تقارير

تيسير مطر.. الإرادة تنتصر على العتمة

19/09/2025, 15:35:21
المصدر : قناة بلقيس - خاص

"لكل امرئ من اسمه نصيب، وأنا كان لي من اسمي نصيب لمسته في مراحل حياتي" هكذا تصف الكفيفة تيسير مطر رحلتها الحياتية التي تكللت بشهادة الدكتوراه من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن، لتصير أول كفيفة في اليمن تصل إلى هذه الدرجة الأكاديمية.

لم يكن مشوارًا سهلاً لتحقيق الذات، في الوقت الذي سحقت فيه الظروف المعيشية في البلد كثيرًا من المبصرين، وألقت بهم الحياة على قارعة الطريق مكبلين باليأس والإحباط.
تقول تيسير في حديثها لـ"بلقيس": "لم أكن إنسانةً عادية، ولم أرَ النور كغيري من المواليد، لكني كنت دائمًا أرى ما أريده بوضوح، عشت حياتي بمختلف مراحلها في كبد، وكانت أحلامي كثيرة، وكان ارتقاء درجات العلم أهمها وأجلها، لكن طريقه لم تكن معبدة إطلاقًا".

- انتكاسات مبكرة

وما تزال مطر تتذكر العقاب المتواصل الذي كانت تناله من المعلمين في المدرسة التي التحقت بها في مسقط رأسها بمحافظة حجة أو في العاصمة صنعاء، لتقصيرها في بعض الواجبات المدرسية التي كانت تتطلب الاعتماد على النظر، أو كيف امتحنت زميلاتها بعض المواد بدونها، لأنها لم تعلم أن جدول الاختبارات الذي نُشر سابقًا تم تغييره دون أن يخبرها أحد، وكم عدد الأيام التي تغيبتها عن المدرسة لأن زميلاتها لم يتذكرن أن يصطحبنها معهن إلى المدرسة.

كبرت تيسير، وكبرت معها معاناتها وطموحاتها التي لم تتنازل عنها، على الرغم من ظروف الأسرة المعيشية التي لم تساعدها في تخطي إعاقتها البصرية وتحقيق أحلامها، وأجبرتها في أوقات كثيرة على السير في طرق بديلة للوصول إلى أهدافها في التحصيل العلمي والأكاديمي.

انطلقت تيسير بعد إنهاء مرحلة التعليم الثانوي إلى الجامعة بحماس وثقة بالنفس وبقدرتها على إثبات نفسها، لكنها اصطدمت بالعديد من العوائق والتحديات، وتحطم حلمها بدراسة الإعلام في أول مشوارها الجامعي، لأنها لم تمتلك حاسوبًا مزودًا ببرنامج نطق، ولم يستطع والدها توفيره.

التحقت مطر بدراسة اللغة العربية في جامعة صنعاء، وخلال دراستها الجامعية اضطرت إلى الاغتراب عن عائلتها، والبقاء في السكن الجامعي، على الرغم من أن أسرتها تعيش في نفس المدينة، لكنها لا تمتلك القدرة لتوفير وسيلة نقل خاصة لتنقلاتها بين المنزل والجامعة.

- التشبث بالحلم

الجهل المجتمعي، وعدم الإيمان بقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة، كان عائقًا كبيرًا في المسيرة التعليمية للدكتورة تيسير مطر، التي لم تقف عند حدود البكالوريوس، وقررت الاستمرار في الدراسة ونيل درجة الماجستير والدكتوراه.

فبعد تلاشي حلمها الأول في دراسة الإعلام، قررت أن تتمسك بحلمها الآخر بدراسة علم النفس بجامعة صنعاء، لكن عند البدء بإعداد الدراسة رفض المشرفون عليها استمرارها في التخصص، لعدم إيمانهم بقدرتها ككفيفة على إنجاز الرسالة.

تقول مطر: جهل المجتمع والجهات المختصة بكيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وسبل تهيئة الظروف وتذليل العقبات أمامهم، مشكلة كبيرة يعاني منها ذوو الإعاقة في مجالات عديدة، ومنها المؤسسات التعليمية والأكاديمية.

تؤكد الدكتورة تيسير أن الصدمة برفض قبولها جعلتها توشك على السقوط والاستسلام، إلا أنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها، وقررت مغادرة اليمن إلى الأردن لدراسة الماجستير من جديد في ذات المجال، واختارت أن تكون الرسالة حول المشكلات التي يواجهها طلبة المرحلة الثانوية من ذوي الإعاقة البصرية في مدارس الدمج الحكومية في الجمهورية اليمنية.

- حادثة أليمة

واجهت تيسير بإصرار قساوة الغربة، وحياة مختلفة بعاداتها وتقاليدها ونمطها، ودفعَت أثمانًا كبيرة في طريقها لمواصلة الدراسات العليا، وفي مرحلة دراسة الماجستير فقأت إحدى عينيها في أحد الأماكن التي سكنتها، نتيجة لاصطدامها برجل طاولة تم قلبها أثناء التنظيف دون إبلاغها أو تحذيرها لتحترس.

تصف الدكتورة مطر الحادثة بمرارة، حيث قاست صنوف الوجع لأشهر طويلة، وانخفاض ضغط العين عن المعدل الطبيعي، وارتفاعه في العين الأخرى، حتى اضطرت لتفريغهما أثناء دراسة الدكتوراه للتخلص من الألم.

صمدت تيسير وتحملت الوجع الجسدي والنفسي الذي يواجهه ذوو الإعاقة جراء ضعف الوعي المجتمعي في التعامل، وبقوة عزيمتها تجاوزت كل العقبات حتى حصلت على درجة الدكتوراه عن رسالتها الموسومة بـ"مستوى الرؤية الوظيفية وعلاقته بتحديد استراتيجيات التعليم والخدمات المساندة المقدمة للطلبة ضعاف البصر في مراكز وجمعيات ذوي الإعاقة البصرية في الجمهورية اليمنية"، التي ترى أن تخصصها في مجال التربية الخاصة سيمكنها من خدمة ومساعدة من يشاطروها الإعاقة.

- مشوار موازٍ

وإلى جانب المشوار العلمي، سعت مطر باستمرار إلى تنمية قدراتها، فالتحقت بالعديد من الدورات المتنوعة، وحصلت على دبلوم إدارة المنظمات غير الحكومية، ودبلوم إعداد المدربين (TOT)، وقامت بكتابة وإعداد الكثير من البرامج الإذاعية والأفلام والفيديوهات والمنشورات والمواد التوعوية بقضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، علاوة على أنها اشتركت في العديد من الأعمال الطوعية لدى جهات محلية ودولية عاملة في مجال الإعاقة.

تلخص تيسير مطر رحلتها التعليمية والأكاديمية بقولها: "كان مشوارًا شاقًا عليّ وعلى أسرتي التي عانت من وجع فراقي، ووالدي الذي كان رفيق حلي وترحالي، لكنها دعمتني بكل ما تملك من دعم مادي ونفسي وعاطفي، كما كانت جمعية الأمان لرعاية الكفيفات خير سند وعون، وتزينت حياتي بثلة من الأكف الندية والصديقات والزملاء الذين دائمًا ما كانوا يقفون إلى جانبي كلما احتجتهم، ومع كل عقبة واجهتني كان تيسير الله رفيقي، وفعلاً كان لي من اسمي نصيب".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.