تقارير
ما دلالات خروج محافظ الحديدة بخطاب لاذع وغاضب ضد الحكومة؟
خطاب ناري أطلقه محافظ الحديدة، الحسن طاهر، أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، تضمن رسالة وجهها إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، قال فيها: "فخامة الرئيس العليمي سئمنا الوقوف على الأبواب، انتبهوا علينا قبل أن تفقدونا، فنحن نعزكم ونحترمكم".
حظي المحافظ طاهر بتعاطف شعبي واسع، وفي الوقت ذاته أظهر حجم التخاذل، الذي تعيشه محافظة الحديدة، التي تمتلئ بالنازحين والجياع، وبالموظفين الغاضبين من تأخر رواتبهم، وانعدام الخدمات، ما يعكس التواطؤ والتقصير والانتهاك، الذي يطال المواطنين هناك.
أوضح المحافظ عبر خطابه - الذي ألقاه بمناسبة ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة - الخذلان الحكومي، ومقدار الفساد، الذي يستشري في البلاد، مشيرا إلى أنه تحوّل كما المتسوّل على أبواب الحكومة، وهو يسعى إلى متابعة قضايا محافظته.
- لا توجد دولة
يقول الصحفي والناشط السياسي، وديع عطا: "إن خطاب المحافظ كانت نتيجة لتراكمات من التجاهل واللا مبالاة، وعدم الاكتراث، والإهمال للمطالب التي يرفعها منذ أربع سنوات".
وأوضح: "الحكومة لم تبقِ لمحافظ الحديدة سوى منصبه الشرفي، ولا يتحرك إلا وفق ما تسمح به الإيرادات النادرة، التي يحصل عليها في المناطق المحررة من المحافظة".
وأضاف: "الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي، عمليا، سلبت السلطة المحلية في محافظة الحديدة كل الإمكانات والقدرات التي تجعلها فعلا تمثل دولة".
وأوضح: "من يسيطر على الأرض هي القيادات العسكرية، وقيادات لا تمثل روح الدولة؛ لأنه في الأخير المحافظ يريد أن يفتتح مشاريع وأن يؤسس ويرمم ويطبِّع الحياة قانونيا وإداريا وخدميا، لكن للأسف لا يملك الإمكانات والصلاحيات".
وتابع: "لا يبدو تماما أن الحكومة تُولي محافظة الحديدة، أو ما تحرر من محافظة الحديدة، أي اهتمام، فالمحافظ عندما يخرج ويقول إنه منذ توليه المسؤولية لم يحصل على مشروع حتى لمدرسة، وكل ما تم هو ترميمات، وإعادة تأهيل للمشاريع والمؤسسات الخدمية، بما توفَّر من الموارد الشحيحة".
وأشار إلى أن "أكبر مورد تحصل عليه السلطة من ضرائب القات، وهنا بعض الموارد لا تحصل عليها إلا بعض القيادات العسكرية، أو لا تحصل، لأنه لا توجد دولة".
وتابع: "أنا من أبناء محافظة الحديدة، وفي كل مقابلة، منذ العام 2018م، ونحن نقول إن أبناء محافظة الحديدة في المناطق المحررة بحاجة إلى تواجد الدولة".
وأردف: "المحافظ والمكاتب التنفيذية في المحافظة يعملون بالفتات، وأحيانا بالتبرعات، فمثلا مكتب الثقافة أحيانا يعمل بجهود ذاتية، وبميزانية صفرية، بينما نرى المقاومة الوطنية، أو طارق عفاش، يبذل جهودا كبيرة لإقامة فعاليات بالملايين في تعز، بينما الساحل، الذي يفترض أنه مسؤول عنه، المحافظة تعمل بميزانية صفرية، وبعض المكاتب التنفيذية مستأجرة في دكاكين، لأنهم ليس لديهم موارد، ولا يمتلكون حتى كرسي لبدء الدوام، وأنا لا أدافع على السلطة المحلية، وإنما أقول الحقيقة".
وزاد: "الوضع في الحديدة، سواء سلطة محلية أو مواطنين، نحن نتكلم عن تجاوز شامل من قِبل سلطات الحكومة ومجلس الرئاسة، ومن قِبل أيضا طارق عفاش، الذي يفترض اليوم أنه يمثل الساحل الغربي بما فيه جنوب الحديدة، ولا توجد مشاريع حقيقية تعكس وجود الدولة، واهتمام الدولة".
وقال: "علينا أن نتخيّل عندما يتحدث محافظ المحافظة ويقول إن هناك وزراء في الحكومة الشرعية لا يعرفون أن هناك مناطق محررة في محافظة الحديدة، وكل ما سمعوه هو الانسحاب المذل، الذي سمي بإعادة التموضع، ويعتقدون بأن الحديدة سقطت كاملة بيد مليشيا الحوثي".
وأضاف: "المناطق المحررة جنوبي محافظة الحديدة هي مديريتين، من إجمالي 26 مديرية، لكن في الأول والأخير داخل هذه المناطق نحو نصف مليون، إضافة إلى نصف مليون نازح، وهؤلاء المليون نسمة المسؤول عنهم محافظ اختار ألا يبقى في المنفى، وأن يبقى في الوطن، واختار أن يتخذ من مديرية الخوخة مركزا إداريا مؤقتا، وأن يعود إلى أبناء محافظته ببعض الخدمات على الأقل".
وتابع: "المحافظ يمتلك حق الإقامة في الأردن، ويستطيع أن يذهب إلى دبي، وإلى أي عاصمة عربية بجوازه الدبلوماسي أو الخاص، لكنه اختار أن يكون مع المواطنين وإلى جانبهم، لكنه يواجه معاناة الحرمان والتجاهل كواحد من المواطنين، وليس كمحافظ".
وزاد: "طارق عفاش، منذ العام 2018م، وحتى الآن وهو يعلن عن وضع أحجار أساس وتأسيس، وأنه سيضيء المخا والخوخة وحيس بالكهرباء، وفي كل رمضان يبشر المواطنين بنفس الإعلانات".
ولفت إلى أن "مجلس الرئاسة يحسب هذه المناطق المحررة جنوبي الحديدة بأنها تحت سلطة طارق عفاش إداريا، بينما لا يصل من طارق إلى هذه المناطق سوى الوعود وأحجار الأساس، وبعض الفتات التي تقدم عبر الخلية الإنسانية، التابعة للمقاومة الوطنية".
وأكد أن "الدولة لا توجد في هذه المناطق حتى كأقسام شرطة، لأن القيادات العسكرية هي التي لا تزال تتحكم، ولا توجد كخدمات، وما تتوفر من خدمات شحيحة عبر المنظمات".
وأوضح: "هناك تعنتا من قبل وزارة المالية، ووزارة الخدمة المدنية، وتجاهل من قِبل معين عبدالملك، وتجاهل ولا مبالاة من قِبل رشاد العليمي، وتجاهل وعدم اكتراث من السلطة تجاه أبناء الحديدة، ولذلك صدق المحافظ حين قال: نحن محاصرون من الصديق، الذي لا ينظر إلى معاناتنا، وكذلك من العدو، وهو مليشيا الحوثي، التي تحاصر المناطق المحررة".
- استثناء الحديدة
يقول المحامي والناشط الحقوقي، عبدالرحمن برمان: "إن محافظ الحديدة ذكر أن جزءا من المعاناة، التي يعانيها أبناء المناطق الساحلية ومنطقة تهامة في المحافظة، وهناك معاناة كبيرة من انعدام الخدمات بشكل عام، خصوصا المدارس، حيث يدرس الطلاب تحت الأشجار، والمستشفيات مدمّرة، والمستشفيات التي تعمل لا يوجد فيها ما يمكن أن يقدمه الأطباء العاملون فيها؛ بسبب شحة الإمكانيات".
وأوضح: "لا توجد أي خدمات من الحكومة في هذه المناطق: لا الكهرباء، ولا مياه، ولا غيرها من الخدمات، ونستطيع القول إن الدولة غير موجودة في هذه المناطق".
وأضاف: "المحافظ قال كلمة بصورة مؤلمة جدا، وأوجعنا حديثه يوم أمس، وذكّر بالمأساة التي تعيشها المناطق الساحلية، وخصوصا في فصل الصيف، الذي يعاني فيه المواطنون من الحر الشديد، وأيضا ما يتعلق بانقطاع المرتبات في الكثير من المؤسسات، والمساعدات الإنسانية، التي تصل إلى هذه المناطق بصورة شحيحة جدا".
وتابع: "الإمكانيات يفترض أن تكون لدى السلطات المحلية، وهي المعنية بجمع الإيرادات التي من المفترض أن تكون كل الإيرادات بيدها وفقا للقانون والدستور اليمني، ووفقا لما هو معمول عليه اليوم في محافظات حضرموت ومأرب وعدن، وغيرها من المحافظات، لكن هناك استثناء لمحافظة الحديدة، واليوم نسمع هذا الصوت، الذي سيؤدي دورا كبيرا جدا بالضغط على السلطات".
وأردف: "عندما ننظر إلى الصور، التي تأتي من المناطق الساحلية جنوبي الحديدة، عن حالات سوء التغذية لدى الأطفال، فهي صور مخيفة جدا، لا سيما وأن هذه المناطق تعرضت للحرب، ودمرت الكثير من المنازل، وهناك الكثير من الألغام، والجرحى والمعاقين والمشردين، والنازحين، وممن فقدوا أعمالهم ومزارعهم، ولا يستطيعون العمل، ولا حتى الذهاب إلى الصيد؛ إما بسبب ألغام مليشيا الحوثي، أو بسبب منع التحالف دخول الصيادين إلى بعض المناطق".
وزاد: "الحكومة هي المسؤول الأول عن المواطنين، وفقا للقوانين والدستور والأعراف المتعارف عليها، فهي المسؤولة عن حمايتهم ورعايتهم، ومنحهم حياة كريمة، والمحافظة على كرامتهم، وأمنهم واستقرارهم وحياتهم، وتعليم أبنائهم، وتوفير كل متطلبات الحياة لهم، لا سيما في ظل الكوارث والحروب، حيث تصبح مسؤوليتها أكبر".