تقارير
كأنهم يحرثون الصخر.. ريفيون في اليمن يطحنهم العمل ولا يُنصفهم الأجر
في أرياف محافظة تعز، يستيقظ “أحمد السبئي” قبل شروق الشمس، متجهًا إلى أحد الجبال للعمل في تكسير الصخور، حاملاً مطرقته وأدواته البسيطة، ويبدأ يومه تحت أشعة الشمس الحارقة.
يعمل لساعات طويلة مقابل أجر زهيد لا يتجاوز 8 آلاف ريال يمني يوميًا، بالكاد يكفي لشراء القوت الأساسي لأسرته.
يقول أحمد: “نعمل بجهد كبير، لكن العائد لا يسد رمقنا. الحرب دمّرت كل شيء، ولم يتبقَّ لنا سوى هذه الصخور لنكسب منها رزقنا”.
العنبري، أحد العاملين الآخرين في مجال تكسير الحجارة، يقول لموقع “بلقيس”: “الإنتاج يعتمد على قوة الجهد المبذول، وعلى طبيعة الصخور الصمّاء خلال العمل. فأحيانًا يتم إنتاج ما بين 50 إلى 300 حجرة يوميًا، وفي أيام أخرى قد لا ننتج شيئًا في حال تعطّل الديناميت أو أداة الاستخراج، فنقضي اليوم في إصلاحها”.
ويضيف: “سعر الحجرة الواحدة يتفاوت بين 300 و400 ريال، وهو سعر غير مجدٍ في ظل أزمة الغلاء، مقارنةً بالجهد المبذول في استخراج وتفتيت تلك الصخور”.
ويقوم العنبري باستئجار الجبل من أحد الأشخاص، مقابل منحه 10% من نسبة الإنتاج. وبالتالي، فإن العمل يواجه صعوبات كبيرة، في مقدّمتها غلاء المشتقات النفطية، وارتفاع تكلفة البارود المستخدم في التفتيت، حيث وصل سعر العلبة إلى 45 ألف ريال، تُستهلك خلال عشرة أيام. بالإضافة إلى خطورة الرياح في بعض الأيام، ما يضطر العاملين إلى البقاء وعدم الصعود إلى الجبل، أو ربط أجسادهم خوفًا من السقوط.
ويقول عاملون آخرون إن العمل وسط الصخور شاق ومنهك أكثر من جدواه، خصوصًا في ظل غياب الحلول والأعمال البديلة. وهو ما يجبر من يفتقر إلى الخيارات الأخرى على الاستمرار فيه، متحمّلًا الأعباء الجسدية والمخاطر المحدقة، بحثًا عن الرزق. فالعمل أحيانًا يكون راكدًا، وقد تعود في نهاية اليوم دون أن تنجز أو تفكك صخرة واحدة، بسبب صلابة الجبال أو تعطل أدوات التفتيت. كما أن بعض العمال يتقاضون أجورًا يومية، بينما يعمل آخرون بنظام القطعة.
ويُعد العمل في مقالع الحجارة من أكثر الأعمال شقاءً في اليمن، خاصة في المناطق الريفية، حيث يعمل العديد من اليمنيين في هذا القطاع تحت ظروف صعبة، دون معدات حماية أو وسائل وقاية صحية، مما يعرّضهم لإصابات خطيرة وأمراض مزمنة. ورغم الجهد الكبير المبذول، فإن الأجور منخفضة للغاية، ولا تتناسب مع حجم المخاطر التي يواجهها العمال يوميًا.
ويعاني عمال الحجارة في اليمن من غياب الدعم اللازم، إذ لا توجد قوانين تحمي حقوقهم، ولا برامج توفر لهم التدريب أو المعدات اللازمة للعمل بأمان. كما أن نقص الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه النظيفة، يزيد من صعوبة حياتهم اليومية.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تدهور الاقتصاد بشكل حاد، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
ووفقًا لتقارير دولية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد عن 40% خلال السنوات الأولى من النزاع
كما توقفت رواتب العديد من موظفي القطاع العام. هذا الوضع دفع كثيري، خاصة في المناطق الريفية، إلى البحث
عن أي فرصة عمل متاحة، حتى وإن كانت شاقة وخطيرة، مثل العمل في مجال الحجارة.