تقارير
من المولد إلى ذكرى الثورة.. غضب واحتجاجات يواجهان إجراءات القمع الحوثية
عام بعد آخر، منذ الانقلاب الحوثي وسيطرة المليشيات على صنعاء، أواخر العام 2014، تتعزز مكانة السادس والعشرين من سبتمبر في الذاكرة الجمعية اليمنية كأهم يوم في التاريخ اليمني الحديث، الأمر الذي تجسّد ذلك في الاحتفالات غير المسبوقة، التي شهدتها مدن يمنية عديدة، بما فيها المدن الواقعة تحت سيطرة المليشيات مثل صنعاء وإب والحديدة، رُغمَ محاولات الحوثيين تهميشها وصولاً إلى محوها من ذاكرة اليمنيين ما أمكَنهم، مقابل فرض مناسباتهم الخاصة والسياسية، بيدَ أنّ الفشل كان المصير، الذي كتبه اليمنيون لتلك الجهود، في ثباتٍ وتحدٍ واضحيين للمليشيا، التي اعتادت التلويح بالقوّة لفرض كل ما ترغبُ بفرضه.
- نتائج عكسية
"إجلس هذا سبتمبر، عيد الأعياد، لو ما احتفلنا فيه بأيش عاد نحتفل"، بهذه الجملة خاطب رجل ستيني ابنه، الذي كان يستحثه العودة إلى المنزل بعد ملاحظته حدوث بعض التوترات، التي امتدّت حدّ الاشتباكات بالأيدي بين عناصر حوثية ومواطنين محتفلين بالذكرى الحادية والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر في ميدان التحرير، أمس الاثنين، التوترات التي تظهر عدم رضا الحوثيين عن احتفالات اليمنيين بالثورة الأم، التي غيَّرت تاريخ البلاد، ورَمَت بالإمامة خلف ظهور اليمنيين، كانت قد نشبت بسبب الخلاف على الشعارات، فبينما كانت العناصر الحوثية تصرّ على ترديد الصرخة كان المواطنون يهتفون بصوت واحد: "بالروح بالدم، نفديك يا يمن".
وعلى مدى الأعوام التسعة الماضية، عمدَ الحوثيون إلى تجاهل ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر مقابل تعزيز ذكرى انقلاب الحادي والعشرين من سبتمبر، غير أنّ النتائج تأتي معاكسة لرغبتهم في كل مرَّة، فبينما انحصر الحضور في ليلة إحياء ذكرى الانقلاب في ميدان التحرير على الحضور الحوثي الرسمي والقوات الأمنية التي تؤمِّن الميدان، شهدَ إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر زخماً وحضوراً جماهيريا لافتا، رغم قطع الحوثيين الطرق وعرقلة الكثير من الراغبين بالحضور في الطرقات والاعتداء على المواطنين في عدد من الأحياء، من بينها شارع حدة، بالإضافة إلى نزع الأعلام الجمهورية من على السيارات في إطار مساعيهم لكبح جماح المحتفلين.
- بين الواقع والمنشود
"رغم (الحِراف) أحتفظ بـ10 آلاف ريال لأعسب بها الأطفال صباح السادس والعشرين من سبتمبر، وأخبرهم أنها بمناسبة هذا العيد"، منشور كتبه الشاب محمد العواضي على حائطه في "فيسبوك"، مؤكداً ضرورة تعليم الأطفال استشعار أهمية هذا اليوم وعظمته بأي طريقة، ليبقى محفوراً في ذاكرتهم.
وفيما اقتصر الاحتفاء بأم الثورات سنوياً على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بعض المدن المحررة، مثل: تعز ومأرب يرى الصحفي صامد السامعي أنّ الاحتفاء بهذه المناسبة افتراضيا، وإنْ كان فيه نوع من المقاومة والرفض الشعبي المستمر للانقلاب وعودة الكهنوت، وما ظهر من ملامح الإمامة ما يزال باهتاً واختيارا للطريق السهل للتعبير عن هذا الرفض. يضيف لموقع قناة "بلقيس": 'تسعة أعوام منذ الانقلاب، ومازلنا نكتفي بالاحتفاء الافتراضي، وذلك لا يرتقي لمستوى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، كان ذلك مقبولا بداية الحرب بحكم الأحداث وتعقيدات الحرب والأوضاع السياسية والاقتصادية".
وفيما يؤكد ضرورة الانتقال إلى أرض الواقع وإعطاء هذه المناسبة المهمة حقها من خلال الاحتفالات وإقامة الندوات والفعاليات الثقافية والفنية، يشير إلى غياب دور النُّخب السياسية والثقافية والاقتصادية.
يقول مُذكراً: "من قام بالثورة كانوا هم النخبة والتفّ الناس حولهم، بينما تغيب النّخب الآن عن واقع الشعب والبلاد وتتناسى دورها تماماً، وضرورة حضورها في مناسبة كهذه على الأقل".
- مناسبات الحوثيين.. الرفض الصامت
بِدافع الخوف والحذر يكتفي كثيرٌ من المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين بإبداء معارضتهم لمحاولات الحوثيين فرض مناسباتهم الخاصة والسياسية كانت كذكرى انقلاب الحادي والعشرين من سبتمبر، أو طائفية كيوم الولاية والغدير وعاشوراء، أو استغلال المناسبات الدينية كالمولد النبوي، الذي ما فتئ الحوثيون يستغلونه في إرسال رسائلهم السياسية والعسكرية، وكذا اقتصاديا من خلال فرض الرسوم والإتاوات لتمويل تكاليفه على حساب المواطنين، متجاهلين الظروف الاقتصادية، التي يعاني المواطنون ثقل وطأتها للعام التاسع توالياً.
تختلف أسباب الرفض الشعبي لهذه المناسبات باختلاف فئاتها 'فرفض الاحتفال بالانقلاب يعود إلى رفض غالبية المواطنين له، واختلافهم سياسيا مع المليشيات، فيما تُرفضُ المناسبات الطائفية كيوم الولاية في رد فعل طبيعي من شعب ينتمي قبل كل شيء للوطن، الذي ينهار أمام عينيه فيما لا تهتم المليشيا المستولية على السلطة إلا بفرض معتقداتها الطائفية، وإجبار الناس على اتباعها"، كما يقول م.ن، وهو صحفي يقيم في صنعاء.
وبينما يكافح ملايين اليمنيين في سبيل الحصول على طعام يكفي قوت أسرهم ليوم واحد، يجمع الحوثيون منهم مليارات الريالات لصرفها على احتفالاتهم، فكيف يمكن أن يتقبَّل عقل سوي هذا؟ يتساءل م.ن، مضيفا: "قبل كل هذا يكمن أهم أسباب فشل الحوثيين في فرض مناسباتهم، ومحو مناسبات اليمنيين، هو الرفض الشعبي للحوثيين، وهو رفض كامن تحت رماد الصمت الحذر بجبروت المليشيات وإجرامها، لكن ملامحه بدأت تتكشف، وتظهر أكثر، عاما بعد آخر".