تقارير
ما أبعاد ومآلات استضافة المجلس الانتقالي لوفد إسرائيلي؟ (تحليل)
نحاول في هذه التناولة أن نحلل زيارة فريق من منتدى الشرق الأوسط منتصف يوليو إلى مدينة عدن، باعتبارها محطة فارقة تكشف عن طبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية في اليمن؛ لا يقتصر التحليل على رصد مسار الزيارة في حدوده الزمنية، بل يتعداه إلى تفكيك هوية المشاركين، وخلفياتهم السياسية والفكرية، وأجنداتهم المعلنة والمضمرة؛ كما يتناول كيفية إدارة اللقاء، والرمزية التي انطوت عليها ترتيباته الأمنية والإعلامية، بما يجعل منه قاعدة معرفية موثوقة لدراسة الأبعاد الجيوسياسية اللاحقة، واستشراف المسارات التي قد تترتب على هذا الحدث في السياق اليمني والإقليمي.
وفد غير مسبوق في عدن
تم ترتيب الزيارة والإشراف عليها بالكامل من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي (STC)، مما يؤكد طابعها غير الرسمي. وصل الوفد عبر مطار عدن الدولي وتم توفير حراسة ومرافقة مباشرة له، خارج الأطر الرسمية للدولة، ولكن داخل الأطر التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، مما يعكس مستوى عال من التنسيق والسيطرة من قبل المجلس على أرض الواقع. وشملت برنامجا متكاملا ومصمما بعناية لعرض قدرات المجلس الانتقالي ككيان سياسي وعسكري فاعل؛ غير أن ما يلفت الانتباه هو أن هذه الجهود لم تُقدَّم أمام مؤسسات دولية أو جهات رسمية كبرى، بل أمام صحفيين وباحثين جاؤوا في إطار مركز دراسات، وهو ما يكشف رغبة الانتقالي في عرض خدماته على الغرب وإسرائيل تحت وهم تحقيق الانفصال ولو أمام أدنى مستويات الترتيب الإداري أو مصادر اتخاذ القرار، حيث قابلهم مسئولون على درجات متفاوتة أعلاهم وزير الدفاع، وأقلهم قادة ميدانيين على خطوط التماس، وقدم لهم البعض أوراقا تضم أنواع الأسلحة التي يحتاجها المجلس الانتقالي لقتال الحوثيين، كما لو أنهم مسئولين كبار في الجيش الأمريكي.
هذا السلوك يعكس ضعف المستوى القيادي للمجلس، إذ بدت شخصياته البارزة وهي تعرض احتياجاتها ومطالبها الجوهرية أمام زوار لا يمثلون مراكز صنع القرار، الأمر الذي يدل على قصور في إدراك الأهمية الرمزية للمكانة الشخصية والمؤسسية في العمل السياسي.
جدول أعمال الوفد جاء انعكاسا لاستراتيجية مدروسة أراد المجلس الانتقالي من خلالها تقديم نفسه كفاعل متعدد الأبعاد؛ فقد تكشف من طبيعة هذه اللقاءات أن الهدف لم يكن التعارف أو الاستماع، بل اختبار قابلية المجلس للعب دور يتجاوز حجمه المحلي، وعرض خدماته على الغرب وإسرائيل كقوة طامحة للانفصال.
هذه التوطئة تكشف عن عمق المأزق، إذ بدا مسؤولين كبار في المجلس وهم يطرحون احتياجاتهم أمام صحفيين وباحثين لا يملكون سلطة تقريرية، في مشهد يعكس ضعف الوعي القيادي ونقص الإدراك لأهمية المستوى الذي يخاطبونه، حتى على الصعيد الشخصي؛ من هنا يمكن قراءة كل محطة من محطات الزيارة باعتبارها فصلا في عرض سياسي مكشوف يراد منه بناء صورة أكبر من الواقع.
تصوير الزيارة كنجاح دبلوماسي واختراق سياسي
في أعقاب الزيارة، سعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تأطيرها كنجاح دبلوماسي باهر؛ صرح المتحدث الرسمي باسمه، نزار هيثم، بأن "وفدا أمريكيا رفيع المستوى" زار عدن للاطلاع على النجاحات الأمنية والعسكرية للمجلس، مؤكدا أن المجلس، بدعم سعودي وإماراتي، أصبح لاعبا رئيسيا لا يمكن تجاهله، وأن النتائج الإيجابية لهذه الزيارة ستظهر قريبا، وبطبيعة الحال، فإن النتائج لم تظهر حتى الآن إلا على شكل مقالين أو ثلاثة نشرتها مجلة إسرائيلية ومركز بحثي أمريكي يميني متطرف، كان اسمه هو الغطاء الرسمي للزيارة.
إن تنظيم الزيارة بهذا الشكل الدقيق، من الاستقبال في المطار إلى تأمين جولة على خطوط النار، يوضح أنها كانت عرضا مسرحيا سياسيا هدفه تقديم صورة منسقة للمجلس الانتقالي ككيان يمتلك مقومات الدولة: جهاز إعلامي، وسلطة تشريعية (الجمعية الوطنية)، وجهاز استخباراتي، وقوة عسكرية فاعلة على الأرض، وكانت الزيارة بمثابة "اختبار أداء" أمام جمهور غربي مؤثر، يقدم فيه المجلس نفسه كشريك استراتيجي موثوق وقادر على فرض الأمن والاستقرار، وفي نفس الوقت لديها استعداد عال لمقايضة الأهداف والمواقف السياسية بدون أي سقف أخلاقي.
كما أن إشراك وزير الدفاع في الحكومة المعترف بها دوليا، محسن الداعري، لم يكن مصادفة، بل كان خطوة استراتيجية محسوبة من قبل المجلس الانتقالي لخلق معضلة سياسية للحكومة الشرعية وإظهار نفوذه الفعلي، فالمجلس والحكومة شريكان في مجلس القيادة الرئاسي، لكنهما خصمان عميقان بأهداف متناقضة (الانفصال مقابل الوحدة). من خلال ترتيب هذا اللقاء وتعميم خبره، وضع المجلس الانتقالي الحكومة في موقف لا تُحسد عليه: إما أن تدين الزيارة، فتظهر بمظهر الكيان المنقسم والضعيف الذي لا يسيطر على وزرائه، أو أن تصمت، فتُعتبر موافقة ضمنية على خطوة تطبيعية لا تحظى بشعبية واسعة لدى قاعدتها السياسية. وبهذا، استخدم المجلس الانتقالي هذا اللقاء لإحراج خصمه السياسي وإخضاعه رمزيا على الساحة الدولية.
تحليل شخصيات وفد منتدى الشرق الأوسط
لفهم المغزى الحقيقي للزيارة، لا بد من تحليل خلفيات المندوبين الرئيسيين، جوناثان سباير ومايكل روبين؛ لم يكن هؤلاء مراقبين محايدين، بل كانوا ممثلين لوجهة نظر أيديولوجية محددة ومتشددة، مما يجعل اختيارهم للمشاركة في هذه الزيارة ذا دلالة عميقة.
• جوناثان سباير:
محلل وكاتب وصحفي بريطاني-إسرائيلي. يشغل منصب مدير الأبحاث في منتدى الشرق الأوسط، ورئيس تحرير مجلته "ميدل إيست كوارترلي"، وهو أيضا كاتب عمود في صحيفة "جيروزاليم بوست". هذا الدور المزدوج كباحث في مركز أبحاث وصحفي في وسيلة إعلام إسرائيلية كبرى هو عامل مهم في فهم دوره. يتركز عمله على منطقة المشرق والعراق، مع اهتمام خاص بشبكة وكلاء إيران، بما في ذلك حزب الله والحوثيون. تُظهر كتاباته بوضوح تبنيه لإطار "محور المقاومة"، حيث يحلل الصراعات الإقليمية من منظور التوسع الإيراني.
• مايكل روبين:
باحث أمريكي بارز في "معهد أميركان إنتربرايز" (AEI)، وهو مركز أبحاث محافظ له وزنه في واشنطن. عمل سابقا كمسؤول في البنتاغون، حيث تعامل مع قضايا الشرق الأوسط. تشير إليه وسائل الإعلام اليمنية صراحة بأنه محلل يكتب مقالات "تحت غطاء بحثي" لكنها تخدم "أجندة تمزيق اليمن والترويج للمشروع الإماراتي". تم الترويج له بشكل كبير من قبل وسائل الإعلام الموالية للمجلس الانتقالي، وقد كتب تقارير تنتقد الحكومة الشرعية. هذا يشير إلى أنه كان مشاركا تم اختياره بعناية لتعاطفه المسبق مع أجندة المجلس.
• المؤسسة الراعية: منتدى الشرق الأوسط (MEF):
هو مركز أبحاث أمريكي محافظ غير ربحي أسسه دانيال بايبس. يهدف إلى تعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ويرى أن "الإسلام المتشدد" هو المشكلة، وقد تعرض لانتقادات من قبل منظمات مثل "مركز قانون الحاجة الجنوبي" لنشره رسائل معادية للإسلام. يدير المنتدى برامج مناصرة مثل "مشروع انتصار إسرائيل"، الذي يدعو إلى تحقيق نصر إسرائيلي حاسم على الفلسطينيين كشرط مسبق للسلام. هذا الالتزام الأيديولوجي بنموذج أمني قائم على الانتصار، بدلا من التفاوض، يشكل العدسة التي ينظر من خلالها باحثو المنتدى إلى صراع المجلس الانتقالي مع الحوثيين.
اختيار كل من سباير وروبين كان موجها لشخصيات تتوافق رؤيتها للعالم بشكل كامل مع السردية الاستراتيجية للمجلس الانتقالي الجنوبي، خصوم المجلس الأساسيون هم الحوثيون، الذين يصورهم المجلس كوكيل لإيران؛ سباير، على وجه الخصوص، بنى مسيرته التحليلية على تتبع وفضح "محور المقاومة" الإيراني، وروبين معروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران. لذلك، لم يأتِ المندوبان إلى عدن ليقتنعا بالتهديد الحوثي؛ لقد وصلا وهما يؤمنان به بالفعل؛ كان هدف المجلس هو تقديم نفسه كقوة أكثر فاعلية واستعدادا لمواجهة هذا التهديد، وهي سردية كانت جاهزة للاستهلاك من قبل جمهورهما.
تمثل هذه الزيارة اندماجا بين نفوذ مراكز الأبحاث الأمريكية المحافظة ((AEI و (MEF) ووسائل الإعلام الموالية لإسرائيل (جيروزاليم بوست) لإنشاء قناة غير حكومية قوية تهدف إلى المصادقة على شريك استراتيجي محتمل؛ يتمتع كل من MEF و AEI بتأثير كبير في تشكيل خطاب السياسة الخارجية للمحافظين في واشنطن، بينما تعد "جيروزاليم بوست" صحيفة إسرائيلية كبرى ذات انتشار عالمي.
من خلال استضافة مندوبين من هذه المؤسسات، يضمن المجلس الانتقالي تضخيم رسالته في الدوائر السياسية والإعلامية الأكثر تعاطفا مع موقفه المناهض لإيران والداعم للأمن، وهذا يخلق حلقة تغذية راجعة حيث تنتج مراكز الأبحاث تحليلات تدعم المجلس، والتي يتم بعد ذلك نقلها كأخبار في وسائل الإعلام الحليفة، مما يبني الشرعية ويؤثر على السياسات من الخارج إلى الداخل.
الحسابات الاستراتيجية للمجلس الانتقالي
باعتباره فاعلا من غير الدول، فإن التحدي الرئيسي الذي يواجه المجلس هو الحصول على اعتراف دولي؛ من خلال التواصل مع شخصيات أمريكية مؤثرة ومرتبطة بإسرائيل، يحاول المجلس تجاوز القنوات الدبلوماسية التقليدية وبناء الدعم في العواصم الغربية؛ هذه استراتيجية تهدف إلى منحه وضع "اللاعب ذي حق النقض" في أي تسوية سلمية مستقبلية لليمن.
يقدم المجلس الانتقالي نفسه باستمرار كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب وتأمين الممرات البحرية الاستراتيجية؛ هذه السردية مصممة لجذب القوى الدولية المهتمة باستقرار مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وقد أشار المجلس حتى إلى استعداده للتعاون مع إسرائيل لمواجهة هجمات الحوثيين على حركة الملاحة.
يدرك المجلس الانتقالي تماما أن قوته مستمدة من الدعم العسكري والمالي والسياسي الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة؛ يمكن اعتبار هذه الزيارة بمثابة عمل يخدم مصالحه الخاصة والأهداف الاستراتيجية الأوسع لراعيه، الإمارات.
يستخدم المجلس الانتقالي استراتيجية "التطبيع مقابل الاعتراف"، حيث يراهن على أن الانفتاح تجاه إسرائيل سيمنحه شرعية في الغرب لا يمكنه الحصول عليها من خلال العملية التي تقودها الأمم المتحدة؛ العملية الرسمية للأمم المتحدة بشأن اليمن تستند إلى قرارات تؤكد على وحدة اليمن، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع هدف المجلس الأساسي. وقد صرح المجلس سابقا باستعداده لتطبيع العلاقات وحتى فتح سفارة إسرائيلية في عدن إذا حقق الاستقلال.
من خلال استضافة صحفي إسرائيلي والتواصل مع مركز أبحاث مؤيد لإسرائيل، يرسل المجلس إشارة إلى واشنطن وتل أبيب بأنه شريك محتمل في شرق أوسط ما بعد اتفاقيات أبراهام، والعرض الضمني هو: "اعترفوا بدولتنا، وستكسبون حليفا استراتيجيا على باب المندب صديقا لإسرائيل"، وهذا يمثل خروجا جذريا عن الإجماع السياسي الراسخ في اليمن. وتنكرا لتاريخ الدولة التي يقول إنه يسعى لاستردادها ويرفع علمها، حيث كان لها مواقف قومية واضحة وحادة تجاه إسرائيل، وشاركت في دعم حركات المقاومة الفلسطينية، بل ورفعت شعارات أكثر تطرفا من شعارات نظام مصر عبدالناصر، ولعل هذا مادفع الصحفي الأمريكي فرناندو كارفخال، إلى نشر مقال على موقع منتدى الشرق الأوسط ينصح فيه المجلس الانتقالي بتغيير العلم الذي يرفعه نظرا لحمولته السياسية التاريخية لدى الغرب وبعض دول الجوار.
المهندسون والسياق الأوسع
لا يمكن فهم زيارة وفد منتدى الشرق الأوسط إلى عدن دون تحليل الدور الإماراتي المحوري كراع أساسي للمجلس الانتقالي الجنوبي؛ فالزيارة لم تكن مجرد مبادرة من المجلس، بل امتدادا لسياسة أبوظبي الخارجية وأهدافها الاستراتيجية في اليمن.
تقدم الإمارات دعما شاملا للمجلس الانتقالي يغطي كافة المجالات، مما يجعله أداة رئيسية لتنفيذ سياستها حيث قامت بتشكيل وتدريب وتجهيز القوات العسكرية الرئيسية للمجلس، مثل قوات الحزام الأمني والنخب الشبوانية والحضرمية. هذه القوة العسكرية هي التي تمكن المجلس من السيطرة على الأرض وفرض أجندته.
توفر أبوظبي مساعدات مالية مباشرة، ومساعدات غذائية، ومشاريع تنموية في المناطق التي يسيطر عليها المجلس، مثل تمويل محطات الطاقة والمنح الدراسية. هذا الدعم لا يبني الولاء الشعبي للمجلس فحسب، بل يعزز أيضا من قدرته على الحكم وتقديم الخدمات.
كانت الإمارات هي المدافع الرئيسي عن المجلس على الساحة الدولية، حيث ضغطت لإدراجه في اتفاق الرياض ومجلس القيادة الرئاسي، مما أضفى شرعية على حركة انفصالية داخل إطار الدولة التي تسعى إلى تفكيكها.
يكمن الاهتمام الإماراتي الأساسي في تأمين مضيق باب المندب، الذي يعد شريانا حيويا للتجارة العالمية وإمدادات الطاقة؛ إن دعمها للمجلس وتواجدها العسكري في جزر استراتيجية مثل بريم (ميون) وسقطرى يهدف إلى بسط نفوذها على هذا الممر المائي الهام.
تنظر أبوظبي إلى الصراع اليمني كجبهة في صراع إقليمي أوسع ضد إيران (من خلال الحوثيين) وتيارات الإسلام السياسي مثل حزب الإصلاح التابع للإخوان المسلمين. والمجلس الانتقالي هو أداتها المفضلة لمواجهة كلا الخصمين.
غيرت اتفاقيات أبراهام لعام استراتيجية الإمارات الإقليمية بشكل جذري، مما أدى إلى زيادة التعاون الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات المشتركة من إيران. وتشير تقارير إلى إنشاء قواعد استخباراتية إماراتية-إسرائيلية مشتركة في المنطقة، بما في ذلك على الجزر اليمنية.
في ضوء هذا السياق، يمكن النظر إلى زيارة وفد منتدى الشرق الأوسط، كامتداد للسياسة الخارجية الإماراتية؛ لقد استخدمت أبوظبي فاعلا من غير الدول (المجلس الانتقالي) ومنظمة غير حكومية (منتدى الشرق الأوسط) لتعزيز تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل في مسرح عمليات حساس؛ تدرك الإمارات أن أي انخراط مباشر من جانبها أو من جانب إسرائيل مع فصيل يمني سيكون له تداعيات سياسية خطيرة؛ لذلك، قامت بتسهيل ما يوصف بـ"دبلوماسية المسار ."، حيث يلتقي وكيلها (المجلس الانتقالي) بكيان مؤيد لإسرائيل ومتوافق أيديولوجيا (منتدى الشرق الأوسط)؛ هذا التكتيك يسمح للإمارات ببناء هيكل تحالف فعلي وإرسال إشارات حول المصالح المشتركة إلى إسرائيل دون ترك بصمات رسمية، مما يحقق هدفا استراتيجيا مع الحفاظ على درجة من الإنكار المعقول.
البعد الإسرائيلي: تقارب المصالح في البحر الأحمر
على الرغم من عدم وجود مسؤولين إسرائيليين في الوفد، فإن هوية المندوب جوناثان سباير، ودور صحيفة "جيروزاليم بوست" في كشف الزيارة، والسياق الجيوسياسي الأوسع، تجعل من إسرائيل "شبحا حاضرا في المأدبة"؛ كانت المصالح الإسرائيلية ضمنية لكنها قوية ومؤثرة.
يُعد البحر الأحمر ومضيق باب المندب شريان حياة بحريا حاسما لإسرائيل، حيث يربطها بآسيا والمحيط الهندي؛ أي تعطيل لهذا الممر من قبل قوة معادية، مثل الحوثيين المدعومين من إيران، يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الإسرائيلي.
تنظر إسرائيل إلى الحوثيين، الذين يرفعون شعار "الموت لإسرائيل" وهددوا الملاحة الإسرائيلية، كجزء من شبكة وكلاء إيران الإقليمية وتهديد مباشر. وبالتالي، فإن إيجاد وتمكين شركاء محليين مستعدين وقادرين على مواجهة الحوثيين هو هدف إسرائيلي واضح.
فتحت اتفاقيات أبراهام آفاقا جديدة للتعاون الأمني؛ يمكن اعتبار الزيارة، التي سهلتها الإمارات، بمثابة عملية منخفضة المخاطر لجمع المعلومات الاستخباراتية وبناء العلاقات؛ فهي تسمح لمحللين مرتبطين بإسرائيل بالحصول على تقييم مباشر لقدرات ونوايا حليف مستقبلي محتمل.
تودد قادة المجلس الانتقالي علنا إلى إسرائيل، حيث صرح الرئيس الزبيدي باستعداده لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مقابل الاعتراف بدولة الجنوب. وهذا يجعل المجلس شريكا محتملا جذابا بشكل فريد لإسرائيل في شبه الجزيرة العربية؛ لكنه سيكون حليفا عالي التكلفة؛ فالتطبيع مع إسرائيل، خاصة في الظرف الحالي، سيجعل منه سلطة منبوذة شعبيا، وبالنظر إلى تعدد المنافسين، فإن مصير الانتقالي سيظل مرتبطا دائما بالدعم الإماراتي والإسرائيلي، وربما بدرجة تفوق الفائدة المرجوة منه، وهو ما ستتناوله هذه الدراسة لاحقا عند تحليل المخاطر.
يسلط هذا اللقاء الضوء على عقيدة أمنية إسرائيلية جديدة في حقبة ما بعد التطبيع، وهي زراعة تحالفات مع فاعلين من غير الدول عبر شركاء إقليميين (مثل الإمارات) لإنشاء دفاع متعدد الطبقات ضد النفوذ الإيراني؛ كان النموذج الأمني التقليدي لإسرائيل يعتمد على العلاقات بين الدول (مصر، الأردن)؛ خلقت اتفاقيات أبراهام نموذج شراكة جديد مع دول الخليج مثل الإمارات؛ في المقابل، تعتمد استراتيجية إيران على رعاية وكلاء أقوياء من غير الدول (حزب الله، الحوثيون)؛ تشير هذه الزيارة إلى أن إسرائيل يمكن أن تتبنى استراتيجية مماثلة؛ فهي تعمل من خلال شريكها الحكومي (الإمارات) لبناء علاقة مباشرة مع فاعل من غير الدول (المجلس الانتقالي) يتمتع بموقع جغرافي يمكنه من مواجهة وكيل إيراني (الحوثيون) وهذا إن حدث سيمثل تطورا مهما في السياسة الخارجية الإسرائيلية، غير أنه مايزال في طور التوقعات، خاصة في ظل ضمان حصول إسرائيل على خدمات الانتقالي، دون الاضطرار لتقديم خدمة مباشرة بدلا عن الإمارات.
العواقب وردود الفعل والتوقعات المستقبلية
نحاول في هذا القسم تقييم تداعيات الزيارة ويقدم تحليلا استشرافيا لأهميتها على المدى الطويل؛ سيستكشف كيف تم تفسير الحدث من قبل مختلف الفاعلين وما ينذر به لمستقبل الصراع اليمني والتحالفات الإقليمية.
كشفت الزيارة عن انقسامات عميقة في المشهد اليمني، حيث قوبلت بردود فعل متباينة بشكل حاد، مما يعكس الصراع الأوسع على هوية اليمن وتوجهاته المستقبلية:
احتفى المجلس الانتقالي بالزيارة علنا واعتبرها انتصارا دبلوماسيا ودليلا على مكانته الدولية المتنامية ودوره كمزود أمني رئيسي، وخارج دوائر المجلس الانتقالي، قوبلت الزيارة بإدانة واسعة من قبل سياسيين وصحفيين يمنيين، واعتُبرت الزيارة خيانة للإجماع الوطني المناهض للتطبيع مع إسرائيل وانتهاكا للتضامن اليمني مع القضية الفلسطينية، بما في ذلك تراث اليمن الجنوبي المؤيد للقضية الفلسطينية. كما نظر خلقت الزيارة مادة دعائية مجانية للحوثيين، إذ توفر لهم مادة خصبة لتأكيد سرديتهم عن تبعية خصومها للخارج، وتمنحهم أداة لتعبئة جمهورهم على أساس وطني وديني، فيظهرون كمدافعين عن السيادة ومقاومين للتطبيع، فيما ينشغل خصومهم في تقديم أنفسهم كحلفاء محتملين لإسرائيل، وتمنحهم هذه الزيارة ذخيرة أيديولوجية قوية لتبرير حربهم، وحشد الدعم الشعبي، وتقديم أنفسهم كحركة المقاومة الحقيقية الوحيدة التي تدافع عن سيادة اليمن والقضية الفلسطينية.
الموقف الغامض للحكومة اليمنية:
لم يصدر أي تعليق من أي مستوى في الحكومة المعترف بها دوليا أو مجلس القيادة الرئاسي؛ هذا الصمت اللافت يعكس على الأرجح الشلل الداخلي الناجم عن فقدانها السيطرة الأمنية في عدن، جغرافية تواجدها، فضلا عن الحرج الناتج عن مشاركة وزير دفاعها في اللقاءات؛
عجز الحكومة عن إدانة الزيارة دون فضح انقساماتها الداخلية يسلط الضوء على ضعفها السياسي في مواجهة المجلس الانتقالي؛ هذا الضعف يؤكد على حقيقة موت السلطة الشرعية في كل ما يخص مواضيع سيادة البلاد، إذ لم يعد يهم النخبة الحاكمة شيء أكثر من مصالحهم الشخصية ودوائرهم الضيقة.
تقييم استراتيجي وتوقعات مستقبلية
سعت الزيارة إلى رفع مكانة المجلس الانتقالي لدى شريحة رئيسية من مؤسسات السياسة الخارجية الغربية، وإظهار قدرته على التصرف ككيان سيادي، ومع ذلك، بعد مرور ثلاثة أشهر، تبدو النتائج الملموسة لهذه الزيارة شبه منعدمة، والأهم من ذلك، أن خبراء غربيين مثل فرناندو كارفاخال، الذي يكتب في نفس المنصة التي رعت الزيارة، نشر مقالا ينصح فيه المجلس بضرورة "إعادة بناء علامته التجارية"، بما في ذلك تغيير علمه؛ هذه النصيحة تشير إلى أن جهود المجلس لتلميع صورته تقابل بالفشل، وأن رموزه المرتبطة بحقبة الحرب الباردة لا تزال تشكل عائقا أمام قبوله في الغرب، وبالتالي، بدلا من أن تكون الزيارة اختراقا دبلوماسيا، فقد كشفت عن عمق مشكلة الصورة التي يواجهها المجلس.
من خلال اتباع سياسة خارجية تتعارض بشكل مباشر مع الإجماع الوطني، وربط مصير الجنوب بأجندة أبوظبي والتودد لتل أبيب، أظهر المجلس الانتقالي استعدادا للمضي في خيارات تفقده أي إمكانية للعودة إلى مشروع وطني جامع، وتفتح الباب أمام مزيد من التدويل الذي يضعف سيادة اليمن ويحول أراضيه إلى مسرح لتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية.
مستقبل محور الإمارات-إسرائيل-المجلس الانتقالي:
يعمل هذا اللقاء كدليل على مفهوم محور أمني جديد وغير رسمي في جنوب البحر الأحمر؛ من المرجح أن يتعمق التعاون المستقبلي، وقد ينتقل من الزيارات التحليلية إلى تبادل معلومات استخباراتية وتنسيق أمني أكثر واقعية، وكل ذلك يتم تحت إشراف الإمارات وبدرجة من الإنكار المعقول، غير أن هذا الاحتمال يصطدم بواقع أن المجلس الانتقالي، رغم استعداده للعب هذا الدور، لا يملك قيمة استخباراتية كبيرة لإسرائيل، فهو يسيطر على مناطق لا تمثل أهمية استراتيجية مباشرة لتل أبيب، بينما يعجز عن النفاذ تقنيا وبشريا إلى مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تكمن مصادر القلق الإسرائيلي الحقيقية؛
في المقابل، يظل مكشوفا أمام الحوثيين أكثر مما هم مكشوفون أمامه، كما أن كلا من المجلس والحوثيين مكشوفان لإسرائيل والولايات المتحدة لدرجة تجعل من تعاونهم أو عدمه نتيجة واحدة تقريبا، وبالنظر إلى أن القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية متقدمة للغاية، فإن أي معلومات يمكن أن يقدمها المجلس قد تكون هامشية أو مكررة، مما يجعل هذا المحور ذا قيمة سياسية رمزية أكثر من كونه شراكة أمنية فعالة.
التأثير في السياسة الأمريكية:
قد تثير الزيارة نقاشا محدودا في الأوساط الأمريكية المهتمة بالمنطقة؛ فبينما تدعم الولايات المتحدة رسميا يمنا موحدا والعملية التي تقودها الأمم المتحدة، فإن مراكز بحثية مثل منتدى الشرق الأوسط ومعهد أميركان إنتربرايز تطرح رؤى تعطي للمجلس الانتقالي دورا يتجاوز حجمه، ومع ذلك، لا يُتوقع أن تؤثر هذه الرؤى في مسار السياسة الأمريكية بمفردها، حتى وإن وجدت صدى لدى بعض الشخصيات السياسية أو التيارات المرتبطة باللوبي الصهيوني؛ يظل موقف واشنطن الرسمي رافضا لفكرة الانفصال لأسباب متعددة، منها الحمولة التاريخية السلبية للدولة التي يسعى الانتقالي لاستعادتها، وكذلك محدودية الجدوى الدبلوماسية من وجود كيانين دوليين في منطقة واحدة، بما يعني مضاعفة الجهود الأمنية والدبلوماسية بدلا من توحيدها في إطار دولة واحدة؛
تُعتبر زيارة وفد منتدى الشرق الأوسط لعدن نموذجا للتفاعلات المستقبلية بين الجماعات الانفصالية والمسلحة الناشئة بين إسرائيل والخليج، مما قد يعيد تشكيل الصراعات في جميع أنحاء المنطقة، إذ قد ترى مجموعات أخرى من الحركات الانفصالية في المنطقة (على سبيل المثال، في ليبيا أو سوريا أو العراق) التي تتماشى مع الأجندة المناهضة لإيران والمؤيدة للتطبيع هذا كنموذج يحتذى به، وقد يؤدي هذا إلى ديناميكية جيوسياسية جديدة حيث ترعى الإمارات وإسرائيل شبكة من الشركاء الأمنيين داخل دول المنطقة، مما يخلق مشهدا من الوكلاء يقابل "محور المقاومة" الإيراني، والنتيجة طويلة الأمد قد تكون المزيد من تآكل السيادة التقليدية للدولة في الشرق الأوسط.
خاتمة
ومع ذلك، فإن الخطر النهائي الذي يواجهه المجلس الانتقالي هو أن يصبح بيدقا يمكن التخلص منه في لعبة قوى كبرى أوسع؛ إن نفوذه المكتشف حديثا يعتمد كليا على فائدته لرعاته (الإمارات) وشركائه المحتملين (إسرائيل، المحافظون الأمريكيون)؛ قيمته الاستراتيجية مرتفعة حاليا بسبب تهديد الحوثيين للأمن البحري؛ إذا تغيرت الديناميكيات الإقليمية - على سبيل المثال، تقارب أمريكي-إيراني أو تسوية سعودية-حوثية تعمل على استقرار البحر الأحمر - فقد تنهار القيمة الاستراتيجية للمجلس، وبعد أن قام بتنفير جزء كبير من قاعدته المحلية من خلال سياسة التطبيع، قد يجد المجلس الانتقالي نفسه مهجورا دوليا ومعزولا محليا، ليكون قصة تحذيرية للفاعلين بالوكالة الذين يربطون مصيرهم بشكل وثيق جدا بالمصالح المتغيرة للقوى الخارجية.
كما أن أوهام الانفصال تبدو أكثر كلفة يوما بعد آخر، فقد يجد المواطن الجنوبي قياداته السياسيين وهم مكبلين بالولاء لتل أبيب على أمل الحصول على الدعم الكافي للاستقلال عن صنعاء، على الرغم من أن عملية الاستقلال عن صنعاء لا تحتاج لثمن من هذا النوع، خاصة في هذا التوقيت الذي تبدو فيه الفرصة أمام عدن لتكون حاضرة البلاد السياسية والاقتصادية لو أن نخبتها السياسية تدرك أهمية موقعها ومكانتها، أو لو أن هذه القيادات جاءت من رحم المجتمع، ولم تتخلق عبر حبل سري يغذيها بأسباب البقاء من أبو ظبي.