تقارير
ثورة 26 سبتمبر.. كيف تحاول مليشيا الحوثي طمسها من ذاكرة الأجيال؟
في الوقت الذي يحتفل فيه اليمنيون بذكرى ثورتهم الأم، ثورة الـ26 من سبتمبر، تعيش المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي واقع موسم جديد من القمع والاختطافات.
عشرات الصحفيين والحقوقيين والمواطنين لم يكن ذنبهم سوى رفع العلم الوطني، أو نشر كلمة في الفضاء الإلكتروني عن الثورة، فكان مصيرهم الاختطاف والإخفاء والتهديد.
- محاولة سجن الوعي في سراديب الإمامة
يقول وكيل وزارة العدل في الحكومة اليمنية -المعترف بها دوليا- فيصل المجيدي: "مليشيا الحوثي تحاول في الواقع أن تختطف سبتمبر من صدور اليمنيين، وتحاول أن تسجن الوعي أيضاً في سراديب الإمامة".
وأضاف: "هذا الأمر يكشف عن رعب المليشيا من هذه المناسبة، وتريد أن تعيد كتابة التاريخ ولكن تحت فوهات البنادق، هي لم تستطع أن تصمد أمام مرافعة محامٍ، لم تستطع أن تظهر بأنها قوية أمام بيت شعر أو كتابة عمود أو قلم".
وتابع: "مليشيا الحوثي تعتقد أن هذه الثورة قامت أو ستقوم على نفي وجودها وسلطتها وعقيدتها الكهنوتية السلالية، وبالتالي ستقتلعها من جذورها".
وأردف: "ما زاد الطين بلة هو الاحتفال الكبير والعفوي من قبل الناس، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ورفع الأعلام، الأغاني الوطنية، واستعادة أدوار الآباء المؤسسين للثورة والمناضلين، فكل ذلك أصاب المليشيا في مقتل، ومن ثم قامت بهذه الحملة المسعورة".
وزاد: "لا أتفهم كيف أن جماعة ترسل أطقماً وتقوم باعتقال محامٍ من مكتبه (عبد المجيد صبرة)، وهو لم يمارس أي نشاط سياسي، كان دوره كله حقوقياً وقانونياً في الدفاع عن معتقلين مظلومين ومخفيين قسراً، ربما لأنه يعلم بأن الأحكام تكون جاهزة".
وقال: "العصابة الحوثية كانت تحاول أن تجمل وجهها بأن لديها محاكم، مع أن الجميع يعلم بأنها عملياً قد حرفت الدستور، وغيرت القضاء، وسطت على مؤسسته، وحتى غيرت ترسانة قانونية عمرها 60 سنة بترسانة تخدمها، لذا هي أظهرت وجهها القبيح والحقيقي".
-انتظار لحظة السقوط
يقول مدير المركز الأمريكي للعدالة عبد الرحمن برمان: "قبل عامين عندما حدثت ثورة العلم، حيث خرج مئات الآلاف في صنعاء بعد أن داس أحد عناصر الحوثي على العلم اليمني، هذا الأمر أحدث صدمة عنيفة لدى جماعة الحوثي، ويومها اعتقلوا أكثر من 2000 شخص".
وأضاف: "جماعة الحوثي رأت أنه بعد سنوات من سيطرتها، ودوراتها الثقافية ومخيماتها الصيفية، لم تستطع أن تمحو ثورة 26 سبتمبر من عقول اليمنيين، ولا حتى من الأجيال الجديدة".
وتابع: "ما بنته جماعة الحوثي، في تسع سنوات، هدمه اليمنيون خلال ساعتين أو ثلاث، وكانت رسالة كبيرة جداً لهم؛ لذلك نجدهم قبل سبتمبر بأيام يعلنون حالة استنفار قصوى، وينزلون مسلحيهم، ويعتقلون النشطاء لمجرد كتابة منشور".
وأردف: "شاهدنا مقاطع فيديو لمهاجمة امرأة في صنعاء لرفعها العلم، وشاهدنا حادثة قتل خيل كان الناس يتصورون معه وعليه العلم اليمني، كما تم اختطاف صاحب الخيل".
وزاد: "كل هذا يوحي بحالة الرعب التي تعيشها جماعة الحوثي من هذا اليوم، فهم ينتظرون لحظة السقوط ويشعرون بها، لذلك يتصرفون بهستيريا".
وأشار إلى أن "أكثر عمليات الاعتقال رُصدت في محافظات إب، ثم ذمار، ثم أمانة العاصمة، وعمران"، مضيفا: "لدينا مئات المعتقلين حالياً في أماكن غير معروفة، ويمارس الحوثيون بحقهم الاختطاف والإخفاء القسري".
وقال: "رغم القمع وخروج معتقلين جثثاً هامدة أو مصابين بالشلل، إلا أنه ما زال هناك إصرار كبير على الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، وحالة من الغضب والقهر لدى اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين".
وأضاف: "في السنوات الماضية، كان احتفال سبتمبر عابراً، لكن اليوم أصبح الشباب يقرأون عن سبتمبر وقادته وآبائه المؤسسين، ويرون كيف وصل الحال اليوم من قمع وقهر ونهب للممتلكات وتجويع، وإعادة الناس إلى ما قبل الثورة".
وتأتي محاولات مليشيا الحوثي لطمس ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962 في سياق سعيها المستمر إلى إعادة إنتاج نظام الإمامة الكهنوتي الذي أطاحت به الثورة قبل أكثر من ستة عقود، وإلغاء كل ما يرمز إلى قيم الجمهورية والمواطنة والحرية التي أسست لها.
وخلال السنوات الماضية، عملت المليشيا على تغيير المناهج التعليمية وتفريغها من مضامين الثورة، وفرضت خطابًا طائفيًا في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام، في محاولة لإعادة تشكيل وعي الأجيال الجديدة.
كما كثفت من حملات القمع والملاحقات الأمنية لكل من يحيي ذكرى الثورة، شملت اعتقال المئات من النشطاء والصحفيين والمدنيين، ومصادرة الأعلام الوطنية، ومنع أي مظاهر احتفالية في الشوارع أو الفضاء الإلكتروني.
ويبدو بنظر كثيرين أن هذا السلوك يعكس حالة الخوف العميقة لدى مليشيا الحوثي من الإرث الجمهوري الذي يجسده سبتمبر، وإدراكهم أن أي إحياء شعبي واسع لهذه المناسبة يهدد مشروعهم السلالي، ويؤكد رسوخ قيم الثورة في وجدان اليمنيين جيلاً بعد جيل.