تقارير
في ظل غياب المعلومات المؤكدة.. كيف يمكن تقييم نتائج الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن؟
مضى أكثر من شهر، حتى الآن، على بدء العملية العسكرية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد ميليشيا الحوثيين في اليمن، ولا تزال المعلومات بشأن نتائجها وآثارها غير كافية وغير واضحة، وفق تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”.
وقالت الوكالة في تقريرها إن الأمريكيين والحوثيين لا يفصحون عن معلومات كافية وواضحة وكاملة عن الضربات وأهدافها ومواقعها، مضيفة أن القيادة المركزية الأمريكية ترفض مناقشة الخسائر المدنية الناجمة عن ضرباتها أو الحديث عنها.
في المقابل، تتكتم جماعة الحوثي بشكل كبير على نتائج هذه الغارات، والخسائر التي مُنيت بها الجماعة سواء على المستوى العسكري أو الكادر البشري، وحتى على مستوى الموارد الاقتصادية. وفي هذا الصدد، تقول “أسوشيتد برس” إن الحوثيين يمنعون بشكل صارم الوصول إلى المناطق المستهدفة من قبل واشنطن، ولا ينشرون معلومات كاملة عن الضربات التي تستهدف غالبًا مواقع عسكرية وأمنية تابعة لهم.
ضربات موجعة
يقول المختطف السابق لدى ميليشيا الحوثي والناشط السياسي جمال المعمري: “نحن بالأمس نشرنا تقريرًا يوثق 661 قتيلًا حوثيًا بالقصف الأمريكي، ونصف هذا العدد من الضباط، أي من منتحلي الرتب العسكرية العالية، من رتبة لواء وحتى رتبة مساعد”.
وأوضح: “أنا أنحدر من منطقة تتعرض للضربات، حيث أنني من محافظة عمران، وأغلب الضربات استهدفت عمران والمحافظات المحاذية لها كصعدة وصنعاء، ولدي مصادر في صعدة وصنعاء ينقلون لي المعلومات بشكل مستمر”.
وأضاف: “أنا لست رجلًا عسكريًا حتى أحدد ما إذا كان هؤلاء القتلى من قيادات الصف الأول أو الثاني، لكن في البحث الذي أجريته والحصر الذي قمت به، ذكرت فيه أسماء ينتحلون رتب ألوية وعمداء وجنرالات كبيرة، وهم من ينتسبون إلى ما يسمون أنفسهم بالهاشميين، أو المنتمين للأسر التي شكلت نواة انقلاب الحوثي كبيت الحوثي، حميد الدين، الحاضري، المؤيد، المتوكل وغيرهم”.
وتابع: “هؤلاء القتلى استُهدفوا في أكثر من موقع، سواء في أنفاق الصفراء، أو في حرف سفيان، أو مناطق الحفا، أو وادي ريان في بني حشيش”.
وأشار إلى واقعة أخرى قائلاً: “هناك خبر لم يتم تناقله حتى الآن، وهو أن ميليشيا الحوثي نقلت عددًا من الأسرى والمعتقلين، ووضعوهم في المجمع الحكومي في حزم الجوف، الأسبوع المنصرم، واستهدفهم الطيران واستشهدوا، من بينهم محمد الصوفي من أبناء محافظة تعز، واثنان آخران، وهذه معلومات مؤكدة”.
وأضاف: “الضربات الأمريكية، بحسب المناطق التي نعرفها، كلها تركزت على مواقع الأنفاق والمعسكرات والأماكن العسكرية. أما قصف سوق فروة بحي شعوب، فكان نتيجة لصاروخ أرض-جو (سام 7) أطلقه الحوثيون لاعتراض طائرة أمريكية لكنه أخطأ الهدف وسقط على المدنيين”.
وقال: “حتى اللواء محمد الكميم، مستشار وزير الدفاع في الحكومة، اتهم الحوثيين مباشرة، إذ كان عدد من أقاربه من بين ضحايا تلك الغارة”.
وأضاف: “بالنسبة للمقبرة التي تم قصفها، فقد تبين أن صاروخًا مماثلًا أُطلق من جبل النهدين وسقط هناك، وميليشيا الحوثي تتاجر بأرواح الضحايا المدنيين”.
وأكد أن “الصواريخ الأمريكية دقيقة للغاية، والطيران والبارجات يستخدمان الأقمار الصناعية، ونسبة الخطأ فيها تكاد تكون صفرية”.
الاعتماد على الأقمار الصناعية
يقول المحلل السياسي الدكتور عبد الوهاب العوج: “من المؤكد أن الأمريكيين اعتمدوا على معلومات الأقمار الصناعية أكثر من اعتمادهم على عناصر استخباراتية ميدانية في الداخل، وبالتالي فإن استهدافاتهم منذ شهر حتى الآن، تركزت على مواقع تم رصد تغييرات طوبوغرافية فيها على مدى أشهر أو سنوات”.
وأضاف: “ضُربت مقابر يُقال إن هناك أنفاقًا تحتها، ممتدة من قصر الرئاسة ومناطق أخرى، وهذا يشير إلى أن الأمريكيين يستخدمون تقنيات الاستشعار عن بُعد (Remote Sensing)، للكشف عما تحت الأرض”.
وتابع: “برأيي، فإن خسائر الحوثيين تتركز على القدرات الصاروخية ومنصات الإطلاق ومخازن التسليح، أكثر من كونها طالت القيادات العسكرية الهامة”.
وأشار إلى أن “الحوثيين استفادوا من دروس حزب الله في لبنان، فحظروا وسائل الاتصال على قياداتهم، وهم يتحركون كأفراد وليس كمجاميع، واختفوا من المشهد منذ بدء الضربات”.
وأضاف: “لذلك لا أتوقع أنه تم اصطياد عناصر وازنة من الصف الأول مثل عبد الملك الحوثي، أو عبد الخالق، أو عبد الكريم، أو المداني، أو الغباري، أو العاطفي”.
وقال: “الحوثي لا يعلن عن خسائره، ويتكتم بشدة، كما حدث سابقًا مع طه المداني الذي لم يُعلن عن مقتله إلا بعد عام، رغم استهدافه في القصر الجمهوري”.
وأشار إلى أن “الحوثي يبالغ فقط في أعداد الضحايا المدنيين كما حدث في رأس عيسى، بينما يظل متكتمًا على خسائره الفعلية، معتمدًا على جهل واشنطن بالطبيعة اليمنية وتركيبة الجماعة”.
وتساءل العوج: “لماذا لا يكون لدى الحكومة الشرعية جهاز استطلاع جوي أو بري، يمد الجانب الأمريكي بمعلومات دقيقة لتفادي استهداف المنشآت، وتركيز الضربات على القيادات الرفيعة، خصوصًا الهاشمية السياسية المتمركزة في خولان بني عامر؟”.
واختتم بالقول: “الرئيس ترامب غيّر قواعد الاشتباك، ومنح القيادات الميدانية صلاحيات مطلقة لاستهداف الأهداف دون العودة لواشنطن، ما يعني أن هذه الحرب لها طابع مختلف تمامًا، وربما لن تُكشف نتائجها الحقيقية إلا بعد شهور، أو عقب عملية برية واسعة تكشف التغير في توازن القوى الحوثية”.