تقارير
حزب المؤتمر.. كيف تحوّل لمجرد أداة ضمن صراعات الآخرين؟
احتفى حزب المؤتمر الشعبي العام، بذكرى تأسيسه الـ 43، وسط انقسام واسع بين قياداته وأجنحته الموزعة بين صنعاء والرياض وأبو ظبي والقاهرة.
ففي تعز ومأرب نظم جناح مؤتمر الشرعية الموالي للرئيس رشاد العليمي، فعاليات احتفالية، لكن الخلافات طغت على المشهد، ففي مأرب برزت انقسامات بين المشاركين، وفي تعز مُنع رفع صور أحمد علي عبدالله صالح، فاضطر أنصاره إلى تنظيم فعاليات موازية في مديرية الشمايتين، حضرها خطاب لأحمد علي، هاجم فيه الحوثيين لأول مرة في حياته.
في المقابل شهدت صنعاء قبضة حوثية مشددة على ما تبقى من حزب المؤتمر، حيث أصدرت ميليشيا الحوثي حكما بإعدام أحمد علي صالح، نائب رئيس حزب المؤتمر، جناح صادق أمين أبو رأس، التابع للميليشيا، واعتقلت الأمين العام غازي الأحول، مع عدد من مرافقيه، بعد خلاف حول قرار يطالب بفصل أحمد علي من الحزب.
فكرة المؤتمر
يقول عضو اللجنة العامة في المؤتمر الشعبي، عادل الشجاع، حينما نقف اليوم لتقييم هذا الحزب، علينا أن نعود إلى لحظة التأسيس، هذه اللحظة التي جمعت كل القوى السياسية، التي كانت تعمل في السر أو تعمل تحت الطاولة.
وأضاف: كانت فكرة المؤتمر الشعبي العام، هي فكرة جامعة لهذه التيارات، لكي تعمل علنا من فوق الطاولة، وهي أشبه ما هو قائم اليوم لدى كثير من الأحزاب حول العالم، التي لا تفوز بالأكثرية، فتشكل الحكومة مع أحزاب أخرى لكي تعطي المقاعد التي تتجاوز الحد المطلوب لتشكيل هذه الحكومة.
وتابع: هذه كانت تجربة فريدة من نوعها، خاصة في مطلع الثمانينيات، حينما كانت الأنظمة العربية، لا تسمح بالتعددية السياسية، ولا تسمح أيضا بالديمقراطية، فكان المؤتمر الشعبي العام، لبنة أساسية بهذا المنطلق.
وأردف: إذا ما أردنا أن نقيم المؤتمر اليوم، علينا أن نتحدث عن الحرب وانعكاساتها على مختلف التيارات السياسية في اليمن، وأيضا على الحياة العامة بشكل عام، حيث حدث انقسام أفقي وانقسام عمودي داخل التعددية السياسية وداخل المجتمع اليمني ذاته، وهذا عكس نفسه على حزب مثل حزب المؤتمر الشعبي العام.
وزاد: حزب المؤتمر لديه كثير من الخصوم الذين لا يقيمون تجربة الحزب من الناحية الإيجابية والناحية السلبية، وما يمكن الاستفادة منه، بل يقيمون الحزب تقييم أشخاص، إما مؤسسين لهذا الحزب أو أنهم ما زالوا في صفوف القيادة يعملون هنا وهناك.
وقال: هذا التقييم يظلم الفكرة الأساسية لهذا الحزب، وهي فكرة صالحة لليمنيين، اليوم، أن تستعاد هذه التجربة ليس بالضرورة باسم المؤتمر الشعبي العام، وإنما بأي مسمى آخر، فقط أن يعمل اليمنيون جميعا في إطار التوافق الوطني للوصول إلى دوله لجميع اليمنيين.
مراحل التأسيس
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة، د. فيصل الحذيفي، المؤتمر الشعبي العام، كحزب، لا نستطيع تقييمه بكلمات مختصرة، فهناك مراحل تاريخية، وكل مرحلة تحتاج إلى تقييم مستقل ومنفصل عن المرحلة التاريخية الأخرى.
وأضاف: مرحلة التأسيس التي أشار إليها الدكتور عادل الشجاع، هي مرحلة أنا أسميها، مرحلة التآلف السياسي، حيث كانت السلطة مهددة بالحرب الأهلية الموجودة في المناطق الوسطى، والتي جعلت السلطة هشة، بعد مقتل الرئيسين اليمنيين، الحمدي والغشمي، في الشمال، وكذلك سالم ربيع علي، في الجنوب، ومؤسسات الدولة كانت لم تستكمل بعد، ولم تبسط نفوذها لتصبح عنوانا جامعا للمواطنة.
وتابع: هذا التآلف السياسي في تلك المرحلة، كان عنوانه الكل شريك في السلطة، لم تكن هناك أحزاب، كانت هناك أيديولوجيات سياسية، قومية وناصرية وبعثية وإسلامية، وهناك حاكم لَمَّ هذا الشتات، لكي يعضد سلطانه، وأيضا الجميع كان هدفهم تثبيت دعائم الدولة.
وأردف: حزب المؤتمر منذ 1982 مرحلة التأسيس، وحتى الوحدة اليمنية 1990، نجح في خلق استقرار سياسي واقتصادي، وربط المواطن في الريف والمدينة وفي القبيلة، بالدولة، التي تقدم مصالح للناس، مستشفيات ومدارس وجامعات وبطائق شخصية، وجواز سفر، وفيزا، إلى آخره.
وزاد: هذه المرحلة كانت تقييما إيجابيا، لأنه لم يكن هناك نفور، وإنما الجميع اشترك تحت هذا العنوان، الكل شريك في السلطة، الكل شريك بهدف تثبيت السلطة والدولة، التي كانت هشة بعد حروب وانقسامات.
وقال: المرحلة الثانية، وهي مرحلة بعد الوحدة اليمنية، حيث تأسس ما يسمى بالتعددية السياسية، لكن للأسف شركاء السياسة كأحزاب في التعددية، دخلوا في صراع في حرب 94، ما أدى إلى التلاشي الثاني لأهم حزب في الجمهورية اليمنية، وهو الحزب الاشتراكي، الذي لم يستعد عافيته مطلقا.
وأضاف: حزب المؤتمر الشعبي العام، التف في هذه المرحلة على التعددية السياسية، نحو الاستفراد السياسي، وكان هذا مأزقا سياسيا، أضعفه، لذلك جعل الأحزاب تدور حوله، يعطيها قليلا من المصالح، لكن يبقى الحزب هو الحاكم الوحيد، والرئيس هو الرئيس الحاكم الوحيد، والبرلمان مسيطرًا عليه من هذا الحزب الحاكم، وبالتالي كانت تجربة فيها انتكاسات.
وتابع: المؤتمر في المرحلة الثانية ما بعد الوحدة تخلى عن شركائه في مرحلة التآلف السياسي، وضعف الحزب، وظل كل طرف في السلطة وفي المعارضة، يريد أن يقضي على الآخر، حتى أتت ثورة 2011 لتصفية الحسابات، ولم تكن يعني بريئه للطرفين لا للحزب الحاكم، ولا أيضا للمعارضة السياسية الممثلة في اللقاء المشترك.
وأردف: هناك مرحلة أخرى، وهي مرحلة التلاشي السياسي، أي أن جميع الأحزاب المرتبطة بالفرد وبالمصالح، دائما إذا ما وصلت إلى مأزق سياسي وتم الإطاحة بها، فهي تدخل مرحلة السبات والتلاشي السياسي.
وزاد: المؤتمر الشعبي العام، في هذه المرحلة، يشهد ضعفا، والروح التي منحت له هي في المناطق التي اشتغل هذا الحزب في تحالفه مع الحوثي ضدها، وهذا لا يخص المؤتمر الشعبي العام في اليمن، وإنما يخص البعث في العراق، والبعث في سوريا، والناصري في مصر، والتجمع التونسي في تونس، والمؤتمر الشعبي في ليبيا.
وقال: كل الأحزاب في الوطن العربي، وفي العالم الثالث التي نشأت على أساس فردانية الزعيم والسلطة، وعلى أساس المصالح، عندما تصل إلى مرحلة من الانكسار، تتلاشى، وبالتالي تدخل مرحله التلاشي.
وأضاف: هناك ثلاثة أحزاب في اليمن، دخلت مرحلة التلاشي التي لم تستعد بعدها عافيتها، والتلاشي الأول كان للحزب الناصري الذي قام بالانقلاب ضد الرئيس صالح، وبالتالي تم ضربه وتلاشى، وتحول أفراده إلى أفراد يخدمون في إدارة الحزب الحاكم نفسه، الذي انقلبوا ضده، والتلاشي الثاني كان للحزب الاشتراكي بعد حرب 94، والتلاشي الثالث، للمؤتمر الشعبي العام، ما بين 2011 و 2017، حيث أبدى الحزب ضعفا أمام حليفه مع أنه ساهم إسهاما كبيرا في مده بالحياة وبالقوة.
تحت قبضة الحديد والنار
يقول عضو اللجنة الدائمة بحزب المؤتمر، ورئيس فرع محافظة ريمة، ثابت الأحمدي، إن أحمد علي عبد الله صالح عضو في المؤتمر الشعبي العام، من سابق، لكن ليس نائبا لمؤتمر صنعاء قطعا، وتعيينه من قبل الحوثي في مؤتمر صنعاء يخص اعتبارات حوثية بحتة، لا علاقة لها بأحمد علي عبد الله صالح.
وأضاف: أحمد علي، لم يترشح أساسا، ولوائح وأدبيات المؤتمر الشعبي العام، تنص على أن من يريد العمل في أي منصب سياسي للمؤتمر، عليه أن يقدم نفسه أولا، أن يترشح ويقدم برنامجه أو حتى بدون برنامج، أن يقدم نفسه على الملأ، ومن ثم ينتخب باقتراع سري، أو بالتوافق.
وتابع: منصب النائب يتم بالتعيين وفق انتخابات اللجنة الدائمة، المجتمعين الحاضرين، أو المؤتمر العام، أو إلى آخره، لكن بشكل عام، أحمد علي تم تعيينه من قبل الحوثيين لحسابات تخص الحوثيين أنفسهم، ولم يتقدم أحمد علي، من أساسه لشغل أي منصب في المؤتمر الشعبي العام.
وأردف: حتى إخواننا الذين في صنعاء، أيضا بمن فيهم صادق أبو راس، نحن نعرف ظروفهم ونقدر العمل الذي يعملون معه، وما يدل على ذلك البيان الأخير الذي صدر وكتب داخل مكتب عبد الملك الحوثي، ولم يكتب لا من قبل يحيى الراعي، ولا من قبل صادق أمين أبو راس.
وزاد: المؤتمر اليوم تحت قبضة الحديد والنار، من قبل هذه الجماعة، مثله مثل بقية الأحزاب السياسية الأخرى.
يذكر أنه منذ مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر/كانون الأول 2017 على يد الحوثيين، دخل حزب المؤتمر الشعبي العام مرحلة انقسام وتفكك غير مسبوقة، حيث توزعت قياداته بين صنعاء وعدن والرياض وأبوظبي والقاهرة.
هذا التشرذم أفقد الحزب تماسكه التاريخي وحوّله إلى أداة ضمن صراعات القوى الإقليمية والمحلية، بينما ظل جناحه في صنعاء تحت هيمنة الحوثيين، والجناح الآخر مرتبطاً بالشرعية أو بتحالفاتها، ما جعل المؤتمر يتراجع من موقع الحزب الحاكم إلى كيان متنازع عليه، تتنازعه الولاءات والارتباطات الخارجية.