها مكينة خياطة، تعتمد عليها في العمل من أجل توفير المال لمساعدة ذاتها في توفير لقمة العيش، في حين أوصدت الطرق أمام زوجها حتى في الحصول على وظيفة جندي، ومازال ينتظر الوعود، منذ تقديمها قبل عدة أشهر.
يقدّر عدد المهمشين في اليمن بنحو 3 ملايين ونصف المليون نسمة؛ يفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة التعليمية والصحية، بالإضافة إلى عملهم في مهن شاقة صعبة وبخيسة.
ووفق دراسة استقصائية أجرتها منظمة "اليونيسيف"، في العام 2015، خلصت إلى أن شخصا واحدا من كل خمسة أشخاص من هذه الفئة، وذلك ممن شملهم الاستطلاع، وأعمارهم تقل عن 15 عاما يجيد القراءة والكتابة، في حين لا يلتحق بالمدارس سوى طفلين من كل أربعة أطفال من هذه الفئة؛ تتراوح أعمارهم بين 16-17 عاما.
وفي دراسة أجرتها وكالة "التعاون التقني والتنمية"، بالتعاون مع منظمة "الهجرة الدولية"، في العام 2022، عن المهمشين في 14 محافظة يمنية، أظهرت أن 37% من المهمشين يفتقرون إلى ما يكفي من المال لتوفير الغذاء للأسرة، وقرابة 50% من الأطفال لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس، و80% لا يستطيعون تغطية تكاليف الحصول على الرعاية الصحية.